كبرياء أسفل السلم "
ذكان درسًا لن أنساه ما حييت…
دعاني صديقي ذات مساء إلى حضور حفلة في أحد الكازينوهات الراقية. لم تكن المرة الأولى التي أدخل فيها هذا المكان، بل كنت قد زرته من قبل عدة مرات ، غير أن هذه المناسبة كانت مختلفة… شعرت بأن شيئًا مميزًا ينتظرني، فأعددت لها عدتي وأناقتي كما لم أفعل من قبل .
ارتديت ثوبًا أحمر فاقعًا، مرصعًا بالترتر الفضي الذي يخطف الأبصار ويُثير الدهشة، وكأنني نجم يتلألأ تحت أضواء مسرح كبير. زينت نفسي زينة العروس في ليلة زفافها، حرصت على كل تفصيلة صغيرة… تسريحة الشعر، طلاء الأظافر، العطر الفوّاح. الحذاء ذو الكعب العالي ، أردت أن أكون محط أنظار الجميع ؛ نساء و رجال ، أن تتوقف الهمسات حين أدخل كنجمة مضيئة ، وأن ترتفع الرؤوس نحوي حيثما مشيت. كنت أقول لنفسي بفخر:
"كفى بكبريائك يا أرض، لا تحملين من هو أبهى مني الليلة!"
صعدت درجات السلم المؤدي إلى قاعة الرقص، وكل خطوة مني تتنفس ثقة وكبرياء و غرور . رأسي مرفوع شامخا ، عيناي تلمعان بغرور العظمة، وابتسامتي لا تخفي زهوًا داخليًا يكاد ينفجر. ولكن...
ما إن بلغت منتصف السلم، حتى التوت قدمي فجأة. فقد كنت أنظر إلى الأعلى، منشغلة بصورة انتصاري الوهمي، وإذا بجسدي يهوي، يسقط… ثم يتدحرج من درجة إلى أخرى في مشهد لا تحسده عليه ممثلة في فيلم هزلي! صرخ البعض من الدهشة، وضحك آخرون بلا مواربة. أما أنا، فقد انفجرت بالبكاء، ليس فقط من الألم الجسدي الذي أحسست به في قدمي، بل من الألم النفسي الذي غمرني كالموج الهائج. شعرت بالإهانة، بالانكسار يحطم كياني… كنت في قمة الزينة والبهاء، فإذا بي أتحول إلى مصدر للسخرية و التندر من الجميع ، كلمات مسموعة تصدر في أنحاء الرقص دون مراعاة لمشاعري .
جلست على جانب القاعة محمرة الوجه، أحاول أن أُخفي دموعي خلف ابتسامة بائسة ، ابتسامة منكسرة ، وأُقنع نفسي بعبثية الموقف: "تمرين جيد للمواقف الكوميدية… لا بأس، سأضحك عليه لاحقًا."
لكن الواقع كان أقسى. نظرات الحاضرين كانت تقول كل شيء. سخرية، شفقة، وربما شماتة… كنت أرى وجوههم تتهلل بالضحك حين يمرون أمامي، يهمسون ويشيرون، وكأنهم يرددون في صوت واحد:
"هذه هي الفتاة التي أرادت أن تسرق الأضواء، فوقعت من فوق السلالم! هذه هي التي أبهرتها الزينة فسقطت بزهوها!"
تمنيت حينها لو انشقت الأرض وابتلعتني، لو كان ثوبي عاديًا باهت اللون كثيابهن ، لما التفت إلي أحد، ولما عرفتني العيون، ولكن… فات الأوان.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّر شيء في داخلي تغير كامل. صرت أتحفظ في اختياراتي، لا أركض خلف الألوان الزاهية، ولا أبحث عن الانبهار، بل عن البساطة… عن الاتزان.
لقد علّمتني تلك السقطة درسًا لا يُنسى.
درسًا في التواضع، والصدق مع الذات، وأن البريق الحقيقي لا يأتي من ثوب لامع أو زينة صارخة، بل من الداخل… من روح لا تخشى السقوط، لكنها لا تتعالى أيضًا قبل الصعود.