في إحدى الأمسيات الهادئة، عندما بدأ قرص الشمس يغيب خلف التلال ويصبغ الأفق بلون الذهب والدم، كان هناك صياد ماهر يعرف الغابات كما يعرف كفّ يده. سمع منذ أيام عن مكان تكثر فيه الديكة البرية، وهي طيور نادرة تعيش بين الأشجار الكثيفة، وتصدر صيحاتها العالية مع بزوغ الفجر.
قرر الصياد أن يذهب إلى ذلك المكان عند غروب الشمس، حين تخلد الطيور إلى أعشاشها وتقل حركتها، مما يسهل صيدها. ربط حصانه في مكان بعيد بين الأشجار حتى لا يثير صوته انتباه الديكة، ثم زحف بهدوء بين الشجيرات والأغصان اليابسة، متسلحًا ببندقيته القديمة.
وعندما اكتمل القمر وبدأت الأشعة الفضية تنساب فوق الأشجار، نجح الصياد في اصطياد ستة ديكة دفعة واحدة. كانت فرحته كبيرة، فهذه صيدته الأوفر حظًا منذ شهور. ربط الطيور واحدًا تلو الآخر، ووضعها على ظهره، وبدأ يعود عبر الأحراش والغابة المظلمة.
لكن لم يمضِ وقت طويل حتى شعر بأن شيئًا ما يتبعه... شيء ضخم وخطير. كان صوت الزئير الذي دوّى خلفه لا يُشبه أي زئير سمعه من قبل. إنه أسد جبلي، حيوان مفترس نادر، يعيش في الجبال ولا يظهر إلا نادرًا... لكن ها هو الآن يسير خلف الصياد، عيناه تلمعان في الظلام، وزئيره يقطع السكون.
أدرك الصياد أن الخطر داهم، وأن بندقيته لن تنفعه إذا هجم عليه الأسد فجأة، خاصة أن يديه كانتا مشغولتين بحمل الديكة. ثم خطرت له فكرة غريبة، لكنها قد تنقذ حياته. أخرج ديكًا من الحزمة، وألقاه في طريق الأسد.
توقف الأسد، واشتم رائحة الديك، ثم افترسه بسرعة. تنفس الصياد الصعداء، وتابع طريقه وهو يرجو أن تكون تلك كافية لتشتيت انتباه الوحش. لكنه بعد خطوات سمع الزئير من جديد... الأسد ما زال يتبعه!
كرر الصياد الخطة، ورمى ديكًا ثانيًا، فثالثًا، ثم رابعًا... وكل مرة، كان الأسد يتوقف ليأكل الديك، فيحصل الصياد على بضع دقائق للهرب. ولكن مع كل ديك يخسره، كان يشعر بثقل الخوف يزداد على قلبه.
وأخيرًا، لم يبقَ معه إلا ديكٌ واحد، وكان حينها قد اقترب من حيث ربط حصانه. رمى الديك الأخير بكل قوة، وقفز فوق الحصان وركض بسرعة البرق عائدًا إلى منزله، لا يلتفت خلفه ولا يفكر في شيء سوى النجاة.
وصل إلى بيته، ودخل وهو يلهث، وقد اختلط التعب بالخوف والذهول. سألته زوجته بدهشة:
– ما بك؟ لماذا ترتعش هكذا، وقد نجوت؟
فقال بصوت مرتجف:
– نعم، لقد نجوت... لكن ما يرعبني حقًا هو: ماذا لو كنت قد اصطدت خمسة ديكة فقط، لا ستة؟ من المؤكد أنني كنت سأصبح أنا الديك السادس للأسد!
العبرة: أحيانًا، ننجو في الحياة بأقلّ الفوارق، ونتعلم أن الحذر والاحتياط قد ينقذان أرواحنا من أخطار لم نتوقعها.