التوأمتان

في بيتٍ من بيوت الحلم، وُلدت احسان و حسنية . فتاتان في عمر الزهور، في جسدين متشابهين، كأن الطبيعة كرّرت نفسها إعجابًا بما صنعت. لم يكن الشبه بينهما في الملامح فحسب، بل كان في الابتسامة، في الالتفاتة، وفي الحيرة التي تخبئها العيون حين يطرق الحب باب القلب دون موعد. الحب نظرة فابتسامة فكلام كما قال الشاعر كان الأب، محمد حسونة ، يفاخر بجمال ابنتيه بين الناس، يراهن على حسن حظه حين يجلس بين أصدقائه، ويشير إلى صور التوأمتين كمن يمتلك جوهرتين لا تقدر بثمن. وفي أحد الأيام، تقدم سالم لخطبة احسان ، ففتح الأب قلبه وبيته لهذا العريس الذي بدا مناسبًا على الورق. لم تسأل احسان ، ولم تُسأل. فالقرار كان قد اتُّخذ دون استشارتها. أقيمت خطبة صاخبة، صفق الجميع، وابتسمت العروس... إلا أن عينيها لم تضحكا. كانت احسان تحب شابا آخر. رجلًا لا يشبه سالم ، لا في شكله ولا في صوته و لا في رقته ، بل في أثره الذي لا يُمحى من روحها. وكان بعيدًا، يسكن مدينة بور سعيد ، لكنه يسكن قلبها أقرب من نبضها. لم تخبر أحدًا، ولم تعترض. لكنها لم تستطع الكذب طويلًا. قلبها لم يعرف الراحة، فبدأت تسيء معاملة خطيبها لعلّه يفهم. لكنه لم يفهم. أرسلَت برقية إلى بور سعيد ، فجاء عرفان مهرولًا، تائهًا بين الحب والعجز. لم تجد احسان مفرًا من الاعتراف. ذهبت إلى أختها، إلى نصفها الآخر، وباحت لها بكل شيء. أصغت احسان ، وشعرت أن قلبها يُمزّق مرتين: مرةً لأجل أختها، ومرةً لأجل القدر الذي يدفعها للتضحية. وفي لحظة صدق نادرة، قررتا معًا أن تذهبا إلى الأم. وصرخت احسان في وجه القدر: "إذا تزوجتُ سالم ، فسوف ينتهي هذا الزواج بفضيحة." استشاط الأب غضبًا حين علم، ورفض التراجع. الحب؟ تلك كلمة لا تدخل قاموسه. الزواج عنده صفقة، والحب رفاهية. و هو لا يميك الرفاهية . اقترب يوم الزفاف. احسان كانت تنهار، وعرفان جاء مجددًا. ثلاثتهم اجتمعوا في ليلٍ طويل، يبحثون عن مخرج. وفي الصباح، قبل أن يُدقّ الدف، تسللت احسان ، وخطّت بيدها عقدًا جديدًا، لا يعرفه والدها ولا المدعوون: عقد زواجها من عرفان . عادت وبه مفاجأتها... وقالت لوالدها بصوت ثابت: "هذا زوجي." كاد الأب أن يسقط أرضًا من هول المفاجأة. الفضيحة كانت أقرب من أي وقت مضى. تحركت الأم بحنكة، وأقنعت احسان أن تنقذ الموقف، أن ترتدي فستان الزفاف وتُكمل المشهد. وهكذا تم الزفاف، لكن العروس لم تكن احسان ... بل حسنية . ذهبت حسنية مع سالم إلى بيت الزوجية، باسمٍ ليس اسمها، بقلبٍ لا يعرفه. حاولت أن تلعب الدور، أن تُخفي البرود خلف واجب أخوي، لكن القلب لا يُزيف. مرّت الشهور، وبدأ سالم يشعر بشيء ناقص، شيء لا يمكن تسميته، لكنه يحسه. حاول أن يحبها، لكنها لم تفتح له بابها. وببطء، بدأ الابتعاد. عام ونصف، وانفجر كل شيء. في لحظة انهيار، صرخت حسنية : " أنا مش احسان ، أنا حسنية ! و لا أحبك !" ذهل سالم ، وذهب إلى والدها، وسأله : ممن تزوجت ؟ فقال الأب الحقيقة. خرج سالم دون كلمة، واتجه إلى النيابة. قدّم بلاغًا بتزوير وثائق رسمية. انكشفت الحكاية، وسقط القناع، لكن الثمن كان فادحًا. لا أحد نجا دون جرح. لا الحب انتصر، ولا العدل أُقيم دون ألم. أما التوأمتان، فظلّ وجه كلٍّ منهما يحمل ندبة تلك الحكاية. ندبة تشبه الأخرى تمامًا.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال