الأدب المكشوف بين الإبداع والإباحية: قراءة أدبية-فلسفية-اجتماعية
تمهيد
يُعرَّف الأدب المكشوف أو الجنسي (الإباحي) بأنه الأدب الذي يتضمن مواد خيالية أو واقعية تهدف إلى إثارة القارئ جنسيًا، وقد يتخذ أشكالًا متعددة مثل الروايات، والقصص القصيرة، والشعر، والمذكرات، والأدلة الجنسية. وغالبًا ما يقترن هذا اللون الأدبي بصور ورسوم إيضاحية، تعزز النصوص المكتوبة. ومن أمثلة ذلك: أشعار الشاعرة الإغريقية صافو، التي انصبّ شعرها على مدح السحاق، وكذلك في الأدب الغربي الحديث رواية مدار السرطان (Tropic of Cancer) لهنري ميلر، و"قصة أو" (Story of O) لآن ديكلو.
لكن هذا اللون من الأدب ظلّ محل خلاف حادّ؛ إذ يراه بعض النقاد امتدادًا لحرية التعبير الفني، بينما يعتبره آخرون خرقًا للقيم، وتشويهًا لرسالة الأدب، وإفسادًا للوعي الجمعي.
الأدب الإباحي وهدم القيم الاجتماعية
شهدت العقود الأخيرة موجات من الكتابات التي اتخذت من الجنس محورًا أساسيًا، دون مبررات فنية أو أدبية راسخة، وهو ما دفع بعض النقاد إلى الدفاع عنها تحت شعار "حرية الأديب"، مقابل أصوات أخرى رأت فيها تهديدًا للمنظومة الأخلاقية.
ويشير الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر إلى أن "لا التزام في الشعر"، أي إن النص الأدبي – في نظره – ينبغي أن يتحرر من أي قيد أخلاقي. لكن هذا الطرح، وإن حمل دعوة إلى الحرية، فقد قاد إلى ما يشبه الانزلاق نحو تفريغ الأدب من قيمته الإنسانية، وتحويله إلى وسيلة لإشباع الشهوات.
على النقيض من ذلك، نجد أدباء كبارًا من الغرب نفسه وقفوا في وجه هذا اللون من الانحدار الأدبي:
• يقول ليو تولستوي: "الفن الذي يستهلك جزءًا كبيرًا من نشاط الإنسان لا ينبغي أن يضيع في وصف الشهوات الآثمة".
• ويؤكد رومان رولان: "إن الأمم الضعيفة الأخلاق، الماجنة التفكير، إذا لم تتلافَ هذا الداء الوبيل، سارت إلى الانقراض".
• أما مازارك، أحد رؤساء تشيكوسلوفاكيا، فقد انتقد الأدب الأوروبي المليء بالشهوات المنحرفة، معتبرًا أن "أبطال هذه القصص لا تحركهم سوى الشهوات الوضيعة"، وأن ذلك يمثل "زيغًا وكبوة في الأدب المعاصر".
هذه المواقف تكشف أن مواجهة الأدب المكشوف ليست حكرًا على الثقافة الإسلامية أو المجتمعات المحافظة، بل هي قضية إنسانية عالمية، تمسّ كرامة الأدب ودوره في الارتقاء بالوعي.
الجنس والخيال الأدبي العربي
في الجاهلية وما قبل الإسلام
عرف العرب في جاهليتهم نصوصًا تتسم بالتشبب والغزل الفاحش، مثل قصائد امرئ القيس وعنترة بن شداد، حيث امتزجت صورة المرأة بالرموز الحيوانية (الظباء، المها). كما ارتبطت الممارسات الجنسية بعادات زمانية؛ فقد استحبوا الجماع يوم الجمعة وكرهوا في شهر شوال. لكن الإسلام جاء ليعيد ضبط هذه الممارسات، وينقض ما كان سائداً من أعراف مخالفة للفطرة السليمة.
في العصر الأموي والعباسي
لم يظهر الأدب الجنسي بوضوح في العصر الأموي، لكن العصر العباسي شهد انفجارًا في هذا الاتجاه، خصوصًا مع أبي نواس الذي أسس فن الغلمانيات. كما حملت نصوص ألف ليلة وليلة (الموروثة منذ العصر العباسي المتأخر) صورًا متعددة من الخيال الجنسي، عكست جانبًا من المخيال الجمعي العربي.
وقد نقل الراغب الأصفهاني في محاضرات الأدباء أقوالًا صادمة حول تفضيل الغلمان على النساء، مثلما نُسب إلى عافية القاضي قوله حين سئل عن سبب تفضيله الغلام: "لأنه لا يحيض". وهو ما يكشف طبيعة بعض الانحرافات في ذلك العصر.
في العصر الحديث
مع ظهور السينما وانتشار ثقافة الصورة في القرن العشرين، تحول الخيال الجنسي للعرب نحو نجمات السينما والراقصات والمطربات. ومع انفتاح العالم عبر الإنترنت والفيديو، تأثر الخيال العربي بالنموذج الغربي للجسد، سواء عند الرجال أو النساء. ومع ذلك، ظل الأدب الإيروتيكي العربي محدودًا مقارنة بالغرب، حيث تقيّده الأعراف الدينية والاجتماعية.
الأدب الجنسي في أقلام النساء والرجال
كتابات النساء
• اسمه الغرام – علوية صبح (لبنان)
• اكتشاف الشهوة – فضيلة الفاروق (الجزائر)
• أصل الهوى – حزامة حبايب (فلسطين)
• برهان العسل – سلوى النعيمي (سوريا)
كتابات الرجال
• إيثاكا – رؤوف مسعد (مصر)
• حرمة – علي المقري (اليمن)
• روائح ميري كلير – حبيب السالمي (تونس)
• شارع إبليس – أمين الزاوي (الجزائر)
هذه الأعمال تطرح تحديًا مزدوجًا: فهي تحاول كسر القيود الاجتماعية من جهة، لكنها تواجه في المقابل رقابة مشددة وحملات اتهام بالفسق والفجور.
الأدب الجنسي في المنظور الإسلامي
وضع الإسلام ضوابط دقيقة للعلاقة الجنسية، بحيث تبقى في إطار الزواج المشروع. ومن أبرز الكتب التي تناولت هذا الجانب كتاب "النعيم الجنسي لأهل الجنة" لعبد الله بن قاسم القاسمي، حيث ناقش:
• خلقة الحور العين وصفاتهن.
• أخلاقهن وقيمتهن المعنوية.
• موقع نساء الدنيا المؤمنات في الجنة مقارنة بالحور.
• صفات أزواج الحور وكمالهم في الباطن والظاهر.
هذا الطرح يبرز كيف تعامل الفكر الإسلامي مع المتعة الجنسية كقيمة معنوية وأخلاقية، لا مجرد غريزة بدنية، وهو ما يميز المقاربة الإسلامية عن كثير من الطروحات الغربية.
مفهوم الأدب الإيروتيكي
الأدب الإيروتيكي (Erotic Literature) هو أدب يتناول موضوعات الحب والجنس من زاوية إنسانية وروحية، ويختلف عن الأدب الإباحي الذي يركز على الإثارة الجسدية الفجة. ويرى بعض النقاد أن الأدب الإيروتيكي قادر على تقديم متعة جمالية وروحية تتفوق على المتعة الحسية، بينما ينحط النص إلى مرتبة الإباحية إذا فقد هذا التوازن.
أشكال الأدب الإيروتيكي
• السرد: في الروايات والقصص.
• الشعر: خاصة في الغزل الصريح.
• الأعمال الفنية: مسرحيات ودراما.
• المذكرات والكتيبات: حول التجارب الجنسية.
الأدب الإيروتيكي عبر الحضارات
• مصر القديمة: برديات الحب والخصوبة.
• الهند: كتاب كاماسوترا.
• اليونان والرومان: نصوص مقتبسة من الحضارات الشرقية.
• العرب: مؤلفات مثل كتب السيوطي والقزويني التي تناولت فن الحب بلغة تجمع بين الفقه والفلسفة.
خاتمة
يتضح أن الأدب الجنسي أو الإيروتيكي ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو جزء من تاريخ الأدب الإنساني، ارتبط دائمًا بالبحث عن الحب والجسد والروح. غير أن الفرق الجوهري يكمن في القصد والوظيفة: فإذا التزم النص بعمق إنساني وجمالي، فإنه يرتقي إلى الأدب الإيروتيكي الراقي؛ أما إذا انغمس في الابتذال والإثارة، فإنه يتحول إلى أدب إباحي يهدد القيم ويهدم الإنسان.
ومن ثم، فإن التحدي أمام الأدب العربي المعاصر هو أن يجد مساحة للتعبير عن الحب والجنس، من دون أن يقع في فخ الابتذال، ومن دون أن ينساق وراء تقليد الغرب تقليدًا أعمى، بل بالعودة إلى جذوره الروحية والفكرية التي تعلي من شأن الإنسان، وتوازن بين الجسد والروح.
المراجع
• عبد الله بن قاسم القاسمي، النعيم الجنسي لأهل الجنة.
• أحمد بن عمرو الشيباني، الآحاد والمثاني.
• محمد ناصر الدين الألباني، آداب الزفاف في السنة المطهرة.
• ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحك