إله السماء وآحاز ملك يهوذا: قراءة فلسفية–دينية في معنى الفشل

إله السماء وآحاز ملك يهوذا: قراءة فلسفية–دينية في معنى الفشل
آحاز ملكُ مملكة يهوذا (733–718 ق.م) عُرف بانحرافه الديني وابتعاده عن عبادة إله السماء، مقتديًا بملوك إسرائيل الذين غرقوا في الوثنية. لم يكتفِ بذلك، بل قدّم ابنه ذبيحة بشرية، فاستحق غضب الله كما أنبأ النبيّ أشعياء وميخا. في عهده، انحرفت العبادة، وتدنّى الوعي الروحي، وتحوّل هيكل الرب إلى مكانٍ غريبٍ تغشاه آلهة الأمم. أولاً: سلوكيات آحاز 1. الانحراف الديني أبدل آحاز عبادة يهوه بعبادة آلهةٍ وثنية، فاستخفّ بالوصايا الإلهية، واتّكل على ملك آشور طلبًا للحماية، متجاهلًا أن الحماية الحقيقية تكمن في الإيمان بالله. 2. العبادات الوثنية أقام مذابح للآلهة الغريبة وأبطل العبادة ليهوه، حتى تحوّل وادي هنّوم إلى مسرحٍ للمحارق البشرية. وكما يروي سفر الملوك الثاني، صار دم الأبناء وقودًا لنارٍ مقدّمة إلى مولك. 3. السعي وراء آشور في ضعف إيمانه، أرسل آحاز الذهب والفضة من هيكل الرب إلى تلغث فلاسر ملك آشور ليستجدي عونه. كان ذلك إعلانًا صريحًا عن خضوعه لملكٍ أرضي، وتحدّيًا للوعود الإلهية التي قطعها الله لبيت داود. ثانياً: نبوءات أشعياء وصورة الفشل واجه النبي أشعياء الملكَ آحاز بنبوءةٍ صارخة: إن رفضه لعبادة الله واعتماده على آشور سيجلب عليه وعلى شعبه أيامًا مظلمة. تجاهل آحاز النبوءة، غير مدرك أن التخلّي عن الله هو بداية الانكسار التاريخي. وهكذا بدا ملك يهوذا كمن خان العهد الداودي، مفضّلًا قوة البشر على معونة السماء. ثالثاً: بين الأسطورة والنص – صورة الإله والإنسان في جدلية النصوص والأساطير، يتشكل وعي الإنسان عن ذاته وعن الله. يتأرجح العقل بين التأمل في عظمة الخلق وبين التساؤل أمام نقائص العالم، كما يتأمل التاريخ في صعود الملوك وسقوطهم. ومن هنا تنشأ ثنائية الفشل: • فشلٌ منسوب إلى "إله السماء" في منظور العقل الناقد، الذي يقيس الخلق بمقاييس الهندسة البشرية. • وفشلٌ إنساني يتجسّد في الملك آحاز، الذي صار نموذجًا للانحراف والخذلان. رابعاً: "إله السماء" في صورة المهندس الفاشل في النص الفلسفي الناقد، يُقاس فعل الخلق على مثال الهندسة البشرية: فإذا كان الله قد "أحسن كل شيء خلقه" (السجدة: 7)، فلماذا ترك الأرض عرضةً للزلازل والمجاعات؟ ولماذا خُلق الجسد بما فيه من أعضاء بلا وظيفة، أو نظام إنجابي يهدر مليارات الخلايا؟ إنها المعضلة الأزلية: كيف نوفّق بين كمال الخالق ونقص المخلوق؟ التفسير الديني يرى في هذه النقائص حكمةً خفيةً وامتحانًا لإرادة الإنسان، بينما النقد العقلي يصرّ على قياس الغيب بميزان المادّة. وهنا يتولّد الصراع بين الإيمان والتساؤل، بين صوت القلب وصوت العقل، بين التسليم والجدل. خامساً: آحاز ملك يهوذا – نموذج للفشل الإنساني التاريخ التوراتي يرسم صورة واضحة لانكسار آحاز: 1. فشله في السلوك: لم يَسِر في استقامة مثل داود، بل ترك المرتفعات والوثنية تتفشّى في المملكة. 2. فشله في السياسة: انهزم أمام أعدائه، واتّكل على تحالفات باطلة بدل أن يتوكّل على الله. 3. فشله في العبادة: بلغ به الانحراف ذروته حين قدّم ابنه ذبيحةً للأوثان، فصار شعبه شريكًا في رجاسات مولك. لقد أصبح آحاز مثالًا على الفشل الروحي والسياسي، إذ فقد التوازن الداخلي، وغابت عنه الثقة بالله، فانحدرت المملكة إلى الخراب. سادساً: الفشل بين الإلهي والإنساني على الرغم من تباين المنظورين، فإنهما يلتقيان عند نقطة مشتركة: الفشل في بلوغ الغاية. • في الفلسفة الناقدة: يُرى الفشل في صورة إلهٍ لم يُحسن هندسة الكون. • وفي النص الكتابي: يُرى الفشل في شخص ملكٍ أضاع العهد وأضلّ شعبه. لكن اللاهوت اليهودي والمسيحي يعيدان قراءة الفشل في إطار الحرية الإنسانية: فحتى السقوط يصبح بابًا للتوبة، وحتى "عثرات الخلق" يمكن فهمها كوسيلة للتربية الروحية، وإشارة إلى المطلق الذي يظلّ غائبًا حاضرًا في آن. خاتمة يبقى السؤال مفتوحًا: هل الفشل قدرٌ محتوم أم جرحٌ يُفضي إلى الرجاء؟ النقد الفلسفي يرى العالم ناقصًا في ذاته، أما الإيمان فيرى النقصان علامةً على كمالٍ غائب ودعوةً إلى السعي نحوه. وفي نهاية المطاف، تتشابك صورة الإله والإنسان في جدليةٍ واحدة: إلهٌ يُنسب إليه الفشل في لغة الجدل، وإنسانٌ يخطئ ويعثر، غير أن بينهما دومًا شعاع رجاء يفتح بابًا للمعنى.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال