المرأة المحاربة في إفريقيا التاريخ، الفلسفة والمقاومة ضد الاستعمار

المرأة المحاربة في إفريقيا التاريخ، الفلسفة والمقاومة ضد الاستعمار
مقدمة يُظهر التاريخ الإنساني أن المرأة لم تكن مجرد رمز للأمومة أو الحماية، بل كانت في العديد من المجتمعات قوةً عسكرية وسياسية واجتماعية قادرة على صياغة المصير الجمعي. في إفريقيا، برزت نساء محاربات قُدن جيوشًا وخضن معارك كبرى ضد قوى الغزو والاستعمار منذ العصور القديمة حتى الحقبة الاستعمارية الأوروبية. هذا البحث يتناول أدوار الملكات والمحاربات الأفريقيات عبر مراحل زمنية متتابعة، كاشفًا عن فلسفة المقاومة، ودور المرأة في الدفاع عن الهوية والسيادة. توجد أمثلة تاريخية متعددة لنساء محاربات في أفريقيا، مثل الملكة أمينة في غرب أفريقيا، والمحاربات الدوميهات، ووالدة شاكا زولو، ووالدات ناندي، بالإضافة إلى مقاومات وحقوقيات أخريات. هذه النماذج النسائية القوية أثبتت أن النساء لهن أدوار محورية في تشكيل التاريخ الأفريقي، وغالبًا ما تُنسى مساهماتهن بسبب قلة التوثيق، كما تؤكد القصص على قدرة النساء على تجاوز التوقعات المجتمعية وهن في الخطوط الأمامية للصراع من أجل الاستقلال والحرية. أمثلة تاريخية بارزة: • الملكة أمينة: الملكة المحاربة في مملكة زازاو (التي أصبحت فيما بعد جزءًا من نيجيريا) في القرن السادس عشر، التي قادت جيشًا ووسعت إمبراطوريتها وطورت اقتصادها. • • محاربات داهومي: فيلق من النساء المحاربات في مملكة داهومي (فيما يُعرف الآن بجمهورية بنين) كن يقاتلن في الصفوف الأمامية لجيش المملكة في القرن التاسع عشر، وهن مثال على القوة العسكرية للنساء. • • ناندي: والدة شاكا زولو، الزعيم الشهير لشعب الزولو، التي كانت محاربة وقامت بتدريب ابنها ليصبح محارباً عظيماً، كما أسست فوجاً نسائياً كاملاً في جيش الزولو. • • مقاومات الاستعمار: نساء مثل إلياء أسنتيوا، ملكة غانا، وإيديا، الملكة الأم لبنين، قاومن الاستعمار في القرنين التاسع عشر والعشرين. • أهمية دور المرأة المحاربة: • كسر الصورة النمطية: أثبتت هؤلاء النساء أن المرأة يمكن أن تكون أقوى وأكثر قوة من الاعتقاد المجتمعي، وأنهن قادرات على المشاركة في القتال والدفاع عن قضاياهن. • • الحقوق والاستقلال: لعبت النساء دوراً أساسياً في النضال ضد الاستعمار والتمييز العنصري، مما ساهم في تعزيز حقوق الإنسان وتحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية. • • تغيير التاريخ: على الرغم من قلة التوثيق، إلا أن النساء تركن بصماتهن الواضحة في التاريخ الأفريقي، ولا يزال المؤرخون يكشفون عن هويات النساء البارزات في مختلف المجالات. أولاً: الملكات المحاربات في مصر وكوش الملكة أحمس نفرتاري وأحمس حتب (Ahhotep) تُعد أحمس حتب من أبرز الملكات المصريات المحاربات، حيث ورد في نقوش الكرنك أن ابنها أحمس قد مدح دورها في "إعادة مصر واستقرارها، وحماية الجنود، وتهدئة الصعيد وطرد المتمردين". هذا الدور العسكري يعكس فلسفة القيادة النسوية في مصر القديمة، القائمة على دمج القداسة الدينية بالقوة العسكرية. أرسينوي الثانية والثالثة من البطالمة، أظهرت الملكتان أرسينوي الثانية والثالثة قدرة على التدخل في السياسة والحرب، سواء عبر قيادة الأساطيل البحرية أو المشاركة في الحملات. وقد شكل ذلك امتدادًا لفكرة الملكة المحاربة التي ورثتها مصر من جذورها النوبية والكوشية. ثانياً: ملكات كوش والنوبة الملكة ماجاجي (Majaji) حكمت ماجاجي شعب "Lovedu"، وكانت تقود جيشها بنفسها مسلحة بالرمح والدرع، مدافعة عن مدينة مروي حتى سقوطها عام 350م بفعل الاعتداءات الرومانية. يجسد هذا النموذج التلاحم بين القيادة النسوية والهوية القومية الكوشية. الملكات الكنداك (Candace) يُطلق لقب "كنداك" على سلسلة ملكات كوشيات حكمن بين القرن الرابع ق.م والأول الميلادي. ومن أبرزهن: • الكنداكة الأولى: أوقفت زحف الإسكندر الأكبر إلى إثيوبيا عام 332 ق.م. • أمانيريناس (Amanirenas): هزمت الحاكم الروماني باترونيوس ونهبت مدينة قورينا عام 30 ق.م. ثالثاً: الملكات المحاربات في الهوسا ونيجيريا ملكات الهوسا بين القرنين العاشر والحادي عشر، حكمت مدن الهوسا (نيجيريا الحالية) ملكات محاربات مثل: كوفورو، جينو، يوكومو، وولزانا. وقد أثبتن قدرة المرأة على قيادة المدن والدول العسكرية. الملكة أمنيـتو (Amina of Zazzau) من أبرز الشخصيات النسوية في غرب إفريقيا، حكمت بين (1536–1573م). وسّعت إمبراطوريتها حتى ساحل الأطلسي، وقادت بنفسها جيشًا قوامه عشرون ألف مقاتل. رابعاً: المرأة المحاربة في ممالك الزولو والكونغو ناندي (Nandi) أم الملك شاكا زولو، واجهت المجتمع الأبوي بالثبات، وحاربت تجار الرقيق، وأسست لثقافة مشاركة النساء في الصفوف الأمامية. أسهمت في إعادة الاعتبار لدور المرأة في مجتمع الزولو. الملكة نزينغا (Llinga of Kongo) في القرن السابع عشر، واجهت الاستعمار البرتغالي مسلحة بالقوس والسيف. جسدت نزينغا فكرة المقاومة النسوية ضد الغزو الأوروبي المبكر. خامساً: المرأة المحاربة في جنوب وغرب إفريقيا كايبكير (Kaipker) من قبائل الهيريرو بجنوب غرب إفريقيا في القرن الثامن عشر، قادت المقاومة ضد تجار الرقيق البريطانيين. واستمر الدور الحربي للنساء من شعب الهيريرو في مواجهة الألمان حتى عام 1919. مانتاتيسي (Mmantatise) ملكة الباتلوكا (Batlokoa)، قادت مقاومة شرسة للحفاظ على أراضي شعبها خلال الحروب الداخلية مع شاكا زولو وماتيوان، واستطاعت تأمين بقاء جماعتها العرقية. سادساً: القائدات في سيراليون وإثيوبيا السيدة يوكو (Yoko) في القرن التاسع عشر، قادت اتحادًا من 14 مجموعة عرقية في سيراليون. ويكشف تاريخها أن ما يقارب 19% من القبائل الإفريقية كانت ترأسها نساء، ما يعكس قوة النظام الأمومي. الإمبراطورة منين لبن أمدي كانت وصية على ابنها الإمبراطور علي العولوس، وخاضت معارك حاسمة قبل أن تُؤسر عام 1847 وتعود بفضل فدية، لتواصل الحكم حتى 1853. سابعاً: المرأة في مواجهة الاستعمار الأوروبي نيهاندا (Nehanda) زعيمة الماشونا في زيمبابوي (1862–1898)، تحولت من كاهنة روحية إلى قائدة عسكرية ضد البريطانيين، قبل أن تُعدم. الإمبراطورة تايتو بيتول زوجة الإمبراطور منليك الثاني، أسست أديس أبابا كعاصمة حديثة، وقادت المفاوضات والمعارك ضد الإيطاليين خلال أواخر القرن التاسع عشر. يا أسانتيوا (Yaa Asantewaa) ملكة الأم في غانا (1850–1921)، قادت المقاومة ضد البريطانيين، وظلت رمزًا للصمود حتى بعد أسرها. ثامناً: الأمازون الأفريقيات – داهومي (بنين) كانت النساء المحاربات في داهومي (بنين الحالية) أشهر الجيوش النسائية في التاريخ. من أبرزهن: • سه دونغ هونج بيه: قادت عام 1851 ستة آلاف محاربة في معركة أبيوكوتا. • الأمازون في عهد الملك بهنزين (1892): خضن معارك ضارية ضد الفرنسيين مستخدمات السيوف والرماح، مفضلين إحراق الأرض على الاستسلام. فلسفة المرأة المحاربة: قراءة تحليلية إن حضور المرأة الأفريقية في ساحة المعركة ليس مجرد ظاهرة عسكرية، بل يعكس فلسفة شاملة تقوم على: 1. المقاومة بوصفها هوية: لم يكن القتال غاية في ذاته، بل وسيلة لحماية الثقافة والكرامة الجماعية. 2. التكامل بين المقدس والدنيوي: كثير من الملكات كن يجمعن بين الزعامة الدينية والسياسية والعسكرية، مثل نيهاندا وأمانيريناس. 3. إعادة صياغة مفهوم السلطة: القيادة النسوية في إفريقيا لم تكن استثناءً بل كانت قاعدة في مجتمعات عديدة، ما يفتح المجال لإعادة قراءة التاريخ خارج مركزية النظام الأبوي الغربي. خاتمة تُبرز دراسة أدوار الملكات والمحاربات الأفريقيات أن المرأة كانت في صميم التاريخ العسكري والسياسي للقارة. فمن مصر وكوش إلى زيمبابوي وغانا وبنين، أثبتت النساء أنهن حارسات الأرض والهوية، ومهندسات المقاومة ضد الغزو الأجنبي. إن هذا التاريخ لا يضيء الماضي فحسب، بل يفتح المجال أمام إعادة التفكير في الفلسفة السياسية والاجتماعية للمرأة في الحاضر والمستقبل. المراجع مراجع عربية 1. عبد العزيز صالح، تاريخ الحضارة المصرية القديمة، القاهرة: دار المعارف، 1994. 2. يوسف فضل حسن، ممالك السودان الشرقي القديمة، الخرطوم: جامعة الخرطوم، 2002. 3. أحمد أمين، دور المرأة في التاريخ الإفريقي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010. مراجع أجنبية 1. Shillington, Kevin. History of Africa. Palgrave Macmillan, 2018. 2. Candace, Nobles. African Queens and Women Warriors. Beacon Press, 2009. 3. UNESCO. Women in African History. Paris: UNESCO Publishing, 2014.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال