أبو خليل القباني:
رائد المسرح العربي والغنائي
يُعدّ الشيخ أبو خليل القباني (1833 – 15 كانون الثاني/يناير 1903م) من أعلام النهضة الفنية في العالم العربي، وأحد أبرز روّاد المسرح العربي والمسرح الغنائي. اسمه الكامل هو أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آغا آقبيق، وقد وُلد في دمشق وتوفي فيها، تاركاً وراءه إرثاً فنياً كبيراً أسّس لمرحلة جديدة في التاريخ الثقافي العربي.
ينتمي أبو خليل إلى أسرة دمشقية عريقة تعود أصولها إلى عائلة آقبيق التركية المعروفة، القادمة من مدينة بورصة جنوب إسطنبول، والتي هاجرت إلى دمشق في القرن الثامن عشر بصفة ضباط في سلك الانكشارية (القيققول) وقد حصلت الأسرة على ملكيات واسعة في قرية جديدة عرطوز ومزارع جونية.
أحد أجداده، شادي بك آقبيق، حاز لقب القباني نسبة إلى امتلاكه قبّاناً في باب الجابية، وهو ما أصبح لقباً موروثاً للأسرة. كما أن أبو خليل عمّ توفيق القباني والد الشاعر السوري الكبير نزار قباني، وعمّ والدته فايزة آقبيق.
بدايات المسرح السوري والعربي
تأثر أبو خليل في شبابه بما كان يُعرض في مقاهي دمشق، من الحكواتي ورقص السماح، واستمع إلى نوبات موسيقية لابن السفرجلاني. كما تابع عروض الفرق التمثيلية التي كانت تُقدّم أعمالها في مدرسة العازرية بمنطقة باب توما.
ومن هذه البيئة الشعبية والفنية صاغ مشروعه المسرحي، ليصبح أول من أسّس مسرحاً عربياً متكاملاً في القرن التاسع عشر.
الريادة المسرحية
قدّم القباني أول عرض مسرحي خاص به في دمشق عام 1871 بعنوان: الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح، وقد لاقى العرض استحسان الجمهور وإقبالاً كبيراً. ثم أسّس فرقته المسرحية عام 1879، مقدّماً ما يقارب أربعين عرضاً بين التمثيليات والمسرحيات الغنائية.
ولم تخلُ مسيرته من العراقيل؛ فقد استنكر بعض المشايخ استعانته بالصبية لتأدية أدوار النساء، فاشتُكي إلى والي دمشق، وتوقّفت عروضه فترةً قبل أن يعود بقوة بفضل دعم مدحت باشا. وبذلك رسّخ القباني قواعد المسرح العربي الحديث.
الانتقال إلى مصر والازدهار الفني
بعد نجاحه في دمشق، انتقل القباني مع فرقته إلى مصر عام 1884، حيث قدّم مسرحية أنس الجليس، فحظي بمزيد من الشهرة، وأصبح بحقّ رائد المسرح الغنائي العربي. وتتلمذ على يديه العديد من أعلام المسرح لاحقاً. كما اقتبس من الأدب الغربي أعمالاً لكتاب مثل بيير كورني (Corneille)، فجمع بين الأصالة والانفتاح على الثقافة العالمية.
العودة إلى دمشق والميراث الفني
عاد القباني إلى دمشق لمتابعة مشروعه الفني، وواصل تقديم أعماله المسرحية، مُخرّجاً أجيالاً من الممثلين والفنانين. وما يزال مسرح يحمل اسمه "مسرح القباني" قائماً في دمشق حتى اليوم تخليداً لإرثه.
كما سافر إلى إسطنبول والولايات المتحدة، ودون في سنواته الأخيرة مذكراته، قبل أن يرحل عام 1903، إثر إصابته بمرض الطاعون.
إسهاماته الموسيقية
لم يقتصر إبداع القباني على المسرح، بل كان ملحناً بارعاً، وترك مجموعة من الموشحات والأغاني الدمشقية الأصيلة، منها:
• موشح برزت شمس الكمال (مقام الحجاز)
• موشح ما احتيالي يا رفاقي (مقام الحجاز)
• موشح اشفعوا لي يا آل ودي (مقام الهزام)
• موشح رصع اللجين بياقوت (مقام الرست)
• موشح يا غصن نقا مكللاً بالذهب.
• أغنية يا طيرة طيري يا حمامة... وديني لدمّر والهامة.
• الأغنية الشعبية الشهيرة يا مال الشام.
حضور القباني في الأدب والفن
حظي أبو خليل القباني باهتمام الأدباء والفنانين عبر الأجيال، ومن أبرز الأعمال التي تناولت سيرته:
• مسرحية سهرة مع أبي خليل القباني للكاتب سعد الله ونوس.
• الملحمة التلفزيونية أبو خليل القباني للروائي خيري الذهبي، إخراج إيناس حقي.
• حلقة خاصة من برنامج العرب والموسيقى للدكتور سعد الله آغا القلعة، استضاف فيها حفيده صباح قباني.
وفاته وإرثه
توفي أبو خليل القباني في دمشق عام 1903م، بعد إصابته بمرض الطاعون، ودُفن فيها. ومع رحيله، ترك إرثاً مسرحياً وموسيقياً غنياً، جعله بحقّ المؤسس الأول للمسرح العربي والمسرح الغنائي.