ثورة الزهور (الثورة الوردية في جورجيا 2003(

ثورة الزهور (الثورة الوردية في جورجيا 2003(
مقدمة تُعَدّ ثورة الزهور أو ما يُعرف بـ"الثورة الوردية" (Rose Revolution) من أبرز الثورات السلمية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي. وقد شكّلت نقطة تحوّل سياسي في تاريخ جورجيا المعاصر، حيث أطاحت بنظام الرئيس إدوارد شيفردنادزه المدعوم من موسكو، وأوصلت المعارض ميخائيل ساكاشفيلي المقرّب من الغرب إلى سدة الحكم. جرت أحداث الثورة في العاصمة تبليسي، وتحديدًا في ميدان الحرية، خلال عشرين يومًا من 3 إلى 23 نوفمبر 2003، وانتهت بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة أسفرت عن صعود حزب الحركة الوطنية المتحدة كحزب مهيمن. لقد فتحت الثورة الباب أمام تحول استراتيجي في سياسة جورجيا الخارجية، إذ تبنّت مسارًا مؤيدًا للغرب ووضعت التكامل الأوروبي والأوروبي-الأطلسي كأولوية رئيسية، وهو ما فجّر توترات سياسية وأمنية مع روسيا لا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم. أولًا: العوامل المؤججة للثورة 1- تفكك النخبة السياسية كان حزب اتحاد مواطني جورجيا (CUG) هو الحزب الحاكم الذي التفّ حول شيفردنادزه طوال تسعينيات القرن العشرين. غير أن ضعف الأداء الحكومي، والفساد المستشري، وتراجع شعبية النظام أدّت إلى سلسلة انشقاقات داخل الحزب منذ عام 2000. • عام 2000، غادره رجال أعمال لتأسيس الحزب اليميني الجديد. • عام 2001، استقال شيفردنادزه نفسه من رئاسة الحزب. • في سبتمبر من العام ذاته، انشق وزير العدل ميخائيل ساكاشفيلي وأسّس حزب الحركة الوطنية المتحدة الذي أصبح رأس الحربة في المعارضة. توالت الانشقاقات، حتى صار الحزب الحاكم عاجزًا عن حشد التأييد، وفقد معظم مقاعده في انتخابات 2002 المحلية لصالح المستقلين والأحزاب الجديدة، حيث لم يحصد سوى 70 مقعدًا من أصل نحو 4850. وبذلك تجسّد تفكك الحزب في صورة ضعفٍ سياسي غير مسبوق، عكس تآكل شرعية شيفردنادزه وعجزه عن إعادة بناء تحالف سياسي قوي قبل انتخابات 2003. 2- صعود المنظمات غير الحكومية بحلول مطلع الألفية، نشطت في جورجيا قرابة 4000 منظمة غير حكومية، استفادت من قانون مدني مرن صدر عام 1997. ورغم ضعف المشاركة الشعبية المباشرة فيها، فإن بعضها لعب دورًا محوريًا في التأثير على البرلمان، وحشد الشارع، وتعزيز ثقافة الديمقراطية. أبرز هذه المنظمات: • الجمعية الجورجية للمحامين الشباب. • معهد الحرية. وقد ركّزت هذه المؤسسات على حقوق الإنسان وحرية المعلومات، وعندما بدا أن شيفردنادزه غير مستعد للتخلي عن السلطة طوعًا، بدأت هذه الشبكات، بتمويل جزئي خارجي، في التفكير بتكرار "السيناريو الصربي" لإزاحة الحاكم عبر احتجاجات سلمية منظمة. 3- الدعم الخارجي والتحولات الدولية مع بداية الألفية الجديدة، بدأ الدعم الدولي لشيفردنادزه يتراجع: • الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي قلّصا المساعدات. • شخصيات بارزة مثل جورج سوروس والسفير الأميركي في تبليسي ريتشارد مايلز دعت علنًا لانتقال ديمقراطي. • قام جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، بزيارة إلى تبليسي للضغط من أجل ضمان انتخابات حرة. في المقابل، تدفق الدعم المالي الغربي نحو المنظمات غير الحكومية وأحزاب المعارضة. فقد موّلت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) مشروعًا لحوسبة قوائم الناخبين، كما ساعدت مؤسسة المجتمع المفتوح (الممولة من جورج سوروس) في تمويل نشاطات ساكاشفيلي، بل وأرسلت ناشطين جورجيين إلى صربيا للاستفادة من تجربة الإطاحة بسلوبودان ميلوشيفيتش عام 2000. هذا التراجع في الدعم الدولي للنظام، مقابل تقوية المعارضة، أسهم في تعزيز قناعة الشارع بضعف شيفردنادزه، وهو ما عجّل بسقوطه. ثانيًا: مسار الثورة (نوفمبر 2003) اندلعت الاحتجاجات عقب الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل في 2 نوفمبر 2003، حيث اتُهمت الحكومة بتزوير النتائج لصالحها. التسلسل الزمني للأحداث 2 نوفمبر 2003 • إجراء الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل. • المعارضة بقيادة ميخائيل ساكاشفيلي و"الحركة الوطنية المتحدة" ترفض النتائج وتتهم النظام بالتزوير. • تبدأ احتجاجات متفرقة في العاصمة تبليسي. 3 – 10 نوفمبر • المظاهرات تتوسع تدريجيًا في الشوارع. • المعارضة تدعو إلى العصيان المدني. • شيفردنادزه يعلن أن الانتخابات نزيهة، بينما تراقب المنظمات الدولية وتؤكد وقوع مخالفات جسيمة. 11 – 18 نوفمبر • المعارضة تنظم مسيرات ضخمة أمام البرلمان. • المتظاهرون يرفعون الورود في أيديهم، في إشارة إلى سلمية الاحتجاج. • الانشقاقات تبدأ داخل مؤسسات الدولة؛ بعض المسؤولين يعلنون دعمهم للمعارضة. 19 – 20 نوفمبر • المظاهرات تصل ذروتها مع عشرات الآلاف في شوارع تبليسي. • شيفردنادزه يحاول التفاوض مع المعارضة، لكن ساكاشفيلي يرفض إلا برحيل الرئيس. 21 نوفمبر • المحكمة العليا تعلن رسميًا فوز القوى الموالية لشيفردنادزه في الانتخابات. • المعارضة تعتبر القرار "غير شرعي" وتدعو إلى "الزحف الشعبي" على البرلمان. 22 نوفمبر 2003 (اليوم الحاسم) • في افتتاح جلسة البرلمان الجديد، يقتحم ساكاشفيلي ومؤيدوه القاعة وهم يحملون الورود في أيديهم، ويطالبون باستقالة الرئيس. • قوات الأمن لا تتدخل، بل تنسحب دون مواجهة. • شيفردنادزه يفرّ من البرلمان تحت حماية حراسه. 23 نوفمبر • المظاهرات تستمر أمام القصر الرئاسي. • وساطة دولية بقيادة وزير الخارجية الروسي السابق إيغور إيفانوف تضغط على شيفردنادزه. • في المساء، يعلن شيفردنادزه استقالته من منصب الرئاسة. 24 نوفمبر • فراغ سياسي قصير، وتعيين رئيسة البرلمان نينو بورجانادزه رئيسة مؤقتة للبلاد. • الشوارع تحتفل بانتصار الثورة السلمية. ما بعد الثورة • في يناير 2004 جرت انتخابات رئاسية فاز فيها ميخائيل ساكاشفيلي بنسبة ساحقة. • بدأت مرحلة جديدة من التوجه الغربي لجورجيا، وإصلاحات داخلية، لكنها ترافقت مع تحديات وصراعات مع روسيا. ثالثًا: النتائج والتداعيات 1. انتخابات جديدة: فاز ساكاشفيلي بأغلبية ساحقة في الانتخابات الرئاسية المبكرة عام 2004. 2. صعود الحركة الوطنية المتحدة: أصبحت الحزب المهيمن على المشهد السياسي. 3. التحول نحو الغرب: تبنّت جورجيا سياسة معلنة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. 4. توتر مع روسيا: أدّى هذا التوجه إلى تصاعد التوترات الجورجية-الروسية، خصوصًا في ملف أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. خاتمة شكّلت ثورة الزهور في جورجيا نموذجًا لـ"الثورات الملونة" التي عمّت بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق مطلع الألفية الثالثة. وقد أثبتت أن التقاء عوامل داخلية (تفكك الحزب الحاكم وفساد النخبة) مع عوامل خارجية (دعم المنظمات الدولية والمعارضة) يمكن أن يفتح الطريق أمام انتقال سياسي جذري دون إراقة دماء. ومع ذلك، فقد تركت هذه الثورة خلفها جدلًا واسعًا حول حدود التدخل الخارجي، ومدى قدرة التحولات السريعة على تحقيق إصلاح سياسي مستدام. المراجع مراجع عربية • الجمال، محمد عبد السلام. الثورات الملونة والتحولات السياسية في الفضاء السوفييتي. القاهرة: مركز الدراسات السياسية، 2010. • حمدان، أحمد. جورجيا بين الشرق والغرب: دراسة في التحولات السياسية. بيروت: دار الكتاب العربي، 2012. • الدسوقي، سامح. "الثورات السلمية وأثرها في العلاقات الدولية". مجلة السياسة الدولية، العدد 189، 2012. مراجع أجنبية • Fairbanks, Charles H. Georgia's Rose Revolution. Journal of Democracy, Vol. 15, No. 2, 2004. • Wheatley, Jonathan. Georgia from National Awakening to Rose Revolution. Ashgate Publishing, 2005. • Mitchell, Lincoln A. Uncertain Democracy: U.S. Foreign Policy and Georgia’s Rose Revolution. University of Pennsylvania Press, 2008. • Ó Beacháin, Donnacha. The Colour Revolutions in the Former Soviet Republics: Successes and Failures. Routledge, 2010.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال