باريس – أغنية من قلب هاواي
في ذلك الأسبوع، كانت أوربا وأمريكا تتحدثان عن كتاب جديد أحدث ضجة، كتبته الممثلة السابقة جوزيت دي بعنوان "رأيت". كتابٌ ليس كغيره، إذ يحكي مشاهدات النجمة الكبيرة في جزر هاواي، ويكشف نزعةً عنصرية أوربية ما زالت تَسِمُ السواد بالـ"تأخر" الفطري.
لكن جوزيت، بعين الفنانة، رأت عالم البشرة السمراء مختلفًا: حبّ للطبيعة، يفيض في الرقص والغناء، دافعان للحياة والعمل.
ولم تكتفِ بالكلمات، بل قدّمت برهانًا حيًّا. عادت من هاواي ومعها طفلة صغيرة تبنتها، اسمها الآن بابيت. تلك الفتاة الصغيرة أصبحت حديث باريس، إذ أتقنت الفرنسية والإنجليزية بسرعة، ورقصت في غابات بولونيا بخفة فراشة، تحفّ بها وصيفتان، وتتنقل في عربة أمريكية خاصة.
تروي جوزيت اللحظة الأولى:
– كان المطر يهطل بغزارة، وأنا أتجول بعربتي…
– وفجأة، لمحتها، طفلة تبكي بجوار عربة خضروات.
– "ما اسمكِ؟" سألتها.
– أجابت بصوت متقطع: "هيناو تيا تيا".
– "وأبواكِ؟"
– صمتت… ثم انفجرت في بكاء مرّ.
رفعتها جوزيت بين ذراعيها، فمالت الصغيرة على صدرها، تطوق عنقها كمن وجد حضن الأم المفقود. وافقت بائعة الخضروات على التبني، وعادت جوزيت بها إلى باريس.
واليوم، وقد اعتزلت الفن وأصبحت مدام سولفاي، ترى جوزيت أن رسالتها الجديدة هي منح فتاة ملونة فرصة لتلمس نور الثقافة والفن، لتبرهن أن المساواة قادرة على دفن أسطورة تفوق الأبيض إلى الأبد.
هوليوود – صلعة بملايين الدولارات
هناك في هوليوود، يلمع اسم بول برينر، الرجل الذي تُسمّيه الصحافة "أغلى رأس في هوليوود". صلعته هي سر شهرته، وعليها يتوقف دخل أفلام كاملة.
يستعد بول لبطولة مسرحية "كرة أخرى بعاطفة" بعد نجاحها في برودواي، ثم يسافر إلى باريس للتصوير.
ولمعجبيه، جهز سكرتارية كاملة: مدير أعمال، وملحق صحفي، وسكرتير خاص. وفي إحصائية حديثة، يتلقى برينر 950 رسالة يوميًا، معظمها بسؤال طريف:
– "كيف حال صلعتك اليوم؟"
روما – صناعة الأبطال الصغار
في روما، يتحدثون عن الطبيب الرياضي ألدو برينا، الذي ابتكر منهجًا لتشكيل الأجسام منذ الصغر، يمنح الأطفال القوة وصلابة العضلات في سن مبكرة. مشروعه الأبرز هو "مدرسة الرياضيين الأطفال"، حيث يتدرب الصغير جوزيبو على الملاكمة تحت عينه الساهرة، كأنه يصنع بطلًا عالميًا من الطفولة.
ستوكهولم – قلوب الأميرات
حتى الأميرات يعرفن العشق ودموعه. في البلاط السويدي، تدور همسات عن الأميرتين الشابتين ديزيريه وبريجيتا، وكل منهما أسيرة قصة حب، وكلتاهما تصطدم بفلسفة الأم الصارمة، الأميرة سيبيلا.
بريجيتا، بطلة الرياضة المستقلة، وقعت في حب "فولك هالين"، رجل من عامة الشعب يملك مطبعة، مطلق وله طفلان. منعت الأم دخوله القصر، بدعوى أنه خدع نساء قبلاً، لكن بريجيتا واجهتها:
– "سأترك البيت لأجله "
فردت الأم بهدوء:
"بلاطي ديمقراطي… لكن الزوج يجب أن يكرس حياته لزوجته."
أما ديزيريه، فأحبت الكونت الشاب "جريجر لوفهاويت". رغم أن والده مارشال البلاط، طلبت الأم التريث:
"يا ابنتي، اختبري قلبك قبل الزواج. عندما تشعرين أن الرجل خُلق لكِ، فليكن ذلك على بركة الله."
ليالي الأميرتين طويلة، بين الحلم بفارس العمر، والحيرة أمام فلسفة الأم التي ترى أن الزواج ليس نزوة، بل شراكة أبدية.
باريس – وجه نفرتيتي في السماء
وفي باريس، صعد إلى واجهة الأخبار وجه جديد: أني لايزين، مضيفة طيران في الثالثة والعشرين، تجيد الروسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية، وتكتب أحيانًا في الصحف، وتحلم بالفلسفة.
لكن شهرتها جاءت من شبه مذهل بينها وبين الملكة الفرعونية نفرتيتي، اكتشفه عالم آثار فرنسي حين وضع تمثال الملكة بجوار صورتها.
تتهافت عليها شركات السينما بعروض مغرية. هي مترددة:
– "أأترك الفلسفة من أجل السينما؟"
الكل يشجعها، وربما سيشهد العالم نفرتيتي تُبعث من جديد على شاشة الفضة.
ها هي الدنيا تدور، والقصص تتناثر من أقاصي الجزر الدافئة إلى قصور الثلج البارد، ومن وهج أضواء هوليوود إلى أروقة البلاط الملكي، ومن صالات الرياضة الصاخبة إلى مقاعد الفلسفة الهادئة. وجوه تتبدل، وأقدار تتقاطع، وأحلام تُصنع أو تُؤجَّل، بينما القلب البشري يظل كما هو؛ يبحث عن دفءٍ يحتضنه، أو فكرةٍ ترفعه، أو مجدٍ يخلِّد اسمه.
في باريس، تُغنّي طفلة هاواي للغابات كما لو أنها وُلدت من رحمها، وفي هوليوود يلمع رأسٌ أصلع كأنه قمر غريب، وفي روما تُشكَّل عضلات الصغار لتسبق أعمارهم، وفي ستوكهولم تبكي الأميرات حبًّا لا يرضخ لعرش أو لقب، وفي سماء باريس تطل نفرتيتي من جديد بوجهٍ آخر، لتذكرنا أن الجمال والأحلام لا تعرف زمنًا واحدًا.
الدنيا تدور، والقصص تمضي، لكن شيئًا واحدًا لا يتغير: الإنسان يظل يبحث عن ذاته وسط ألوان هذا المسرح الكبير، حيث لا يسدل الستار أبدًا، بل يظل الضوء مسلطًا على الحلم، ما دام في القلب نبضٌ للحياة.