ينينجا… الفارسة التي أنجبت أمة
طفولة في ظلال السيوف
في أوائل القرن الثاني عشر، على أرض شمال غانا، وُلدت الأميرة ينينجا، ابنة الملك نديحا، حاكم مملكة داغومبا. كانت طفلة تشعُّ بجمالها وذكائها، لكن القدر لم يمنحها طفولة هادئة؛ إذ ما إن بلغت الرابعة عشرة، حتى وجدت نفسها تحمل الرمح والقوس، تقود فرسانها في معارك ضارية إلى جانب والدها ضد قبائل الماندينغي.
كانت مقاتلة لا يخطئ سهمها، فارسة يسبق صهيل جوادها وقع خطواتها، وفتاة حرة تعشق الريح التي تلامس وجهها فوق ظهر حصانها.
قلب أسير في قصر الأب
لكن حياة القتال، مهما كانت مجدًا وفخرًا، لم تستطع أن تُطفئ في قلب ينينجا حلمًا آخر… حلم الأمومة والحب وبناء بيتها الخاص. وحين بلغت سن الزواج، رفض والدها أن يزوّجها، مفضّلًا أن تبقى درعه الحامي وسيفه المسلول.
وفي لحظة احتجاج صامتة، زرعت الأميرة حقلاً من القمح، ثم تركته يذبل ويتعفن. وحين سألها الملك عن السبب، أجابته: "كما مات هذا القمح، يموت قلبي حين تحرمُه من حقه في الحياة."
لكن كلماتها لم تجد طريقها إلى قلبه، بل أحاطها بقيود القصر، وأغلق عليها أبوابه.
الهروب نحو الحرية
لم تستسلم ينينجا. ساعدها أحد فرسان والدها على الهرب من محبسها، لكن القدر كان قاسيًا، إذ هاجمته قوى معادية وقتلته، تاركًا إياها وحيدة في البراري.
سارت شمالًا، تعبر الأنهار والغابات، تلاحقها العزلة وتشدها رغبة الانعتاق، حتى أنهكها المسير في ليلة باردة، هناك التقت رجلاً غريبًا سيغيّر مسار حياتها.
لقاء القدر
كان صياد فيلة يُدعى ريال، رجلاً يعرف أسرار الغابة وملامح الصمت. حين رآها، أدرك أنها ليست امرأة عادية، بل روح أسطورية خرجت من ملحمة قديمة. وقع في حبها من النظرة الأولى، وبادلته ينينجا المشاعر نفسها، وكأن الأقدار جمعت بين قلبين كانا يبحثان عن بعضهما عبر دروب بعيدة.
أمّ شعب الموسي
رزقت ينينجا وريال بطفل أسمياه ويدراوغو، أي "الرجل". كان لهذا الطفل شأن عظيم؛ إذ أسس فيما بعد مملكة الموسي، التي صارت إحدى أعظم الممالك في تاريخ بوركينا فاسو. ومنذ ذلك الحين، لُقبت ينينجا بـ"أم الأمة"، وخلّد شعبها صورتها في التماثيل والأساطير.
إرث لا يموت
لا تزال العاصمة واغادوغو تحتفظ بتماثيلها، شاهدة على قصة الفارسة التي لم تهزمها السيوف، بل هزمها شوقها للحب والحرية. وفي كل دورة من مهرجان السينما الإفريقية FESPACO، تُمنح "جائزة حصان ينينجا الذهبي" تخليدًا لذكراها. حتى منتخب بوركينا فاسو لكرة القدم يحمل لقب "الخيول"، في إشارة إلى فرسها الأسطوري.
ومنذ عام 2017، بدأ العمل على مدينة جديدة قرب واغادوغو تحمل اسمها، لتبقى ينينجا، الفارسة الأسطورية، حيّة في ذاكرة الأجيال، تعانق سماء بلادها كما عانقت يومًا حريتها.