تاريخ مصر: مسيرة حضارية ممتدة عبر العصور
تُعَدّ مصر صاحبة أطول تاريخ مستمر لدولة في العالم، يمتد لأكثر من سبعة آلاف عام قبل الميلاد، وقد أسهم موقعها الجغرافي المتميز، الواقع في ملتقى قارات آسيا وإفريقيا وقريب من أوروبا، ووجود نهر النيل كرافد للحياة والزراعة والنقل، في نشوء واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية. هذا الامتداد التاريخي جعل مصر ساحة لتطور سياسي وثقافي واقتصادي متواصل، مع انتقالها عبر عصور متعاقبة تركت بصماتها المميزة.
1. العصر الفرعوني
أ. عصر الدولة القديمة )3200–2180 ق.م )
بدأ مع توحيد الملك مينا لمملكتي الشمال والجنوب، وتأسيس العاصمة "ممفيس". شهدت هذه المرحلة ازدهارًا في الإدارة المركزية، وتطور الكتابة الهيروغليفية، وبناء الأهرامات كمشاريع هندسية جبارة.
• هرم زوسر المدرج في سقارة كان أول بناء حجري ضخم في التاريخ.
• ازدهرت التجارة مع النوبة والسودان، وتقدمت الزراعة والصناعات اليدوية.
• ظهر أول أسطول نهري لنقل البضائع، وتطورت الملاحة البحرية.
تحليل: الدولة القديمة تمثل فترة التأسيس للبنية الإدارية والدينية والفنية لمصر القديمة، وارتبطت بقوة السلطة المركزية وقدرتها على توجيه الموارد للمشاريع الكبرى.
ب. عصر الدولة الوسطى )2040–1640 ق.م )
جاء بعد فترة اضطراب وانقسام سياسي )العصر المتوسط الأول )، وتميز بإعادة الوحدة على يد منتوحتب الثاني، واهتمام الحكام بالمشاريع الزراعية وتطوير الصناعات.
• ازدهر الأدب والفنون، وبرز ملوك مثل أمنمحات الأول وأمنمحات الثالث.
• تعرضت مصر لاحقًا لغزو الهكسوس في العصر المتوسط الثاني، نتيجة ضعف السلطة المركزية.
تحليل: الدولة الوسطى مثّلت مرحلة نضج في الفنون والأدب والإدارة، مع توجه نحو خدمة مصالح الشعب، لكنها كشفت هشاشة الدفاعات أمام القوى الغازية.
ج. عصر الدولة الحديثة )1580–1150 ق.م )
بدأ مع طرد الهكسوس على يد أحمس الأول، وتحولت مصر إلى إمبراطورية امتدت من الفرات إلى الشلال الرابع.
• برز ملوك عظام مثل تحتمس الثالث (العبقرية العسكرية ) وأمنحتب الثالث (الثراء الثقافي ) ورمسيس الثاني ( معاهدات السلام وبناء المعابد الكبرى ).
• حكمت نساء بارزات مثل حتشبسوت التي قادت مشاريع تجارية ومعمارية كبرى.
• شهدت هذه الفترة إصلاحات دينية مثيرة للجدل على يد إخناتون.
تحليل: الدولة الحديثة كانت ذروة القوة العسكرية والسياسية لمصر، لكنها شهدت أيضًا تحولات فكرية ودينية أثرت على استقرارها.
2. الغزو الفارسي )525 ق.م )
قاد قمبيز الثاني غزوًا ناجحًا لمصر، مستفيدًا من الانقسامات الداخلية والاعتماد على المرتزقة.
• ضعف الجيش الوطني كان سببًا رئيسيًا للهزيمة.
• تحولت مصر إلى ولاية فارسية، مع تراجع دورها المستقل في السياسة الدولية.
تحليل: يوضح هذا الغزو أن الانقسام السياسي والاعتماد على قوى خارجية في الدفاع يفتح الباب للتبعية.
3. العصر اليوناني )332–30 ق.م )
دخل الإسكندر الأكبر مصر دون مقاومة، وأسس مدينة الإسكندرية كمركز ثقافي وتجاري.
• حكم البطالمة، وازدهرت الفنون والعلوم، وظهرت مكتبة الإسكندرية وجامعتها.
• حافظ البطالمة على الديانة المصرية وبنوا المعابد الكبرى.
• انتهى الحكم البطلمي مع وفاة كليوباترا السابعة وانضمام مصر إلى الإمبراطورية الرومانية.
تحليل: العصر اليوناني شهد اندماجًا ثقافيًا بين الحضارتين المصرية والإغريقية، لكنه مهّد لسيطرة روما.
4. العصر الروماني والقبطي
• أصبحت مصر "سلة غذاء" روما، وازدهرت الصناعات مثل الزجاج والورق.
• دخلت المسيحية مصر في القرن الأول الميلادي، وتأسست الرهبنة القبطية كتيار روحي عالمي.
• تعرض المسيحيون لاضطهاد شديد في بعض العصور، مثل عهد دقلديانوس.
5. العصر الإسلامي )من 641 م )
فتحها عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وأصبحت جزءًا من الدولة الإسلامية.
• ازدهرت العمارة الإسلامية، مثل الجامع الأزهر في العصر الفاطمي وقلعة صلاح الدين في العصر الأيوبي.
• في العصر المملوكي بلغت القاهرة قمة ازدهارها كمركز تجاري وعلمي.
6. الأسرة العلوية )1805–1952 )
أسس محمد علي باشا مصر الحديثة بإصلاحات عسكرية وزراعية وتعليمية وصناعية.
• ازدهرت البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، مع مشاريع كبرى مثل قناة السويس ودار الأوبرا.
• الاحتلال البريطاني )1882 ) أنهى السيادة الكاملة، رغم بقاء الحكم الاسمي للأسرة العلوية.
7. الجمهورية الأولى )1953–2011 )
• ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار أسقطت الملكية، وأطلقت مشاريع كبرى مثل السد العالي.
• حرب أكتوبر 1973 بقيادة السادات أعادت سيناء وأدت لاتفاقية السلام مع إسرائيل )كامب ديفيد ).
• عهد حسني مبارك شهد استقرارًا نسبيًا مع تحديات اقتصادية وسياسية.
8. الجمهورية الثانية )من 2011 )
بدأت مع ثورة 25 يناير وإسقاط حسني مبارك، ثم فترة حكم محمد مرسي، فعزله الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي في 2013.
• تميزت هذه المرحلة باضطرابات سياسية وأمنية، وإعادة رسم المشهد السياسي الداخلي والخارجي.