علم النحو:
تعريفه ونشأته وأهميته
مفهوم علم النحو
علم النحو، ويُطلق عليه أيضًا "علم الإعراب"، هو العلم الذي يُعنى بدراسة أحوال أواخر الكلمات العربية، وضبطها وفقًا لموقعها في الجملة. ويبحث النحو في أصول تكوين الجملة وقواعد الإعراب، ليحدد أساليب التركيب اللغوي وخصائص المواقع المختلفة للكلمات، سواء كانت خصائص نحوية كالمبتدأ والفاعل والمفعول به، أو أحكامًا نحوية مثل التقديم والتأخير والإعراب والبناء.
والغاية من علم النحو اكتساب ملكة لغوية تمكِّن الإنسان من التعبير عن المعاني المختلفة من خلال تراكيب صحيحة، وتعينه على فهم المقصود من كلام الآخرين وفقًا للتركيب النحوي السليم.
ويُعد علم النحو أحد أبرز علوم اللغة العربية، وأساسًا ضروريًا لفهم النصوص الشرعية من القرآن الكريم والحديث النبوي، إذ إن استنباط الأحكام الشرعية يتوقف على سلامة الفهم اللغوي.
وقد عرّف ابن جني النحو بقوله: "هو محاكاة العرب في طريقة كلامهم، تجنّبًا للّحن، وتمكينًا للمستعرب في أن يكون كالعربيّ في فصاحته وسلامة لغته عند الحديث".
خصائص علم النحو ومصادره
من خصائص هذا العلم التمييز بين الاسم والفعل والحرف، وبين المعرب والمبني، ومعرفة العلامات الإعرابية المختلفة كالرفع والنصب والجر والجزم، إلى جانب تحديد العوامل المؤثرة في هذه العلامات. وقد استُنبطت قواعد هذا العلم من الاستقراء لكلام العرب في الشعر والنثر، ثم تم الاستشهاد بها في صورة "الشواهد اللغوية".
أصل التسمية
يرجع أصل كلمة "نحو" إلى الفعل "نَحا"، ويعني القصد أو الاتجاه. وقد ورد أن التسمية جاءت حين قال الإمام علي بن أبي طالب لأبي الأسود الدؤلي - بعد أن بيّن له أبواب الكلام: الاسم، الفعل، الحرف -: "انحُ هذا النحو يا أبا الأسود"، أي اتبع هذا الطريق في بيان اللغة. ومن هنا سُمِّي هذا العلم بـ"علم النحو".
الدوافع لنشأة علم النحو
بدأ ظهور اللحن في الكلام العربي بعد انتشار الإسلام واتساع رقعة الدولة الإسلامية، ودخول العديد من الأعاجم في الإسلام، واختلاط العرب بغيرهم من الأمم كالفُرس والروم والنبط والأحباش. ومع الوقت، تسربت أخطاء لغوية في التخاطب، بل وفي قراءة القرآن الكريم.
ومن أوائل مظاهر هذا اللحن ما نُقل عن رجل لحن أمام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أرشدوا أخاكم، فإنه قد ضل". كما ورد عن أبي بكر الصديق قوله: "لأن أقرأ فأسقط، أحب إليّ من أن أقرأ فألحن".
وتتعدد الروايات التي تتحدث عن نشأة علم النحو، إلا أن معظمها تنسب وضعه الأول إلى أبي الأسود الدؤلي (ت. 67 هـ)، وذلك بأمر من الإمام علي بن أبي طالب، حين لاحظا شيوع اللحن، فاستُنهِض أبو الأسود لوضع أسس هذا العلم.
روايات في نشأة علم النحو
من أشهر الروايات:
1. أن عليًّا علّم أبا الأسود تقسيم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، ووجّهه إلى تأسيس قواعد الإعراب.
2. أن الخليفة عمر بن الخطاب أمر أبا الأسود بتعليم النحو لما بلغَه تحريف في قراءة القرآن.
3. أن زياد بن أبيه طلب من أبي الأسود أن يضع علمًا يُهذّب به ألسنة الناس، بعد شيوع اللحن بين العامة.
4. أن أبا الأسود لاحظ خطأ ابنته في التعبير فقال: "ذهبت فصاحة العرب"، ومن هنا بدأ في وضع أبواب النحو.
وقد ساعده في تدوين قواعد النحو تلاميذه مثل نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر.
مكان نشأة علم النحو
تجمع معظم المصادر على أن النحو نشأ في البصرة، فكانت المهد الأول لهذا العلم، ومن هناك نشأت المدرسة النحوية البصرية، ثم تلتها المدرسة الكوفية، فظهر التمايز بين المذهبين في بعض القواعد والمناهج.
البواعث على نشأة علم النحو
• الدافع الديني: الحرص على سلامة قراءة القرآن الكريم والحديث النبوي.
• الدافع القومي: الاعتزاز باللغة العربية والرغبة في حمايتها من التحريف والتداخل الأجنبي.
• الدافع الاجتماعي: حاجة غير العرب من المسلمين لتعلم العربية والتخاطب بها على نحو سليم.
أهمية علم النحو
يساعد علم النحو في فهم النصوص فهما صحيحًا، ويُعد وسيلة لضبط اللسان العربي وتجويد التعبير والكتابة، ويمنع اللحن الذي يغير المعنى، كما يُعدّ أساسًا للعلوم الأخرى كالبلاغة والفقه والتفسير. فبفضل قواعده، يستطيع المتعلم أن يُدرك بنية الجملة، ووظيفة كل كلمة، والروابط المنطقية التي تنتظم بها المعاني.
إن علم النحو ليس مجرد علم لغوي بل هو أداة فكرية ومنهج دقيق لحماية اللسان العربي، وصيانة القرآن والسنة من الخطأ في التفسير والفهم، وضمان لاستمرار التواصل اللغوي السليم في الحضارة العربية الإسلامية.