احترس من هؤلاء

احترس من هؤلاء
1. احترس من هذه السيدة عندما وطئت قدماها أرض العاصمة، كانت أول فكرة طافت بذهن "ست أخواتها" أن تزور السيدة الطاهرة. خرجت من المحطة وسألت أول رجل صادفته في الميدان عن الطريق إلى مقام السيدة زينب. أرشدها ابن الحلال، وركبت الترام. وبعد ساعة، كانت تقف بخشوع بجوار الضريح، تهمس بالدعاء مع نسوة أخريات، كلٌّ يحمل رجاءه وهمَّه. هناك، إلى جوارها، جلست سيدة سمراء اللون، يعلو وجهها مسحة من التقى والورع، لكنها كانت تبكي بكاءً مرًّا. تسللت نسمات من العاطفة الرقيقة إلى قلب "ست أخواتها"، فاقتربت منها وسألتها بلطف عن سر بكائها. بين الدموع حكت المرأة قصتها: إنها مربية لدى أسرة كريمة، وقد أرسلتها سيدتها لتضع جنيهًا في صندوق النذور، وفاءً بنذرٍ نذرته حين نجح ابنها في الامتحان. لكنها، حين وصلت، فتّشت حقيبتها ولم تجد الجنيه، ولا تدري الآن ما تفعل. إن عادت وأخبرت سيدتها بالحقيقة، فلن ترحمها، وإن كذبت وادعت أنها وضعت الجنيه، فلن تسلم من عقاب السيدة زينب. رق قلب "ست أخواتها"، وأخرجت من صدرها صُرّة نقود، فتحتها، وانتقت منها ورقة من فئة العشرة قروش، وضعتها في يد المرأة الباكية، التي أشرقت ملامحها فجأة، وتمتمت بآيات الشكر، ثم ارتمت على يدها تُقبّلها. سحبت "ست أخواتها" يدها مستغفرة، ولكن المرأة مالت فقبّلتها في رأسها، ثم انصرفت تردد آيات الشكر والدعاء. غير أن "ست أخواتها"، حين خرجت من المقام وركبت الترام، أدخلت يدها إلى صدرها لتتفقد صرتها، فلم تجدها… بالطبع. أمام قسم الشرطة، روت القصة. لقد كانت السيدة السمراء "مربية" بالفعل… مربية في النشل! تُعرف باسم "سيدة حين حيبن"، احترفت النشل منذ عام 1928، وكان آخر جرائمها بالأزبكية عام 1954، وها هي تعود إلى الشارع تمارس مهنتها القديمة… فاحذروا منها. 2. احترس من هذا الرجل وقف الأوتوبيس في المحطة مزدحمًا كعادته، لكن الزحام لم يمنع الركاب من التزاحم على الصعود. صعد شاب ووقف في الممر، وخلفه رجل يحمل حقيبة. رفع أحد الركاب رأسه، فصاح في الرجل: – إزاي الصحة يا دكتور؟ رد الآخر بلهجة واثقة: – أهلاً وسهلاً، الحمد لله، العائلة بخير. – وأين سيارتك يا دكتور؟ – مكسورة النهارده. – اتفضل اقعد. رفض "الدكتور" الجلوس، وظل واقفًا. غادر الراكب الأوتوبيس لاحقًا، ومدّ يده إلى جيبه يبحث عن محفظته... لم يجدها. فتّش جيوبه الأخرى عبثًا. ثم تذكّر الأوتوبيس، وتذكّر "الدكتور". انطلق يجري في الشارع يصرخ: – الدكتور! المحفظة! فلوس المصلحة راحت! لكن "الدكتور" لم يكن طبيبًا، بل نشال محترف يُدعى محمد أحمد علي، شهرته "الضعيف". بدأ نشاطه منذ 1940، وعالجته الإصلاحيات فزاد مكرًا وخبرة. حتى اليوم ارتكب أكثر من عشرين حادثة، وكان آخرها في السيدة زينب عام 1953. ما زال يتنقل بين الترام والسيارات العامة، يحمل حقيبته، ويناديه أعوانه بـ"الدكتور" ليسهّلوا له صيده التالي. احترس من الدكتور… فهو من أخطر النشالين الذين مرّوا بالقاهرة. 3. احترس من هذه المرأة في حي الموسكي، وسط الزحام ورائحة العطور، كانت الحسناوات يتجولن بحثًا عن الأقمشة والمجوهرات. على اليمين محل فخم، فلنتوقف عنده. صاحب المحل منهمك، يعرض أقمشة حريرية وقطنية، ويحسب أرباحه بدقة. وفجأة، تقتحم المحل امرأة فارعة الطول، حسناء، بابتسامة عريضة تسحر البائع. – هذا القماش من فضلك، لا… لا أقصد هذا… ذلك أفضل. ثم تفتح حقيبتها تبحث عن منديل، وتتساقط منها رزم أوراق مالية حمراء وخضراء، مما يثير لعاب البائع، فيناولها الثوب مأخوذًا بابتسامتها وأناملها الدقيقة. – أرني هذا، ثم ذاك… جميل جدًا… أهو الحمام هنا؟ تذهب لدقائق ثم تعود مبتسمة، وتعتذر بأنها ستعود لاحقًا بصحبة خالتها لتتم الشراء. يغيب طيفها بين الزحام، تاركة البائع في غبطة من جمالها. لكن حين يعود لترتيب أقمشته، يتساءل فجأة: – الثوب! أين الثوب؟ لقد سرق الثوب. هذه هي "روائح علي عثمان"، متخصصة في سرقة الأقمشة بالحيلة. أما الأوراق المالية فكلها ماركات ألمانية قديمة بلا قيمة. فاحذر من كل حسناء تسألك عن "التواليت" وتضحك في وجهك كروائح. 4. احترس من هذا الرجل أول الشهر… الماهية وصلت. والسيدة تمشي في شارع 26 يوليو تحمل مشروعاتها في رأسها: الحرير، النايلون، العطر، الصابون... وفي حقيبتها راتب زوجها الذي سال من جبينه ودموعه طوال شهر كامل. تنظر إلى الفاترينات، تتأمل، تحلم. تذهب وتجيء. الحقيبة فيها ثلاثون جنيهًا، لكنها تحلم بما قيمته ستون. ولا زالت تبحث عن العرض المثالي. وأخيرًا، قررت عبور الشارع نحو فاترينة أخرى، وبدأت تخطو، وفجأة… مرت دراجة، ومعها… طارت الحقيبة! نعم، الحقيبة طارت. الرجل الذي خطفها راكب دراجة محترف يدعى "رفعت حسين محمد"، تخصص في هذا الفن وأبدع فيه. احذري يا سيدتي من كل رفعت يمر بدراجته قربك، فربما يكون في طريقه لسرقة عرق زوجك… مرةً أخرى. خاتمة: في زوايا القاهرة، تتعدد الحيل وتتغير الوجوه، لكن الخداع واحد. بين دعوة في مقام، أو وقوف في أوتوبيس، أو نظرة في محل، أو عبرة في شارع… هناك دومًا من يبتسم، ليخدع. فاحذر… ثم احذر… ثم احذر.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال