يا للعجب، هذا ما جناه العقل على أهله
عربيٌّ لابسٌ طرحة...
وفي عيونه انكسارُ المعنى،
يمشي الهوينى، لا يعرفُ هل هو في الزمنِ
أم الزمنُ فيه تاهَ وتحنّى.
طرحتُهُ بيضاءُ...
لكنها ليست بياضَ الطهر،
بل لونُ الصمتِ إذا ارتدى جسدَ العجزِ
ومشى في جنازةِ الكرامةِ،
يسألُ الطريقَ: أأنا رجلٌ... أم أنا شبهةُ ماضٍ انمحى؟
والثاني... في بدلةٍ وكرافته،
يحملُ قاموسَ الحداثةِ،
لكن قلبَهُ ما زالَ في سوقِ النخاسةِ.
كرافتهٌ تختنقُ بها الكلمات،
ويشدُّ صدرَهُ بزيفِ الهيبة،
وفي عينيه حيرةُ اللغات:
من أنا؟
يا أيها المرآة، دليني...
هل ما ألبسُهُ أنا،
أم ما أنزعُهُ بعدَ المساءِ... أنا؟
والثالث... يشدُّ وِدانه،
ليسألها: هل سمعتِ الصراخَ القادمَ من جوفِ الروح؟
هل قالت له أمه: “يا وَلَد، كن عاقلاً، لا تثرثر كثيراً”؟
أم قال له الخوفُ:
"اسكتْ... ففي السكوتِ نجاةُ العبيد"؟
هو لا يسمعُ إلا صدى يده،
ولا يرى إلا ظلَّهُ المشدودَ على الجدار،
كأنّ الطفولةَ ندمتْ عليه،
فشدّت أذنه ليرتدعَ... متأخراً!
في الزحامِ... ثلاثةُ وجوه،
ليست حكايةً، بل مرآةٌ لشعبٍ يمشي:
واحدٌ ضائعٌ بين هويتهِ وطرحتِه،
وآخرُ أسيرُ ربطاتِ عنقٍ لا تفكّ العقدَ في صدرهِ،
وثالثٌ لم يجدْ من يهمسُ في أذنه:
“اصغِ إلى قلبك... قبل أن تُشدَّ أذناكَ إلى الخلف”.
أشجب وأدين... شعاري!"
سمعتها عبارةً صارخةً تملأ الفضاء،
كأنها تُسفك لا بالحروف، بل بالأنين،
قالها رجلٌ مجهولٌ،
يجر عربته،
وقد امتطى حمارَه،
لا وجهَ له سوى الغبار،
ولا صوتَ له سوى صدى الانكسار...
"أشجب وأدين!"
صرخةٌ جوفاء،
تردّدها الألسنة في مواسم الخوف،
تُطلقها الشفاه حين يُستبدل الفعلُ بالبيان،
حين يُصبح الرفضُ عادةً شفويةً لا تُكلف أحدًا شيئًا.
رأيته بعين القلب،
كان يجر العارَ لا العربة،
يمضي في شارع الحياة
بحمارٍ ووجهٍ لا يعرف الحياء،
كأنما يحمل على ظهره
لغةً منزوعةَ الضمير،
وأخلاقًا تُعلَّب للبيع مع الخضار.
"أشجب وأدين!"
ما أهون الشجب حين يُقال من فوق حمار،
ما أضعف الإدانات حين تُكتب بالحبر الفارغ
ولا تُترجم إلى موقف،
ولا تقطع طريقًا،
ولا تُسقط طاغيةً،
ولا تُرعب قاتلًا!
شعاراتٌ كالظلّ،
تمشي معنا في كلّ نشرةٍ،
تُقال بلسانٍ لا يسكنه القلب،
ولا يهزهُ ألمُ الجياع
أو صرخةُ مكلوم.
أيها الرجل الذي بالحمار،
شعارُك أكبرُ من عربتك،
وأضعفُ من صمتك،
تجره معك،
كأنك تسحب الأملَ إلى المجهول.