"القاهرة مركز إشعاع للغة العربية في القرن العشرين"

"القاهرة مركز إشعاع للغة العربية في القرن العشرين"
شهد القرن العشرون نهضةً شاملةً في اللغة العربية وآدابها، تمثلت في تطور ثروتها اللغوية بما استجد عليها من آلاف المصطلحات العلمية والحضارية، وتوسّع آفاقها التعبيرية نتيجة ما شهدته الحياة العربية الحديثة من تطور ثقافي، وسياسي، واقتصادي، واجتماعي. كما تجددت أساليبها تجددا ملحوظا، وتخلصت من السطحية و العامية ، والزخرف اللفظي اللذين سادا في عصور ما قبل النهضة، وتطورت قواعدها واشتقاقاتها لتواكب الفكر الحديث. ورافقت هذه التطورات مناهج علمية جديدة في دراسة اللغة، تأثرت بالتقدم في الدراسات الصوفية واللغوية، كما زاد التقارب بين العربية ولهجاتها المحلية في جميع البلاد العربية ، نتيجة انتشار التعليم ووسائل الإعلام. وشهد الأدب العربي تطورًا ملحوظًا في فنونه الكلاسيكية، كالمقالة بمختلف أنواعها ، والقصيدة، والخطبة السياسية و الدينية ، وأعيدت صياغتها لتواكب العصر، كما أُدخلت إلى الأدب العربي فنون جديدة كالقصة، والرواية، والمسرحية، والملحمة. وتعددت المدارس الأدبية تعددا ملحوظا ، وتزايد الحوار بين المحافظين والمجددين، وتطورت الحركة النقدية متأثرة بالاتجاهات العالمية الحديثة ، و خصوصا الغربية منها . ولا يعني البحث في أثر القاهرة أن المدينة وحدها كانت مسؤولة عن النهضة، فاللغة العربية تراث مشترك بين البلاد العربية كافة، غير أن للقاهرة مكانة خاصة نتيجة مجموعة من العوامل: أولاً: الموقع الجغرافي المتميز والتاريخي العريق لمصر في قلب العالم العربي ، وما تميزت به القاهرة من دور ثقافي وسياسي بارز منذ أن أصبحت مركزًا للعلم بفضل الأزهر الشريف . وقد شكلت القاهرة ملتقى الأدباء والعلماء وزعماء الفكر من الشرق العربي والغرب الإسلامي، بل و من العالم الغربي ، وأصبحت منذ عصر النهضة حلقة وصل بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي. ثانيًا: اليقظة الحضارية التي بدأت في مصر أواخر القرن الثامن عشر على يد محمد علي باشا ، وتمثلت في حركة البعثات العلمية إلى أوروبا، والاهتمام بالترجمة من اللغات المختلفة إلى العربية ، وإحياء التراث العربي القديم ، وتجديد اللغة والأدب لتناسب العصر ، وظهور شخصيات قيادية كرفاعة الطهطاوي، الذي أسس مدرسة الألسن وأسهم في الترجمة والتأليف، وأسس منهجًا لغويًا قائمًا على التيسير في التعبير . كما برز في هذه الفترة محمود سامي البارودي، مؤسس حركة الإحياء الشعري، وتلاه أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي جمع بين التراث والتجديد. وجذبَت القاهرة شخصيات من لبنان وسوريا، مثل الشدياق، والبستاني، وزيدان، الذين ساهموا في إثراء المشهد الأدبي . وكان لإنشاء مدرسة دار العلوم، وظهور أول مؤلف حديث في علوم اللغة، وتأسيس المجمع اللغوي عام 1892 أثر كبير في النهضة، حيث توالى العمل فيه لاحقًا بصورة مؤسسية، منذ تشكيله الحديث عام 1932، وأدى إلى تجديد المعاجم، وتطوير المصطلحات، وتيسير القواعد . كما أسهمت الجامعة المصرية منذ عام 1908، وما تفرع عنها لاحقًا من جامعات، في تعميق الدراسات اللغوية والأدبية، وأسهم أساتذتها وخريجوها في تنشيط الحركة الثقافية في مصر والوطن العربي . وكان للصحافة الأدبية دور محوري في نشر الأدب والنقد، وتوجيه الرأي العام الأدبي، من خلال مجلات مثل "الهلال"، و"المقتطف"، و"الرسالة"، و"الثقافة"، التي شهدت سجالات فكرية ونقدية واسعة بين كبار المفكرين و الأدباء من شتى أنحاء الدول . واستقبلت القاهرة كبار أدباء العرب، وأسهمت في بروز أسماء لامعة مثل طه حسين، والعقاد، والمازني، وشكري، الذين أسسوا مدارس أدبية ونقدية بارزة. وتطور الأدب القصصي والروائي والمسرحي، وتأثرت القاهرة بالاتجاهات الأدبية الغربية، وأسهمت في تعريبها وتوطينها عربيًا. وفي أعقاب ثورة 1919، ثم ثورة 1952، تكاملت النهضة اللغوية مع النهضة الوطنية، فغدت اللغة والأدب أدوات تعبير قومية، تعكس تطلعات الشعب العربي نحو الحرية والنهضة، ولعبت القاهرة دور الريادة في هذا المجال، وظلت مركز إشعاع ثقافي في العالم العربي .

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال