العوامل النفسية والجسدية المؤثرة
في ضعف الرغبة الجنسية:
منظور طبي–نفسي
تُعد الرغبة الجنسية أحد العناصر الأساسية للحياة الزوجية المتوازنة، وانخفاضها أو فقدانها يمثل مشكلة صحية ونفسية شائعة تؤثر على جودة الحياة والعلاقة الزوجية. وتشير الدراسات إلى أنّ ضعف الرغبة الجنسية ينتج عن تداخل عوامل متعددة تشمل الأبعاد النفسية والجسدية وأسلوب الحياة. لذا فإن فهم هذه العوامل يعدّ خطوة أساسية نحو العلاج الشامل الذي يجمع بين التدخلات الطبية والنفسية.
أولاً: الأسباب النفسية
تمثل العوامل النفسية أحد المحاور الرئيسة في تفسير ضعف الرغبة الجنسية، وتشمل:
1. الاكتئاب والقلق
• الاكتئاب يؤدي إلى انخفاض الدافعية العامة، وفقدان المتعة، بما في ذلك المتعة الجنسية.
• القلق، خاصة القلق المرتبط بالأداء، يضع الفرد في حالة من التوتر المستمر الذي يعيق الاستجابة الجنسية.
في دراسة سريرية حديثة (2022)، تبين أنّ ما يقارب 35% من المرضى المصابين بالاكتئاب أبلغوا عن فقدان الرغبة الجنسية بشكل ملحوظ.
2. التوتر المزمن
يؤدي التوتر المستمر إلى ارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول، مما يضعف الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون والإستروجين.
3. مشكلات العلاقة الزوجية
الخلافات الزوجية، ضعف التواصل العاطفي، وانخفاض الدعم النفسي بين الزوجين تؤدي إلى تقليل التقارب الحميمي وفقدان الرغبة.
ثانياً: الأسباب الجسدية
1. الأمراض المزمنة
• السكري: يسبب تلف الأعصاب والأوعية الدموية مما يضعف الاستجابة الجنسية.
• ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب: تقلل تدفق الدم إلى الأعضاء التناسلية.
2. الأدوية
بعض الأدوية تؤثر سلبًا على الرغبة الجنسية مثل:
• مضادات الاكتئاب (SSRIs).
• أدوية ضغط الدم (مدرات البول وحاصرات بيتا.
• مضادات الهيستامين.
3. الاضطرابات الهرمونية
• قصور الغدة الدرقية أو فرط نشاطها.
• اختلال وظيفة الغدة النخامية.
• التغيرات الهرمونية في الحمل وانقطاع الطمث.
4. الأمراض العصبية
حالات مثل التصلب المتعدد ومرض باركنسون تؤثر على الجهاز العصبي المسؤول عن الاستثارة الجنسية.
5. التعب والإرهاق
الإجهاد الجسدي المستمر يقلل مستويات الطاقة، مما ينعكس مباشرة على الرغبة الجنسية.
ثالثاً: عوامل نمط الحياة
1. الكحول والتدخين
الإفراط في الكحول والتدخين يؤثران على الدورة الدموية والهرمونات الجنسية، ويقللان من الإثارة والرغبة.
2. النشاط البدني
• الخمول يؤدي إلى ضعف اللياقة الجسدية وانخفاض الطاقة.
• الرياضة المفرطة قد تسبب إرهاقًا جسديًا وخللاً هرمونيًا.
3. السمنة
ترتبط السمنة بزيادة الالتهابات المزمنة واضطراب الهرمونات، إضافةً إلى التأثير السلبي على صورة الجسد والثقة بالنفس.
رابعاً: التدخلات العلاجية
1. العلاج الطبي والدوائي
• معالجة الأمراض المزمنة مثل السكري وضغط الدم.
• تعديل الأدوية المسببة لانخفاض الرغبة الجنسية.
• العلاج الهرموني في حالات نقص التستوستيرون أو الإستروجين.
• استخدام بعض الأدوية المساعدة مثل مثبطات الفوسفوديستيراز-5 (لدى الرجال) لتحسين الوظائف الجنسية.
2. العلاج النفسي
• العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد على تعديل الأفكار السلبية المتعلقة بالجنس والذات.
• العلاج الزوجي: يعزز التواصل العاطفي ويقلل من الصراعات الزوجية.
• تقنيات الاسترخاء وإدارة التوتر: مثل التأمل والتنفس العميق واليوغا.
3. التثقيف الجنسي
توفير المعلومات الصحيحة حول العملية الجنسية والتغيرات الطبيعية في الرغبة عبر مراحل العمر يساعد على تقليل القلق وتعزيز التفاهم بين الزوجين.
خامساً: الجانب النفسي في العلاج
إن العامل النفسي يشكل محورًا أساسيًا في مقاربة علاج ضعف الرغبة الجنسية، حيث إن المريض قد يدخل في دائرة مفرغة من القلق → ضعف الأداء → مزيد من القلق → فقدان الرغبة.
• تعزيز الثقة بالنفس والرضا عن صورة الجسد له دور إيجابي كبير.
• دعم العلاقة العاطفية بين الزوجين يساهم في إعادة بناء الرغبة.
• إشراك الشريك في جلسات العلاج النفسي يزيد من فاعلية التدخل العلاجي.
سادساً: دور التواصل مع الشريك
الحوار الصريح بين الزوجين حول التوقعات والاحتياجات الجنسية يعد خطوة مهمة لتقليل التوتر النفسي وإيجاد حلول مشتركة.
إن ضعف الرغبة الجنسية ليس مجرد عرض عابر، بل هو انعكاس لتداخلات نفسية، جسدية، ومرتبطة بنمط الحياة. والمعالجة الناجحة تتطلب رؤية شمولية تجمع بين العلاج الطبي والدوائي، والدعم النفسي، وإصلاح العلاقة الزوجية.
المراجع
مراجع عربية
1. عادل محمود، الصحة الجنسية في الممارسة الطبية، القاهرة: دار الفكر العربي، 2019.
2. حسن عبد العزيز، العلاج النفسي للأمراض الجنسية، عمان: دار الشروق، 2020.
مراجع أجنبية
3. Basson, R. (2020). Human Sexuality and Sexual Dysfunction. Journal of Sexual Medicine, 17(5), 803–812.
4. McCabe, M. P., et al. (2016). Psychological and Medical Aspects of Sexual Health. Lancet Psychiatry, 3(4), 336–350.
5. Laumann, E. O., Paik, A., & Rosen, R. C. (1999). Sexual Dysfunction in the United States. JAMA, 281(6), 537–544.