أدب المواخير عند العرب

أدب المواخير عند العرب
تُعدّ علاقة الرجل بالمرأة من أكثر القضايا التي أثارت جدلاً في الفكر العربي والإسلامي، حيث تشابكت فيها عناصر الدين والعرف والاجتماع والسياسة والأخلاق. ومن خلال مراجعة متأنّية للتراث المكتوب، يلحظ الباحث وفرة في المصنّفات التي تناولت موضوع الجنس وعلاقته بالمرأة، مقابل ندرةٍ ملحوظة في المؤلفات التي تناولت صورة المرأة كأم، أو أخت، أو زوجة، أو عاملة، أو عالمة، أو شاعرة. هذا التفاوت يطرح تساؤلاً عميقاً حول طبيعة الوعي الجمعي في الحضارة العربية الإسلامية: لماذا رُسِّخت صورة المرأة كأداة للمتعة أكثر من كونها شريكاً متكاملاً في البناء الحضاري؟ الأسس التاريخية والنصوص التأسيسية منذ البدايات الأولى لتفسير النصوص الدينية، وُجدت محاولات لتكريس تبعية المرأة للرجل عبر أساطير وقراءات رمزية. فقد شاع تفسير الخلق بأن حواء خُلقت من ضلع آدم الأعوج، في إشارة إلى ضعفها وتبعيتها. وقد استُخدم هذا التصور لتبرير التراتبية الاجتماعية والجندرية التي جعلت المرأة "درجة ثانية". كما ساهم تداول بعض الأحاديث النبوية – مثل الحديث المنسوب "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" – في تعزيز هذه النظرة، على الرغم من اختلاف المحدثين في توثيقه ومعناه. هذه النصوص، وإن وُضعت في سياق تاريخي معيّن، تحوّلت إلى أسس ثقافية تؤثر في العقل الجمعي، حتى أصبحت تُوظَّف في الخطاب الديني والتربوي. المرأة بين الأخلاق والجنس اللافت أنّ المكتبة العربية الإسلامية لم تُعنَ كثيراً بإبراز صورة المرأة في بعدها الأخلاقي والاجتماعي، بل مالت إلى تصويرها في إطار الشهوة والجسد. بينما اهتم الإسلام في جوهره بتكريمها واعتبارها شريكاً أصيلاً في الأسرة والمجتمع، فإن الإنتاج الفكري ظلّ منحازاً إلى أدب الغزل والمجون والكتب الجنسية. تظهر هذه المفارقة بجلاء عند مقارنة حجم المؤلفات في الأخلاق والتربية، بما كُتب في أبواب "الباه" واللذات الحسية، حيث تكاد الكفّة تميل لصالح الثانية. المرأة والسلطة الذكورية مع ترسيخ سلطة الرجل في المجتمع الإسلامي الوسيط، أصبحت المرأة أسيرةً لخطاب يُحمّلها وزر "الفتنة" و"المعصية"، كما في روايات ابن أبي شيبة أو القرطبي. تلك الرؤى جعلت من المرأة مدخلاً للخطيئة، وموضعاً للريبة. غير أنّ هذه النظرة لم تكن حكراً على المجتمعات الإسلامية، بل نجدها حاضرة في الفكر الغربي المسيحي الوسيط أيضاً، حيث ارتبطت المرأة بالخطيئة الأصلية. لكن المفارقة أنّ المجتمعات الأوروبية في العصر الحديث تجاوزت هذه المرحلة، بينما بقيت بعض المجتمعات العربية والإسلامية تعيد إنتاجها بأشكال مختلفة. جهاد المناكحة: امتداد للتراث الذكوري مع صعود الحركات الإسلاموية المتطرفة في العصر الحديث، ظهرت مفاهيم غريبة مثل "جهاد المناكحة"، الذي يُلزم المرأة بدور جنسي لخدمة "المجاهدين". هذا التصوّر ليس معزولاً عن سياق التاريخ؛ بل هو امتداد لنظرة ترى المرأة وسيلة لإشباع الغرائز أكثر من كونها شريكاً في الفعل الحضاري. بهذا المعنى، يمكن القول إن "جهاد المناكحة" لم يأتِ من فراغ، بل هو إعادة إنتاج لنموذج قديم من الذكورية المطلقة التي سادت في التراث. أدب الجنس في التراث العربي الإسلامي من أبرز مظاهر هذا الاهتمام المفرط بالجسد والجنس، الكمّ الكبير من الكتب التي تناولت هذه الموضوعات بتفصيل دقيق، وصل حدّ التصنيف والتقسيم والتفنّن في الألفاظ. وقد اعتُبرت هذه المؤلفات جزءاً من "مكملات العلوم"، بل عُدّت أحياناً دليلاً على سعة معرفة المؤلف وجرأته. مؤلفات 1ـ الوشاح في فوائد النكاح 2ـ نزهة المتأمل ومرشد المتأهل 3ـ نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر 4ـ الإفصاح في أسماء النكاح 5ـ اليواقيت الثمينة في صفات السمينة 6ـ مباسم الملاح ومباسم الصباح في مواسم النكاح 7ـ الإيضاح في أسرار النكاح 8ـ الأيك في معرفة النيك 9ـ نواضر الأيك في نوادر النيك 10ـ شقائق الاترنج في رقائق الغنج 11ـ رشف الزلال من السحر الحلال . وهذا الكتاب مقامة من مقامات السيوطي اللهوية العبثية، يتحدث عن واحد وعشرين عالما من علماء ذلك الزمان لكل منهم تخصصه، تزوج كل منهم بامرأة، ووصف كل منهم ليلته الأولى مع زوجته، موريا بألفاظ فنه الذي تخصص به. السيوطي نموذجاً العلامة جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) يُعدّ من أكثر العلماء إنتاجاً في هذا الباب، إذ خلّف ما لا يقل عن أحد عشر كتاباً في موضوع النكاح والجنس، منها: الوشاح في فوائد النكاح، الإيضاح في أسرار النكاح، نواضر الأيك في نوادر النيك، ورشف الزلال من السحر الحلال. هذه المؤلفات تكشف عن اهتمام واسع في الأوساط العلمية والأدبية بموضوعات الجسد والعلاقة الجنسية. مؤلفون آخرون لم يكن السيوطي وحيداً، فقد شارك غيره من كبار العلماء والأدباء: • الجاحظ في العرس والعرائس. • الرازي في كتاب الباه. • النفزاوي في الروض العاطر في نزهة الخاطر. • أبو العنبس الصيمري في مؤلفات تناولت السحاق والبغاء. • الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط في أسماء النكاح. إلى جانب هؤلاء، هناك العشرات من المؤلفات المجهولة التي انتشرت في المكتبة العربية، مثل الأكفية الكبير وضوء الصباح في لغات النكاح. دلالات ثقافية هذا التوجّه يكشف عن مجتمع كان مهووساً بالجنس، إلى درجة أنّ الخلفاء والسلاطين كانوا يحتفظون بهذه الكتب في خزائنهم الخاصة، ويشجعون على تصنيفها، بينما طُمست أو ضاعت كتب الأخلاق والفكر النقدي. الأمر الذي انعكس على شكل الوعي الجمعي، فصار الأدب الجنسي أوسع انتشاراً من الأدب الأخلاقي أو الفلسفي. المرأة كسلعة اجتماعية تظهر المؤلفات الجنسية العربية صورة المرأة باعتبارها "سلعة" أو "موضوعاً للذة"، تُشترى وتُباع كالإماء والجواري. هذا التصوّر ساهم في تكريس دونية المرأة وحرمانها من المساواة. ورغم أن المرأة عبر التاريخ العربي والإسلامي خاضت أدواراً عظيمة في ميادين الشعر والفقه والسياسة، إلا أنّ هذه الأدوار تمّ تهميشها في مقابل تضخيم صورتها الجسدية. مقارنة حضارية ليست الحضارة الإسلامية وحدها التي اهتمت بالجنس، فالحضارات الأخرى عرفت أدباً مشابهاً، لكن الفرق أنّ بعض المجتمعات الغربية استطاعت تحويل هذا الأدب إلى حقل للبحث العلمي أو النفسي أو السوسيولوجي، بينما ظلّ في الثقافة العربية حبيس اللذة والسرد القصصي الفاحش. والنتيجة أنّ صورة المرأة بقيت أسيرة الثنائية: "مصدر فتنة" أو "موضوع لذة"، دون الاعتراف الكامل بإنسانيتها وطاقتها الفكرية والاجتماعية. الخاتمة إنّ استعراض "أدب المواخير" في التراث العربي، وما تفرّع عنه من مؤلفات في الجنس واللذة، يكشف عن أزمة حضارية عميقة في نظرة المجتمع إلى المرأة. فبينما كُرّمت في النصوص الدينية الأصيلة، همّشت في الممارسة الثقافية والاجتماعية، حتى غلب عليها الطابع الشهواني. هذه الأزمة، التي تمتد من قصة "الضلع الأعوج" إلى "جهاد المناكحة"، تعبّر عن استمرار سلطة ذكورية تُقصي المرأة وتعيد إنتاجها كأداة لا كشريك. وهو ما يستدعي اليوم إعادة قراءة التراث بعين نقدية، توازن بين تكريم المرأة كإنسان، وفهم دورها بعيداً عن الأطر الضيقة للجسد والشهوة.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال