تأجير الرحم: دراسة طبية، نفسية، اجتماعية وقانونية

تأجير الرحم: دراسة طبية، نفسية، اجتماعية وقانونية
مقدمة يُعد تأجير الرحم )Surrogacy) من أبرز القضايا الطبية والاجتماعية المعاصرة التي أثارت جدلاً واسعاً بين الأطباء وعلماء النفس والمشرّعين ورجال الدين. يقوم هذا الإجراء على موافقة امرأة، تُسمى الأم البديلة، على حمل جنين لشخص أو زوجين غير قادرين على الإنجاب، بموجب اتفاق قانوني، بحيث يُنسب المولود بعد الولادة إلى الوالدين المقصودين. يتقاطع هذا الموضوع مع عدة أبعاد: الطب الحديث وتقنيات المساعدة على الإنجاب، الصحة النفسية للأم البديلة والوالدين المقصودين، الاعتبارات الاجتماعية والقانونية، إضافةً إلى الإشكاليات الأخلاقية والجدل الديني. أولاً: البعد الطبي أنواع تأجير الرحم 1. التأجير التقليدي: تستخدم الأم البديلة بويضاتها المخصبة بالحيوانات المنوية للأب أو متبرع، وبالتالي تكون ذات صلة جينية بالطفل. 2. التأجير الحملي )الكامل): يُزرع جنين ناتج من بويضة الأم المقصودة أو متبرعة وحيوانات منوية للأب أو متبرع في رحم الأم البديلة، وهنا تكون مجرد حاضنة دون صلة وراثية بالطفل. المخاطر الطبية • مخاطر الحمل المتعدد الناتج عن زرع عدة أجنة. • احتمالية الولادة المبكرة وما يترتب عليها من مشاكل صحية مثل الخداج أو التشوهات. • مخاطر على الأم البديلة، منها ارتفاع ضغط الدم أو المضاعفات المرتبطة بالحمل. مثال واقعي: في الولايات المتحدة، أظهرت دراسة أن نسب الولادة المبكرة أعلى لدى الأمهات البديلات مقارنة بالحمل الطبيعي، نتيجة نقل أكثر من جنين لزيادة فرص النجاح. ثانياً: البعد النفسي الصحة النفسية للأم البديلة تواجه الأم البديلة تحديات نفسية معقدة، أبرزها: • الارتباط العاطفي بالجنين أثناء الحمل وصعوبة الانفصال عنه بعد الولادة. • ضغوط المجتمع ونظرته لهذه التجربة. • احتمال الشعور بالاستغلال، خاصة في الحالات التجارية. الصحة النفسية للوالدين المقصودين • مشاعر القلق وفقدان السيطرة على الحمل. • مخاوف من فشل العملية أو تراجع الأم البديلة عن الاتفاق. • صراعات داخلية حول "الأبوة والأمومة البيولوجية" عند استخدام بويضات أو حيوانات منوية من متبرعين. مثال واقعي: في الهند، أظهرت مقابلات مع أمهات بديلات أن بعضهن عانين من اكتئاب ما بعد الولادة عند تسليم الطفل، رغم حصولهن على مقابل مالي. ثالثاً: البعد الاجتماعي • يُنظر إلى تأجير الأرحام في بعض الثقافات على أنه حل إنساني لمشكلة العقم. • في مجتمعات أخرى يُعد "بيعاً للجسد" أو "تجارية غير أخلاقية". • يؤدي اختلاف المواقف إلى "سياحة الإنجاب"، حيث يسافر الأزواج إلى دول تسمح بتأجير الأرحام )مثل أوكرانيا والهند سابقاً). مثال واقعي: شهدت أوكرانيا بعد عام 2010 ازدهاراً لصناعة تأجير الأرحام، حيث قصدها آلاف الأزواج الأوروبيين، قبل أن يتم تشديد بعض القوانين لاحقاً. رابعاً: البعد القانوني • تختلف التشريعات جذرياً بين الدول. • الدول المجيزة: مثل الولايات المتحدة )بشروط)، أوكرانيا، اليونان، الهند )سابقاً). • الدول المانعة: مثل فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، ومعظم الدول الإسلامية. • في بعض الحالات، تُمنح الأم البديلة مهلة زمنية للتراجع عن قرارها، كما في المملكة المتحدة. خامساً: البعد الأخلاقي مبدأ الحكم الذاتي حق الأم البديلة والوالدين المقصودين في اتخاذ القرار الحر. مبدأ الإحسان تحقيق مصلحة الجميع: الوالدين بالحصول على طفل، الأم بالحصول على مقابل أو رضا معنوي، والطفل بحق الحياة. التحديات • حق الطفل في معرفة أصوله البيولوجية. • الخوف من "تشييء" جسد المرأة وتحويله إلى أداة إنجابية. سادساً: البعد الديني • الإسلام: غالبية الفقهاء يرون تحريم تأجير الأرحام لما فيه من اختلاط أنساب وكشف عورات، بينما هناك آراء أقلية تجيزه بشروط صارمة )أن يكون الجنين من الزوجين الشرعيين فقط). • المسيحية: الكنيسة الكاثوليكية ترفض الممارسة لاعتبارها انتهاكاً لكرامة الإنجاب الطبيعي. • اليهودية: تسمح بها في بعض الحالات مع وجود نقاش حول نسب الطفل. سابعاً: التجارب الدولية إيران من الدول الإسلامية القليلة التي أجازت تأجير الأرحام ضمن ضوابط قانونية وطبية، مما جعلها وجهة للأزواج من الخارج. الولايات المتحدة يُعتبر أكثر تنظيمًا، حيث يُشترط وجود محامٍ للطرفين وفحوصات طبية ونفسية شاملة. الهند تحولت إلى مركز عالمي قبل أن تُقيّد الحكومة الممارسة بسبب شكاوى استغلال النساء الفقيرات. ثامناً: العلاج النفسي والدوائي المصاحب • للأم البديلة: جلسات دعم نفسي أثناء الحمل وبعده لتخفيف الارتباط العاطفي بالطفل. • للأبوين المقصودين: علاج نفسي للتعامل مع القلق والاكتئاب المرتبط بالعقم أو بخبرة الانتظار. • الدوائي: قد تُستخدم أدوية مضادة للقلق أو الاكتئاب تحت إشراف الطبيب للأم البديلة أو الأبوين في حال ظهور أعراض نفسية حادة. مثال واقعي: في كندا، تُلزم بعض العيادات الأمهات البديلات بجلسات استشارية مع معالج نفسي قبل وأثناء وبعد الحمل لضمان استقرار حالتهن العاطفية. خاتمة يمثل تأجير الرحم ظاهرة معقدة تتقاطع فيها الاعتبارات الطبية والنفسية والاجتماعية والقانونية والأخلاقية والدينية. وعلى الرغم من أنه حل واقعي لمعاناة العقم، فإنه يثير تحديات كبرى تتطلب: • وضع أطر قانونية واضحة. • توفير دعم نفسي متكامل. • مراعاة البعد الأخلاقي والديني. وبذلك، فإن التعامل مع تأجير الأرحام يجب أن يكون شاملاً، يوازن بين حق الإنجاب وكرامة المرأة وحماية الطفل.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال