الثورة العرابية:

الثورة العرابية:
تُعد الثورة العرابية (1879-1882) واحدة من أبرز الحركات الوطنية المصرية التي واجهت الاستبداد الداخلي والتدخل الأجنبي. قادها الزعيم الوطني أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق، وسُميت حينها "هوجة عرابي"، وشكلت بداية وعي سياسي جماهيري سعى إلى إقامة حكم دستوري عادل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واستعادة الكرامة الوطنية. أولًا: السياق العام وأسباب الثورة 1. الاستبداد السياسي: تمتع الخديوي توفيق بسلطات مطلقة، متجاهلًا مطالب الشعب والنخب الوطنية. 2. التدخل الأجنبي: تصاعد النفوذ البريطاني والفرنسي، خصوصًا في إدارة المالية المصرية. 3. الفساد والمحسوبية: سيطرة الأتراك والشراكسة على المناصب العسكرية والإدارية، ما أدى إلى تذمر الضباط المصريين. 4. الأزمة الاقتصادية: تفاقم الديون الخارجية، وتدهور مستوى المعيشة. 5. الوعي القومي: نمو الشعور الوطني ورغبة المصريين في المساواة والتمثيل السياسي. ثانيًا: انطلاقة الحركة العرابية • في يناير 1881، قاد أحمد عرابي وزملاؤه ضباط الجيش حركة احتجاج ضد اضطهاد عثمان رفقي باشا، ناظر الجهادية، للضباط المصريين، ورفعوا عريضة بعزله. • تم القبض على عرابي ورفاقه، إلا أن جنود الآلاي الأول تدخلوا بقيادة محمد عبيد وحرروهم، ما أدى إلى أول مظاهرة عسكرية في ميدان عابدين. ثالثًا: تصاعد الأحداث ومطالب عرابي في 9 سبتمبر 1881، تجمعت القوات العسكرية والشعبية في ميدان عابدين: • المطالبة بعزل وزارة رياض باشا. • إنشاء مجلس نواب. • زيادة عدد الجيش. ورغم رفض الخديوي للمطالب، إلا أن عرابي رد عليه برده التاريخي: "لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا". رابعًا: تشكيل حكومة وطنية • تشكلت وزارة شريف باشا، ثم حكومة محمود سامي البارودي (وزارة الثورة)، وعُين عرابي وزيرًا للحربية. • تم وضع دستور ومناقشته في مجلس النواب، غير أن التدخل البريطاني والفرنسي عرقل الإصلاحات. خامسًا: التصعيد الأجنبي وقصف الإسكندرية • في يونيو 1882، اندلعت أحداث مذبحة الإسكندرية، فاستغلت بريطانيا الوضع وقصفت المدينة في يوليو، وأدى ذلك إلى انسحاب الخديوي وتحالفه مع الاحتلال. • رفض عرابي قرارات الخديوي، وشكلت الجمعية الوطنية دعمًا لعرابي، وأعلنت استمرار المقاومة. سادسًا: المقاومة الشعبية والمعارك • تشكلت مقاومة شعبية بدعم من عمد وأعيان مصر، وتدفق السلاح والرجال لدعم الجيش الوطني. • أبرز المعارك: o كفر الدوار: انتصار مبدئي بقيادة طلبة عصمت. o القصاصين: شهدت مذبحة بحق الأهالي. o التل الكبير: 13 سبتمبر 1882، هجوم مفاجئ من الجيش البريطاني فجرًا، أدى إلى هزيمة الجيش المصري. سابعًا: نهاية الثورة والمحاكمة • دخل الإنجليز القاهرة، واستسلمت الحامية بقيادة خنفس باشا. • حُكم على عرابي بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى النفي في جزيرة سيلان. • نُفي معه البارودي وعبد الله النديم، وتم عزل عدد من المؤيدين وتجريدهم من مناصبهم. ثامنًا: أسباب فشل الثورة 1. تحالف الخديوي توفيق مع الاحتلال. 2. خيانة ديليسبس بمنع ردم قناة السويس. 3. خيانة بعض الضباط مثل علي يوسف. 4. خيانة بعض بدو الصحراء. 5. موقف السلطان العثماني العدائي بتحريض إنجليزي. 6. تفوق الأسلحة البريطانية. 7. عنصر المفاجأة في معركة التل الكبير. تاسعًا: العودة من المنفى • عاد أحمد عرابي إلى مصر بعد 20 عامًا بسبب مرضه، وعاد البارودي بعد 18 عامًا، وقد أصيب بالعمى نتيجة التعذيب. خاتمة: رغم فشل الثورة العرابية عسكريًا، فإنها مثلت تحولًا جذريًا في الوعي الوطني المصري، ورسخت فكرة المشاركة الشعبية في الحكم، وفتحت الباب لحركات التحرر اللاحقة، من ثورة 1919 إلى ثورة يوليو 1952. ولا يزال صدى كلمات أحمد عرابي في عابدين شاهدًا على لحظة فارقة في التاريخ المصري الحديث. المراجع: • عبد الرحمن الرافعي، "الثورة العرابية والاحتلال البريطاني". • محمد فريد، "تاريخ الدولة العلية العثمانية". • حسن البدري، "أحمد عرابي: الزعيم الذي تحدى الإمبراطورية". • وثائق الجمعية الوطنية المصرية 1881-1882.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال