الأساطير اليابانية:

الأساطير اليابانية:
1. مقدمة: الأسطورة كمرآة للوعي الجمعي الياباني تتداخل الأساطير اليابانية في نسيج الثقافة المحلية بوصفها مستودعًا للذاكرة الجمعية ومجالًا للتعبير الرمزي عن قضايا الوجود والسلطة والحب والموت. هذه الأساطير، المتأثرة بديانة الشينتو والبوذية والديانة الزراعية الشعبية، ليست مجرد حكايات مقدسة، بل منظومة فكرية–شعورية تعكس رؤية اليابانيين للكون ومكانة الإنسان فيه. وكما يرى كارل يونغ، فإن الأسطورة تمثل أحد تجليات «اللاوعي الجمعي» عبر الرموز والأيقونات، مما يجعلها أداة لفهم البنية النفسية للشعوب. 2. أسطورة الخلق: بين كونيومي وكاميومي يبدأ السرد الميثولوجي الياباني بقصة الخلق، المقسّمة إلى مرحلتين: ولادة الآلهة (كاميومي) وولادة الأرض (كونيومي). من العماء البدئي تظهر ثلاثة آلهة عُليا، ثم سلسلة من سبعة أجيال إلهية، إلى أن يولد الإلهان التوأمان إيزاناغي وإيزانامي. وفقًا للأسطورة، يغمس إيزاناغي الحربة السماوية المرصعة بالجواهر في المياه الأولى، فتتشكل أول جزيرة، ثم يتبعها خلق جزر الأرخبيل الياباني. لكن الفعل الخلّاق يقترن منذ البداية بالموت والفساد، إذ تلد إيزانامي إله النار كاغوتاتشي، الذي يتسبب في موتها. التحليل النفسي–الفلسفي • رمزية الحربة: تعبير فرويدي عن المركزية الفالوسية ودورها في الإخصاب الكوني. • الموت في لحظة الخلق: كما في الأساطير الإغريقية والمصرية، يبرز هنا مبدأ «ثنائية الوجود»؛ فالحياة لا تنفصل عن الفناء. • عقدة الأخ–الأخت: العلاقة بين إيزاناغي وإيزانامي تحمل ملامح التوتر الإيروسي–المحرم، وهو ما يمكن قراءته عبر منظور فرويد (التابو وسفاح القربى) أو عبر رؤية ليفي-شتراوس (البنية القرابية كأساس للنظام الاجتماعي). 3. نزول إيزاناغي إلى عالم الموتى (يومي) يحاول إيزاناغي استعادة زوجته من عالم الموتى، لكنها تحذره من النظر إليها. يخالف أمرها، فيرى جسدها المتحلل المملوء بالدود، فيهرب مرعوبًا، وتطارده قوى الظلام. هذه اللحظة تكشف ما يسميه يونغ «رحلة البطل إلى الظل»، حيث يواجه البطل الجانب المكبوت والمظلم من ذاته. كما تحمل رمزية النظرة الممنوعة نفس المعنى الذي نجده في أسطورة أورفيوس ويوريديس الإغريقية: إن المعرفة المحرمة تكسر الحلم وتعيد الإنسان إلى واقعية الموت. 4. ولادة الشمس والقمر والعواصف بعد هروبه من يومي، يقوم إيزاناغي بطقوس التطهير، فيولد من أجزاء جسده ثلاثة آلهة مركزية: • أماتيراسو: إلهة الشمس، رمز الحياة والسيادة، والسلف الإلهي للأسرة الإمبراطورية. • تسوكيومي: إله القمر، الغامض والمنفصل عن الشمس. • سوسانوؤ: إله العواصف والبحار، المتمرّد والفوضوي. التحليل الرمزي • انفصال الشمس والقمر: تمثيل لصراع الأضداد (ين/يانغ)، وتفسير أسطوري لغياب ظهورهما معًا. • شخصية سوسانوؤ: مثال على «البطل المارق» في التحليل النفسي–الأسطوري؛ يبدأ كقوة مدمرة، لكنه يتحول إلى منقذ وبطل، بما يعكس التحول الممكن للطاقة العدوانية إلى قوة بنّاءة. 5. ملحمة سوسانوؤ والوحش ياماتا نو أوروتشي ينقذ سوسانوؤ الفتاة كوشيناداهيمي من الثعبان ذي الرؤوس الثمانية عبر الحيلة والخمر، فيقتل الوحش ويظفر بعروسه. تشبه هذه القصة أسطورة بيرسيوس وأندروميدا اليونانية، حيث يندمج الفعل البطولي بالانتصار العاطفي، مما يجعلها أسطورة عن التكامل بين البطل والحبيب. القراءة النفسية–الفلسفية • الثعبان: في علم النفس اليونغي، رمز للطاقة الغريزية المدمرة، وترويضه يمثل سيطرة الوعي على قوى الظل. • الحب كتحول: تتحول شخصية سوسانوؤ من طاقة فوضوية إلى طاقة حامية عبر علاقته بكوشيناداهيمي، في تجسيد لفكرة الفيلسوف نيتشه عن «إعادة توجيه الإرادة نحو الإبداع بدل الهدم». 6. أوكونينوشي وأسطورة أرنب إينابا أوكونينوشي، أحد أحفاد سوسانوؤ، يجمع بين صفات الحاكم العادل والعاشق المتعدد العلاقات، إذ يُنسب إليه 180 ابنًا. تساعده أسطورة «أرنب إينابا» على اكتساب صورة المحسن والحامي، لكن حياته العاطفية الثرية جعلته أيضًا رمزًا للخصوبة وربطته بطقوس الزواج. 7. هاتشيمان: من الغموض إلى حامي المحاربين والأطفال يبدأ هاتشيمان كإله غامض في كيوشو، ثم يتحول إلى تجسيد للإمبراطور الأسطوري أوجين. بمرور الوقت، يصبح حامي الساموراي والأطفال، مما يعكس الطبيعة المزدوجة للكامي، إذ يجمع بين القوة العسكرية والرحمة الأبوية. القراءة الفلسفية • يمثل هاتشيمان صورة «الأب الحامي» في التحليل النفسي، وهي وظيفة نفسية تعطي الفرد شعورًا بالأمان والاستمرارية في مواجهة صراعات الحياة. • دمج هاتشيمان في البوذية يعكس قدرة الثقافة اليابانية على التوفيق بين المتناقضات ودمج المعتقدات المختلفة في نسق واحد. 8. البنية النفسية–الاجتماعية للأساطير اليابانية من خلال تتبع هذه الأساطير، نلاحظ: • الموت والبعث كموضوع مركزي: تعبير عن وعي دوري للزمن والحياة. • البطل المارق المتحول: كما في سوسانوؤ، حيث العدوانية يمكن إعادة تشكيلها لتصبح طاقة خلاقة. • المقدس العاطفي: قصص الحب ليست ثانوية، بل محور للتحولات الشخصية والاجتماعية. • الأسرة والسلطة: ربط الأصول الإلهية بالشرعية السياسية، وهو ما يؤكد رؤية ماكس فيبر حول «التبرير الكاريزمي للسلطة». 9. خاتمة: الأسطورة كأداة لفهم الإنسان الأساطير اليابانية ليست مجرد تراث قديم، بل نصوص مفتوحة للتأويل تكشف عن البنية العميقة للنفس اليابانية: احترام الطبيعة، الجمع بين القوة والرحمة، والإيمان بأن الفوضى يمكن أن تتحول إلى نظام عبر الحب أو الطقس أو البطولة. وكما يقول ميرسيا إلياد، فإن العودة إلى الأسطورة هي عودة إلى الزمن المقدس، حيث يتجدد العالم وتستعاد طهارته الأولى.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال