أساطير ضاحكة: بين عبث الآلهة وجشع الإنسان

أساطير ضاحكة: بين عبث الآلهة وجشع الإنسان
مدخل لا توجد "أساطير مضحكة" محددة في حد ذاتها، ولكن هناك أساطير أو خرافات ذات طابع مضحك أو ساخر مثل أسطورة حادثة فيل "هانكي" في حديقة حيوانات ألمانية، أو بعض الأساطير الحضرية التي تتحدث عن مواقف طريفة أو غير منطقية. يمكن أيضاً أن تكون "الأساطير المضحكة" نكات أو قصص خيالية قصيرة صاغها الناس بطريقة فكاهية. أمثلة على أساطير أو خرافات ذات طابع فكاهي: • أسطورة فيل هانكي: قصة حارس حديقة حيوانات حاول علاج فيله مصاب بالإمساك بإعطائه كمية كبيرة من الملينات، مما أدى إلى هلاكه تحت كومة من الروث الساخن. • خرافات حول النجوم: بعض الخرافات تقول أن نيازك الأرض هي دموع نجوم، أو أن كل شخص له نجمة تمثله في السماء. • • خرافة العيون البنية: تقول إن العيون البنية كانت تضيء كالقمر، ولكنها تلونت لتخفي فتنتها. • • خرافة إيجاد النصف الآخر: يعتقد أن الإنسان كان له رأسين وأربعة أذرع وأربع أرجل في الأصل، وأن زيوس فصله إلى نصفين، واليوم يبحث كل نصف عن الآخر. كيف يمكن أن تكون الأسطورة مضحكة؟ • المبالغة والسخرية: غالبًا ما تكون الأساطير المضحكة مبنية على مبالغة في الأحداث أو شخصيات غريبة وخارجة عن المألوف، مما يثير الضحك. • • السياق: قد تظهر أسطورة معينة كقصة مضحكة في سياق معين، مثل نكات عن فيل الحديقة الألمانية. • • الخيال الشعبي: بعض الأساطير تنبع من الخيال الشعبي بطريقة فكاهية، مثل بعض القصص الشعبية التي قد تكون مضحكة دون أن تكون مؤذية. الأسطورة ليست مجرد "تلفيق" أو حكاية للتسلية؛ إنها مرآة وعي الإنسان الأول، ووسيلته لفهم الوجود، وتفسير ما استعصى عليه من أسرار الطبيعة والحياة والموت. بعضها اندثر مع انطفاء الطقوس القديمة، وبعضها ما زال يتناسل في وعينا الجمعي، نحمله على الجدّ أحيانًا، أو على السخرية أحيانًا أخرى. ومن بين تلك المرويات ما يثير ابتسامة أو ضحكة، كأن الآلهة كانت بدورها تمارس عبثًا طفوليًّا في فرن الخلق أو على ضفاف الأنهار. أسطورة "الرجل الفلبيني" في فرن الإله تحكي أسطورة فلبينية أن الإله الخالق قبض حفنة من طين وصاغ منها جسد إنسان، ثم وضعها في فرن الخليقة. غير أن الإله سها عنها، فاسودّت، وصارت أصل الإنسان الأسود. ثم كرّر التجربة، فأخرجها قبل أوانها، فجاء الإنسان الأبيض شاحبًا كظلّ ناقص. وفي المحاولة الثالثة، ترك الطين يأخذ كفايته من النار، فخرج إنسان بلون برونزي متوازن، هو الإنسان الفلبيني. هذه الحكاية البسيطة تكشف لنا وعيًا بدائيًا بالاختلاف البشري، يراه الناس محض لعبة نار وزمن، خطأ إلهي صغير يترك أثره الأبدي على الألوان والأجساد. وفي عمقها الساخر فلسفة وجودية: أن مصير الإنسان ـ سوادًا أو بياضًا أو برونزًا ـ ليس إلا نتاج لحظة نسيان أو استعجال أو اكتمال. المرأة سبب الموت في إفريقيا في مروية إفريقية، يظهر إله عجوز هائم، يمضي من الجنوب إلى الشمال، يصنع في طريقه الحيوانات والأنهار والجبال والطيور، كعاملٍ نحّات لا يعرف التعب. ثم ابتكر من الطين امرأة وطفلها، غطّاهما بوشاحٍ غامض، وعاد ليجدهما بعد أيام وقد تحوّلا بشرًا من لحم ودم. وحين أمرا بالسير، تبعاه إلى ضفة النهر، وهناك سألت المرأة السؤال الأزلي: "هل سنحيا للأبد، أم أن الموت ينتظرنا؟" لم يكن الإله قد فكّر بعد. فأراد أن يحتكم إلى العلامات، فأخذ قطعة من روث الجاموس، وقال: إن طفت فوق الماء، فالحياة عودة متكررة بعد الموت، وإن غرقت فالموت نهاية أبدية. ألقى الروث فعام فوق الماء، وبدا أن دورة الحياة والموت ستظل قابلة للتجدّد. لكن المرأة، وقد ثارت فيها غريزة الجشع إلى الخلود، لم ترضَ بالجواب، فأمسكت حجرًا وقالت: دعونا نجرب به، فإن طفا عشنا للأبد، وإن غرق متنا. ثم رمت الحجر، فغاص إلى القاع، وأغلق على الإنسان مصيره المحتوم. عندها قال الإله بهدوء العجائز: لقد اخترتِ، وسيكون الموت قدر الإنسان. في هذه الأسطورة، تتحول المرأة إلى رمز للشره الوجودي، للرغبة التي لا تعرف حدودًا. الموت هنا ليس قضاءً إلهيًا محضًا، بل نتيجة قرار بشري، نزوة طمع، خطأ في التجربة. إنها رؤية فلسفية ترى أن الفناء من صنع الإنسان نفسه، من جموح رغبته في امتلاك ما لا يُمتلك: الخلود. دلالة الأساطير الضاحكة في النصّين معًا، نلمح صورة الإنسان في مرآة ساخره: مخلوق يولد من فرنٍ إلهي متعجّل أو من نزوة امرأة مشتهاة للخلود. هنا يتحول الضحك إلى وسيلة فلسفية؛ فالأسطورة تبتسم وهي تكشف لنا هشاشة الوجود، وعبثية المصائر، وقلق الإنسان أمام الموت والاختلاف. فالإنسان الأسود ليس سوى طينٍ منسيّ في فرن، والإنسان الأبيض عجلة ناقصة، والإنسان البرونزي ابن التوازن. والخلود، الذي حُرمنا منه، لم يُسلب بالقوة بل ضاع بيد امرأة أرهقها شغف البقاء. إنها أساطير ضاحكة، لكنها في عمقها دمعة ساخرة تذكّرنا أن الإنسان، منذ فجره الأول، يبتسم وهو يفسّر مأساته.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال