من الكذاب ؟
الشخص الذي يقول الأكاذيب. لا يوجد إجابة محددة لهذا السؤال لأنه يعتمد على السياق الذي يطرح فيه. يُستخدم هذا السؤال عادةً في سياق التحقيقات الجنائية، أو في الحياة .
كانت القاعة مكتظة بالوجوه، والهمسات تتسرب بين الجدران العالية لمحكمة عابدين للأحوال الشخصية، حين وقفت الزوجة الشابة، بثوبها البسيط ونظراتها التي تختلط فيها المرارة بالرجاء. صوتها المرتجف حمل الحكاية، وكأنها تفرغ ما أثقل صدرها منذ عامين.
قالت، وهي تستجمع أنفاسها:
تزوجته بإلحاح من أبي، رغم أن قلبي لم يطمئن إليه قط. كنت أعلم أنه رجل مزواج، سبق له أن دخل بيوتًا خمسًا وتركها خاوية بعد طلاقٍ سريع. لم تعش واحدة منهن معه أكثر من عام. وحين تقدم إليّ، جرحه يسبق لسانه، حاول أن يبرّر ماضيه قائلاً إن زوجاته كلهن عقيمات، وإنه ما أراد الزواج إلا ليحمل اسمُه وريثًا بعد رحيله. بكى أمامي واستعطفني، أقسم أن حياتي معه ستكون هادئة، مطمئنة، وأنني سأكون آخر امرأة تدخل قلبه.
أطرقت قليلًا، ثم تابعت:
قبلته زوجًا رغم فارق الأعوام الخمسة عشر بيننا. حاولت أن أصدّق دموعه، فوافقت، وأسلمت نفسي لقدرٍ لم أختره. وما إن أتممنا العام الأول حتى وضعت له طفلًا جميلاً، فإذا به ينقلب، كأن شيئًا تبدل في قلبه. صار يعاملني بخشونة باردة، يفتعل الشجار لأتفه الأسباب. وحين سألته عن سر هذا التغير، علا صراخه، ثم طردني ليلًا من بيت الزوجية، كأنني دخيلة غريبة.
مضيت إلى بيت أمي، وبقيت أسبوعًا أترقب عودته ليأخذني. لكن بدلًا من حضوره، جاءني طيفه بورقة طلاق باردة، كأنها خنجر مزّق آخر خيط من الوهم.
رفعت رأسها، وقالت بصوتٍ يختلط فيه القهر بالعزيمة:
أطلب من المحكمة نفقة لي ولطفلي.
وحين جاء دور الرجل، رفع رأسه في كبرياء جاف وقال:
أنا مستعد أن أدفع لها نفقتها كما تقضي المحكمة. أما الطفل… فلا شأن لي به، أنكره كما أنكرت زوجاتي الخمس من قبلك، فأنا عقيم، والعقم ختم أطبائي عليّ.
ساد القاعة صمت ثقيل، كأن الأرض توقفت عن التنفس.
ثم جاء صوت القاضي صارمًا:
نفقـة للأم، أما نسب الطفل… فله جولة أخرى أمام محكمة القاهرة للأحوال الشخصية.
غادرت القاعة، تحمل بين يديها رضيعًا لا يعرف من الدنيا سوى دفء صدرها، وعينيها تحدقان في المجهول. أما هو، فظل جالسًا كتمثال حجري، يخفي خلف جدار صمته سرًّا لا يعرفه أحد…فالناس أسرار.