الملكة إست نفرت:
دراسة تاريخية في ضوء النقوش والآثار
المقدمة
إست نفرت، هي ملكة مصرية قديمة غير حاكمة أو زوجة ملك، عاشت في عهد الأسرة التاسعة عشرة، وقد كانت واحدة من الزوجات الملكيات العظميات للملك رعمسيس الثاني وكانت أم وريثه الملك مرنبتاح، كما كانت واحدة من أبرز الزوجات الملكيات عامةً مع الملكة نفرتاري، وكانت الملكة الرئيسية بعد وفاة الملكة نفرتاري
تُعدّ الملكة إست نفرت إحدى الشخصيات البارزة في تاريخ مصر القديمة خلال عهد الأسرة التاسعة عشرة، بالرغم من أنها لم تكن ملكة حاكمة ولا من نسل ملكي معروف. فقد ارتبط اسمها بالملك رعمسيس الثاني (1279–1213 ق.م)، أحد أعظم ملوك الدولة الحديثة، وكانت إحدى زوجاته الرئيسيات بعد وفاة الملكة الشهيرة نفرتاري. كما ارتبطت شهرتها بدورها كأم لوريث العرش الملك مرنبتاح، فضلاً عن كونها من أهم الشخصيات النسائية التي تركت بصمة واضحة في النقوش والتماثيل المعاصرة لعصرها.
نسبها وعائلتها
لم تُعرَف أصول الملكة إست نفرت على وجه اليقين، ولم تشر المصادر الباقية إلى والديها أو خلفيتها العائلية. إلا أنّ الدلائل تشير إلى أنها تزوّجت من رعمسيس الثاني قبل ارتقائه العرش، إذ يظهر أبناؤها الأوائل في مشاهد تعود إلى عهد الملك سيتي الأول. وقد أنجبت عدداً من الأبناء والبنات، من بينهم:
• الأمير رعمسيس: ولي العهد بين العام 25 والعام 50 من حكم والده.
• الأميرة/الملكة بنت عنتا: الابنة الكبرى التي أصبحت زوجة لأبيها رعمسيس الثاني لاحقاً.
• الأمير خعمواست: أحد أعظم شخصيات الأسرة التاسعة عشرة، تولّى منصب رئيس كهنة الإله بتاح في منف، وكان ولياً للعهد بين العام 50 و55 من حكم والده.
• الملك مرنبتاح: الابن الثالث عشر لرعمسيس الثاني، الذي آل إليه العرش بعد وفاة والده وتجاوز أبناءه الأكبر سنّاً.
• الأميرة إست نفرت الثانية: ربما كانت زوجة محتملة لمرنبتاح.
كما اقتُرح أنّ الأمير سيتي والأميرة نبت تاوي قد يكونان من أبنائها، غير أنّ أغلب الآراء تميل إلى نسبتهما للملكة نفرتاري أو لزوجات أخريات لرعمسيس الثاني.
ألقابها
عُرفت الملكة إست نفرت بعدة ألقاب تعكس مكانتها الملكية والدينية، ومن أبرزها:
• الأميرة الوراثية.
• عظيمة الثناء.
• أم الملك.
• سيدة الأرضين.
• زوجة الملك.
• الزوجة الملكية العظمى.
هذه الألقاب لم تكن مجرد شرفية، بل كانت تعكس دورها السياسي والديني والاجتماعي داخل البلاط الملكي.
حياتها ودورها
رغم قلة الشواهد عنها في السنوات الأولى من حكم رعمسيس الثاني، إلا أنّ حضورها تزايد بعد وفاة الملكة نفرتاري، إذ برز اسمها في النقوش بعد العام 25 من حكم زوجها. ويبدو أنّ دورها ارتبط بشكل مباشر بأبنائها، خاصة الأميرين رعمسيس وخعمواست، إضافة إلى الملك مرنبتاح الذي حمل اسمها كأمه على عدد من النقوش.
النقوش والتماثيل المرتبطة بها
تظهر شخصية إست نفرت في عدد من الآثار الهامة التي توثّق مكانتها:
• لوحة أسوان العائلية: تُصوّر رعمسيس الثاني مع زوجته إست نفرت وابنهما خعمواست أمام الإله خنوم، بينما يظهر في الأسفل أبناؤها الآخرون رعمسيس ومرنبتاح وبنت عنتا.
• لوحة غرب السلسلة: تمثل رعمسيس الثاني مع إست نفرت وابنتهما بنت عنتا أمام الإلهين بتاح ونفرتم، وبجوارهما مرنبتاح والأمير رعمسيس.
• تمثال الأمير خعمواست (بروكسل E.7500): يلقّب فيه بابن الملك وكاهن سم، مع ذكر اسم أمه إست نفرت.
• تمثال جماعي (اللوفر 2272): يجمع بين أبناء الملكة ويذكرها صراحة كأم للأميرين رعمسيس وخعمواست.
• رأس تمثال (بروكسل E.5924): يظهر اسمها منقوشاً على الكتف الأيمن.
• تماثيل أوشابتي من أبيدوس: تحمل خرطوشها الملكي.
• مزار مرنبتاح في غرب السلسلة: يصوّرها ممسكة بالشخشيخة أمام الإلهة تاورت والإلهين تحوت ونوت، مع رعمسيس الثاني.
كما سُمّيت حفيدتها (ابنة خعمواست) باسمها، ما يدل على استمرار مكانتها الرمزية في الأسرة، وهناك دلائل تشير إلى أنّ "إست نفرت الثانية" أو "الثالثة" قد تزوّجت من مرنبتاح، ما يعكس تقليداً ملكياً في إعادة إحياء الأسماء داخل العائلة.
الخاتمة
تمثّل شخصية الملكة إست نفرت نموذجاً للمرأة الملكية في الدولة الحديثة التي لم تكن مجرّد زوجة ملك، بل لعبت أدواراً بارزة من خلال أبنائها الذين تقلّدوا مناصب عليا، وصولاً إلى وراثة العرش. وبالرغم من أنّ الملكة نفرتاري طغت على المشهد التاريخي لارتباطها بمشاريع معمارية ضخمة، فإنّ إست نفرت تستحق دراسة معمقة لما تركته من حضور قوي في النقوش والتماثيل، ولارتباط اسمها بولي العهد خعمواست والملك مرنبتاح. إنها تمثّل صلة وصل بين الاستمرارية الملكية والرمزية الدينية في عهد رعمسيس الثاني.
