الاضطرابات الجنسية: دراسة طبية نفسية اجتماعية
مقدمة
تُعدّ الاضطرابات الجنسية من أبرز المشكلات التي تواجه الفرد والمجتمع، فهي لا تقتصر على كونها اضطرابًا في الوظائف الجسدية، بل تمتد إلى اضطراب نفسي واجتماعي يُخلّ بتوازن الحياة الفردية والعلاقات الإنسانية. ولا يمكن اعتبار كل ميل جنسي غريب اضطرابًا بالضرورة، إذ يوجد فرق بين سلوك جنسي غير مألوف لكنه مقبول، وبين سلوك آخر شاذ وغير مقبول يدخل ضمن نطاق الاضطرابات النفسية. ومن هنا تبرز أهمية التمييز بين الميل الجنسي والاضطراب الجنسي لفهم ماهيته وأنواعه وأعراضه وأسبابه، وصولًا إلى طرق علاجه.
مفهوم الاضطرابات الجنسية
الاضطرابات الجنسية هي مجموعة من المشكلات التي تؤثر سلبًا على النشاط الجنسي للفرد، بحيث تجعله غير طبيعي، ناقصًا، أو مؤذيًا للذات أو للآخرين، كما قد تؤدي إلى انزعاج الشخص من هويته الجنسية أو من ممارساته. وتزداد معدلات انتشار هذه الاضطرابات عامًا بعد عام نتيجة عوامل مرضية، نفسية، اجتماعية، أو ثقافية، مثل:
• غياب التثقيف الجنسي السليم.
• التعرض لتجارب جنسية مؤلمة.
• الإحساس بالذنب أو الخوف من الفشل.
• التغيرات الأسرية والاضطرابات العاطفية.
التصنيف الطبي للاضطرابات الجنسية
يقسم الأطباء الاضطرابات الجنسية إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
1. اضطرابات الخيال الجنسي (البارافيليا)
2. اضطرابات الوظيفة الجنسية (الاختلال الجنسي)
3. اضطرابات الهوية الجنسية.
أولاً: اضطرابات الخيال الجنسي (Paraphilias(
يتميّز هذا النوع بخيالات متكررة وشديدة غير طبيعية، تتضمن أنشطة أو موضوعات لا تتفق مع السلوك الجنسي السوي. ومن أبرزها:
• الاستثارة لأهون سبب: استثارة مفرطة عند مواقف بسيطة، وتشيع في المراهقة وقد تتراجع مع النضوج.
• التلصص (Voyeurism(: التمتع بمراقبة عُري الآخرين أو ممارساتهم الجنسية.
• الاستعراض الجنسي (Exhibitionism(: الانتصاب أو التحرش في أماكن عامة بغرباء.
• البيدوفيليا (Pedophilia(: اشتهاء الأطفال، وهو من أخطر الاضطرابات وأكثرها تجريمًا.
• السادية الجنسية (Sadism(: التلذذ بإلحاق الألم بالآخرين لإثارة الرغبة الجنسية.
• المازوخية (Masochism(: الحصول على المتعة من خلال التعرض للأذى أو الإذلال.
ثانياً: اضطرابات الوظيفة الجنسية (Sexual Dysfunction(
تشمل الاضطرابات التي تؤثر على الأداء الجنسي في أي مرحلة من مراحل العملية الجنسية، ومن أمثلتها:
• اضطرابات الرغبة الجنسية: مثل انخفاض أو غياب الرغبة، خاصة لدى النساء.
• النفور الجنسي: تجنّب الجماع والخوف المرضي منه.
• اضطرابات النشوة الجنسية: مثل غياب النشوة أو تأخرها، وسرعة القذف عند الرجال.
• الآلام المرتبطة بالجنس: مثل عسر الجماع أو الألم أثناء القذف.
• التشنج المهبلي: انقباض عضلات المهبل لا إراديًا مما يمنع الإيلاج.
ثالثاً: اضطرابات الهوية الجنسية (Gender Identity Disorders(
وهي مشكلات تتعلق بعدم رضا الفرد عن جنسه البيولوجي، أو شعوره بانتمائه إلى الجنس الآخر، مما يدفعه أحيانًا إلى طلب التحويل الجنسي. ورغم التقدم الطبي في هذا المجال، إلا أن التحديات الاجتماعية والثقافية ما زالت تُعيق تقبّل هذه الفئة في كثير من المجتمعات.
الأعراض السريرية للاضطرابات الجنسية
تتعدد الأعراض التي قد تشير إلى وجود اضطراب جنسي، منها:
• ضعف الانتصاب أو القذف المبكر/المتأخر.
• ضعف الرغبة أو الزهد الجنسي.
• قلة الترطيب المهبلي أو التشنج المهبلي.
• الألم أثناء الجماع.
• اللجوء إلى أدوات خطيرة في الممارسة الجنسية.
• ارتداء ملابس الجنس الآخر بدوافع انحرافية.
• نزعة للتعري أمام الأطفال أو استغلالهم جنسيًا.
أسباب الاضطرابات الجنسية
تتداخل العوامل الطبية والنفسية والاجتماعية في تفسير الاضطرابات الجنسية، ومن أبرزها:
1. أسباب طبية: اختلالات هرمونية، أمراض مزمنة، أو آثار جانبية لبعض الأدوية.
2. أسباب نفسية: القلق، الاكتئاب، الصدمات الطفولية، ضعف احترام الذات.
3. أسباب اجتماعية: ضعف التثقيف الجنسي، التعرض للتحرش أو الاستغلال، الرفقة السيئة.
4. أسباب سلوكية: تعاطي المخدرات أو الكحول، مشاهدة المواد الإباحية المفرطة.
5. مشاكل العلاقات: الخيانة، الصراعات الأسرية، أو تجارب الرفض المتكررة.
العلاج الطبي والنفسي للاضطرابات الجنسية
تختلف طرق العلاج باختلاف نوع الاضطراب وشدته، وتشمل:
• العلاج الدوائي: لعلاج ضعف الانتصاب، سرعة القذف، أو الاختلالات الهرمونية.
• العلاج النفسي: يعتمد على العلاج السلوكي المعرفي، العلاج بالكلام، والعلاج الزوجي.
• الجراحات التجميلية: لتصحيح بعض اضطرابات الهوية الجنسية وفق معايير طبية دقيقة.
• التثقيف الجنسي: رفع الوعي الجنسي السليم لحماية الأجيال الناشئة من الانحرافات.
خاتمة
تمثل الاضطرابات الجنسية مزيجًا معقدًا من العوامل الطبية والنفسية والاجتماعية، ولذا فإن التعامل معها يتطلب رؤية شمولية تشمل العلاج الطبي والنفسي والدعم الاجتماعي. ومن الضروري نشر ثقافة جنسية صحية قائمة على المعرفة العلمية والقيم الأخلاقية لحماية الأفراد والمجتمع من مخاطر هذه الاضطرابات.
المراجع المقترحة
1. Kaplan, H. S. (1974) The New Sex Therapy: Active Treatment of Sexual Dysfunctions. New York: Brunner/Mazel.
2. American Psychiatric Association. (2013) Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5) Washington, DC.
3. Masters, W. H., & Johnson, V. E. (1966) Human Sexual Response. Boston: Little, Brown.
4. زهران، حامد عبد السلام. (2005) علم النفس المرضي والعلاج النفسي. القاهرة: عالم الكتب.
5. شاهين، فؤاد. (2008) الاضطرابات النفسية والجنسية. بيروت: دار النهضة العربية.