اسطورة الطعنة في الظهر:
دراسة تاريخية في جذور نظرية المؤامرة في ألمانيا
بعد الحرب العالمية الأولى
المقدمة
تمثل "أسطورة الطعنة في الظهر" (Dolchstoßlegende) إحدى أكثر السرديات تأثيرًا في التاريخ الألماني الحديث، والتي استُخدمت لتبرير سياسات قومية متطرفة، وألقت بظلالها على الحياة السياسية والاجتماعية في جمهورية فايمار ثم في الحقبة النازية. تبلورت هذه الأسطورة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حين سادت قناعة لدى قطاعات من المجتمع الألماني بأن الهزيمة لم تكن نتيجة عسكرية بل نتيجة خيانة داخلية. يهدف هذا البحث إلى دراسة نشوء هذه الأسطورة، والسياق السياسي والاجتماعي الذي ساعد على ترسيخها، وانعكاساتها بعيدة المدى على التاريخ الألماني.
الفصل الأول: السياق التاريخي لهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى
1. القيادة العسكرية والدولة في أواخر الحرب
كانت ألمانيا في سنوات الحرب الأخيرة تحت حكم ديكتاتوري شبه عسكري بقيادة هيندنبورغ ولودندورف. رغم النجاحات النسبية في الشرق، أُنهكت القوات الألمانية في الغرب، خاصة بعد دخول الولايات المتحدة الحرب عام 1917.
2. أسباب الهزيمة العسكرية
▪نفاد الموارد والعتاد
الإضرابات الصناعية
▪ الانهيار الكامل لحلفاء ألمانيا (بلغاريا، الدولة العثمانية، النمسا-المجر)
▪ فقدان الروح المعنوية داخل الجيش
________________________________________
الفصل الثاني: نشوء الأسطورة وترويجها
1. الهدنة وثورة 1918–1919
بعد الضغط الشعبي والعسكري، تشكلت حكومة مدنية وقبلت بشروط الهدنة، مما دفع إلى اتهام الساسة المدنيين بخيانة "الجيش المنتصر".
2. دور هيندنبورغ ولودندورف
تعمد القادة العسكريون تحميل السياسيين مسؤولية الهدنة، على الرغم من معرفتهم المسبقة بانهيار الجبهة.
3. استهداف اليهود واليساريين
كانت الأسطورة مشبعة بالخطاب المعادي للسامية والاشتراكية، واتهمت هذه الفئات بخيانة الوطن، مما شكل خلفية أيديولوجية لاحقة للنظام النازي.
الفصل الثالث: الأسطورة في الخطاب النازي
1. الدعاية النازية واستخدام الأسطورة
وصف هتلر جمهورية فايمار بأنها "نظام الطعنة في الظهر"، مشيرًا إلى أن الاشتراكيين واليهود هم من دمروا الأمة من الداخل.
2. مفهوم "مجرمي نوفمبر"
شُنّت حملات ضد قادة حكومة الهدنة، وعلى رأسهم ماتياس إرتسبرغر، الذي اغتيل عام 1921.
3. تحويل الأسطورة إلى سردية تأسيسية للرايخ الثالث
وظّف النازيون هذه الأسطورة لإضفاء شرعية على النظام الجديد باعتباره "ثورة تطهير وطنية".
الفصل الرابع: النقد التاريخي للأسطورة
1. تفنيد المؤرخين الألمان والدوليين
▪ إقرار المؤسسة العسكرية نفسها بعدم القدرة على الانتصار
▪ وثائق تشير إلى طلب القادة العسكريين للهدنة
▪ الاستخدام السياسي للأسطورة لإزاحة اللوم عن النخب العسكرية
2. أثر الرقابة الإعلامية على وعي الجماهير
لم يكن المواطنون مطّلعين على الواقع العسكري، مما سهّل تقبلهم للسردية المزيفة.
3. مقارنة بين الرواية والأسطورة الفنية (فاغنر كنموذج)
استُحضرت رمزية سيغفريد في أوبرا غوترداميرونغ كمقاربة رمزية شعبوية.
الخاتمة
إن "أسطورة الطعنة في الظهر" لم تكن مجرد رواية شعبية، بل كانت وسيلة أيديولوجية لتبرير انحدار ألمانيا إلى القومية المتطرفة، وتمويه المسؤوليات الحقيقية عن الهزيمة، وتهيئة المناخ السياسي لصعود النازية. أظهر التحليل التاريخي أنها كانت أداة لصناعة كبش فداء، في مجتمع مشحون بالإحباط والشك. تبين من خلال مراجعة الأحداث والوثائق أن هذه الأسطورة كانت خدعة استراتيجية، لا حقيقة تاريخية.