اسرائيل تطلب الانضمام لدول الكومنولث

اسرائيل تطلب الانضمام لدول الكومنولث
مقدمة لا يوجد دليل على أن إسرائيل قد طلبت رسميًا الانضمام إلى دول الكومنولث. على الرغم من أن بعض المصادر قد ذكرت اهتمامًا محتملًا من إسرائيل بالانضمام، إلا أنه لم يتم تقديم أي طلب رسمي شكّل موضوع انضمام إسرائيل إلى الكومنولث البريطاني أحد القضايا التي طُرحت في أروقة السياسة الدولية عقب إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. فقد تباينت المواقف بين القوى الغربية، ولا سيما بريطانيا، بشأن التعامل مع الكيان الجديد، وما إذا كان من الممكن إدماجه في النظام الكومنولثي الذي يمثل إطارًا للتعاون بين بريطانيا ومستعمراتها السابقة، أو ما يُعرف بـ "الدومينيونات". غير أنّ دراسة متأنية لتلك المرحلة تكشف أن مثل هذا الطلب لم يكن ليجد قبولًا عمليًا، سواء من الناحية الجيوسياسية أو الاقتصادية أو الاستراتيجية. الدومينيونات وطبيعة الكومنولث يُطلق مصطلح "الدومينيون" على الكيانات التي كانت في الأصل مستعمرات بريطانية، لكنها حصلت لاحقًا على حكم ذاتي واسع، مع بقائها في إطار التبعية الرمزية للتاج البريطاني. ومن أبرزها: كندا، أستراليا، نيوزيلندا، وجنوب أفريقيا في تلك الفترة. وكان الانضمام إلى الكومنولث مشروطًا عادة بروابط تاريخية واستراتيجية متينة مع بريطانيا. وبالتالي، فإن طلب إسرائيل الانضمام لم يكن مجرد مسألة إجرائية، بل قضية محورية تتعلق بشرعية الكيان وحدوده ووضعه القانوني والسياسي في المجتمع الدولي. المعضلة الحدودية والسياسية من أبرز العوائق أمام قبول انضمام إسرائيل للكومنولث أنّها لم تكن تملك حدودًا ثابتة ومعترفًا بها دوليًا. فالدولة الناشئة لم تخرج حينها من نطاق "حدود الهدنة" المؤقتة التي فرضتها اتفاقيات وقف إطلاق النار مع الدول العربية بعد حرب 1948. هذه الحدود لم تكن حدودًا دائمة، بل خطوطًا عسكرية متحركة مرتبطة بميزان القوى على الأرض. وبهذا المعنى، فإن إدماج إسرائيل في الكومنولث كان سيعني اعترافًا ضمنيًا بشرعية تلك الحدود، الأمر الذي كان من شأنه إثارة نزاعات دولية أوسع. البعد العسكري: الكومنولث ليس حلفًا من البديهي أنّ انضمام إسرائيل إلى الكومنولث كان سيترتب عليه التزامات سياسية وعسكرية. فإسرائيل، بحكم وضعها العدائي مع الدول العربية، كانت ستطلب دعمًا عسكريًا في حال تعرّضها لهجوم. غير أن الكومنولث لم يكن منظمة دفاعية أو حلفًا عسكريًا على غرار "الناتو"، بل كان إطارًا للتعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي بين بريطانيا ومستعمراتها السابقة. وبالتالي، فإن محاولة إسرائيل إدماج نفسها في هذا الإطار كانت ستُحمّل الكومنولث التزامات لم يُصمَّم أصلًا لتحمّلها. البعد الاقتصادي: البترول العربي والاعتماد الغربي من أبرز أسباب رفض انضمام إسرائيل إلى الكومنولث البُعد الاقتصادي، إذ كان القسم الأكبر من دول الكومنولث، خصوصًا الواقعة في جنوب شرق آسيا ومنطقة الباسيفيك، يعتمد على النفط العربي اعتمادًا شبه كامل. والأمر نفسه ينطبق على أوروبا التي كانت ترى في النفط العربي شريانًا حيويًا لاقتصادها الصناعي. وعليه، فإن قبول إسرائيل في الكومنولث كان سيُعرّض هذه المصالح للخطر، عبر إغضاب الدول العربية المنتجة للبترول. ويُضاف إلى ذلك أن إسرائيل، على عكس الدول العربية، لم تكن تملك موارد طبيعية استراتيجية مثل النفط، بل اعتمدت بشكل أساسي على المساعدات الغربية، وخاصة الأميركية. إسرائيل والنهب الاقتصادي في مقابل هذا العجز الاقتصادي، عملت إسرائيل على تعويض ضعفها عبر السيطرة غير المشروعة على بعض الموارد الطبيعية، بما في ذلك الغاز والنفط، سواء عبر الاحتلال المباشر أو عبر شبكات التهريب والتصدير غير القانونية لحليفتها الولايات المتحدة. هذا السلوك عزّز من صورة إسرائيل ككيان طفيلي يعتمد على الدعم الخارجي ونهب الموارد أكثر من اعتماده على قاعدة اقتصادية طبيعية مستقلة. التاريخ وإفلاس القوى الكبرى عند النظر إلى المسألة من زاوية تاريخية فلسفية، يتضح أنّ القوة العسكرية والهيمنة السياسية ليست ضمانًا للبقاء. فالإمبراطوريات العظمى التي سيطرت على العالم لقرون – مثل إسبانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا العظمى – تراجعت قوتها وانحسر نفوذها رغم تفوقها العسكري والاقتصادي في فترات سابقة. هذا الدرس التاريخي يطرح سؤالًا حول قدرة إسرائيل، التي تقوم على الدعم العسكري الأميركي، على البقاء والاستمرار في ظل بيئة إقليمية معادية. الدرس الأميركي: من فيتنام إلى العراق وأفغانستان التجربة الأميركية نفسها تقدم شاهدًا معاصرًا على محدودية القوة العسكرية. فبرغم امتلاكها أضخم ترسانة أسلحة في العالم، تكبّدت الولايات المتحدة هزائم كبرى في فيتنام، واضطرت للانسحاب من أفغانستان بعد عقدين من الحرب، كما غرقت في أزمات أمنية وسياسية في العراق واليمن. كل ذلك يُشير إلى أنّ امتلاك السلاح لا يضمن النصر، وأن الشعوب قادرة على مقاومة الاحتلال وفرض إرادتها على المدى الطويل. خاتمة إن محاولة إسرائيل الانضمام إلى الكومنولث لم تكن مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل تعبيرًا عن سعيها للبحث عن شرعية سياسية دولية تُعوّض عزلتها الإقليمية. غير أنّ العوائق الجيوسياسية والاقتصادية حالت دون ذلك، حيث مثّلت مسألة الحدود غير المستقرة، والتزامات الكومنولث غير العسكرية، والمصالح النفطية الغربية في العالم العربي، أسبابًا رئيسية لرفض الطلب. كما أن التجارب التاريخية تشير إلى أن الكيانات التي تبني وجودها على الدعم العسكري الخارجي والنهب الاقتصادي لا تستطيع الاستمرار طويلًا أمام مقاومة الشعوب ومعادلات التاريخ.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال