في عتمة الخمول:
الأسباب النفسية والجسدية لكثرة النوم المفاجئ عند النساء
كأن الجسد يغفو، لا طوعًا بل انقيادًا، وكأن الروح تتثاءب في غير أوان. كم من امرأة وجدت نفسها فجأة، ودون مقدمات، أسيرة خمولٍ يسرق من يقظتها ساعات، ومن حيويتها طاقة، ومن يومها ضوءه؟ إنّ الخمول المفاجئ وكثرة النوم عند النساء ليسا مجرد أعراض جسدية عابرة، بل هما في أحيان كثيرة انعكاس لأعماق مضطربة، ولصرخات داخلية مكبوتة، تُترجم بلغة الجسد.
1. ظلال النفس: الأمراض النفسية كمفتاح للتعب
حين تنهار الروح بصمت، يئن الجسد في العلن. لا شيء كالتوتر والقلق والاكتئاب يثقل الجفون ويبعثر الإيقاع الطبيعي للحياة. تُعدّ الأمراض النفسية من أبرز الأسباب التي تدفع بالمرأة نحو نوبات من الخمول والنوم المفرط. في حالات الاكتئاب مثلاً، يصبح النوم هروبًا من الواقع، وجسرًا واهيًا يعبر به العقل من ألمه إلى شيء من الهدوء المصطنع.
وغالبًا ما تكون اضطرابات الأكل والتوترات المزمنة أشبه بسياط خفية تؤلم الجسد من الداخل، فتُفقِدُه توازنه وتنزف طاقته. إنها المعارك الصامتة التي تخوضها النساء في دواخلهن، والتي تُترجَم إلى تعبٍ لا يُفهم ولا يُرى، إلا من خلال النوم المفرط والانسحاب التدريجي من الحياة.
2. خلل الغدة الدرقية: سيدة الإيقاع الحيوي
الغدة الدرقية... تلك الغدة الصغيرة التي تختبئ في عنق الإنسان، تتحكم في تفاصيل دقيقة من حياتنا اليومية. فإذا اختل عملها، انقلب النظام إلى فوضى داخلية. حين تفرط في نشاطها، تُستنزف الطاقة سريعًا، وحين تُقصّر، يغدو كل شيء بطيئًا، مرهقًا، كأن الزمن نفسه يُصاب بالخمول. كثير من النساء لا يدركن أن هذا الثقل في أجسادهن قد يكون صوتًا خفيًا للغدة الدرقية تستنجد فيه بالعلاج.
3. فقر الدم: تعب ينبع من العُمق
ما أصعب أن يحمل الدم نفسه وهو خائر القوى. فقر الدم الناتج عن نقص الحديد ليس مجرد ضعف مؤقت، بل رحلة طويلة من التعب المستتر. تعاني النساء منه بشكل خاص، خاصة خلال فترات الدورة الشهرية أو الحمل. هذا النقص يحدّ من وصول الأوكسجين إلى الخلايا، فتبدأ تلك الخلايا بالمطالبة بنوم أطول، وراحة لا تأتي. وتشعر المرأة بأنها تغرق في بحر من الإرهاق كلما حاولت النهوض.
4. تقلبات الوزن: بين الإفراط والتفريط
سواء زاد الوزن أم انخفض، فإن الجسد يُعبّر عن اختلال توازنه بطريقة مباشرة: بالتعب والخمول. فزيادة الوزن تشكل ضغطًا متواصلاً على المفاصل، وتُنهك القلب، أما نقصان الوزن فيحرم الجسد من مخزونه الطبيعي من الطاقة. كلا الطرفين يؤديان إلى النتيجة ذاتها: جسدٌ يشعر بالثقل حتى في أخف المهام.
5. نقص فيتامين د: حين يغيب نور الشمس عن العظام
في عالم يغلب عليه البقاء في البيوت، ومع أنماط حياة تتجنب الشمس، بات نقص فيتامين د شائعًا بين النساء. ضعف العظام، وآلام المفاصل، والإرهاق المزمن، كلها تترتب على هذا النقص الخفي. وقد تتحول الرغبة في النوم إلى وسيلة هروب غير واعية من هذا الشعور العام بالضعف، الذي لا يعرف له سببًا واضحًا.
6. اضطرابات النوم: حين يفشل الليل في إهداء الراحة
قد تنام المرأة لساعات طويلة، ثم تستيقظ أكثر تعبًا. اضطرابات النوم، من تململ الساقين إلى توقف التنفس الليلي، تجعل النوم أشبه بنزهة على شوكٍ خفي. النوم الهش الذي لا يمنح راحة حقيقية يدفع الجسد للمطالبة بالمزيد، ولكن دون جدوى، لتبدأ الدوامة: نومٌ كثير، تعبٌ مستمر، وفوضى داخلية لا تهدأ.
نصائح لبعث الحياة في طقوس النوم
رغم أنّ الأسباب قد تتنوع، إلا أن هناك بعض الطقوس اليومية التي يمكن أن تعيد التوازن إلى هذا الإيقاع المختلّ:
• ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، حتى وإن كانت البداية بخطوات بسيطة.
• اللجوء إلى تمارين الاسترخاء كاليوغا، وتمارين التنفس، والتأمل، التي تعيد التواصل مع الذات.
• الاهتمام بالغذاء المتوازن، والابتعاد عن المنبهات خاصة في المساء.
• تهيئة غرفة النوم: حرارة معتدلة، ضوء خافت، وأجواء هادئة تُشعر النفس بالأمان.
• تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ والابتعاد عن السهر الطويل.
متى تتحول الحاجة إلى النوم إلى نداء استغاثة؟
قد يكون التعب لحظة عابرة، وقد يكون جرس إنذار. لذا يُستحسن طلب المساعدة الطبية في الحالات التالية:
• إذا ازداد الشعور بالخمول يومًا بعد يوم، حتى بات عائقًا.
• إذا استمر الإرهاق لأكثر من أسبوع دون تحسن.
• إذا رافق التعب أعراض أخرى كارتفاع الحرارة، أو ضيق التنفس، أو فقدان الشهية.
• إذا كان الاستيقاظ من النوم لا يُشعر بالانتعاش رغم ساعات النوم الكافية.
• إذا أصبحت المهام اليومية عبئًا ثقيلًا لا يُحتمل.
ختامًا...
كثرة النوم ليست دائمًا راحة. أحيانًا، تكون صرخة الجسد عندما تعجز النفس عن البوح. وفي كل خمول مفاجئ، قصة تستحق أن تُروى، وجسد يستحق أن يُسمع، ونَفْس تستحق أن تُحتضن.