التدخين والحمل
دراسة طبية نفسية اجتماعية حول التأثيرات والعلاج
مقدمة
يُعد التدخين من أهم العوامل المهددة للصحة العامة، وقد أثبتت مئات الدراسات الطبية والنفسية والاجتماعية أن أثره يتضاعف خطورةً عند المرأة الحامل، لما يسببه من مضاعفات تطال الأم والجنين معًا. فالتدخين أثناء الحمل لا يقتصر على التأثير المباشر على الأم، بل ينعكس على الجنين في رحمها، وقد يمتد أثره إلى سنوات طويلة بعد الولادة. تشير تقارير منظمة الصحة العالمية لعام 2022 إلى أن أكثر من 8% من النساء الحوامل في العالم ما زلن يدخنّ أثناء الحمل، مع نسب أعلى في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
التدخين قبل الحمل
ينصح الأطباء النساء اللواتي يخططن للحمل بالإقلاع عن التدخين قبل حدوث الحمل بفترة زمنية مناسبة، إذ إن استمرار التدخين قبل الحمل يضاعف من احتمالات حدوث مشكلات صحية.
• أظهرت دراسة أمريكية عام 2011 أن 10% من النساء الحوامل في 24 ولاية أمريكية استمررن في التدخين خلال الثلث الأخير من الحمل.
• كما بيّنت دراسة نُشرت في "المجلة الأمريكية للطب الوقائي" أن التدخين قبل الحمل يزيد من احتمال الحمل خارج الرحم بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بغير المدخنات.
مثال واقعي
في إحدى العيادات البريطانية المتخصصة بأمراض النساء والتوليد، تم تسجيل حالة لسيدة تبلغ من العمر 32 عامًا، كانت مدخنة بشراهة قبل الحمل، وتعرضت لثلاث محاولات حمل فاشلة بسبب الحمل المنتبذ. وبعد خضوعها لبرنامج علاجي نفسي–دوائي للإقلاع عن التدخين، نجحت في إنجاب طفل سليم بعد عامين.
التدخين أثناء الحمل
يمثل التدخين أثناء الحمل أحد أخطر السلوكيات التي يمكن أن تهدد صحة الجنين. فهو يرتبط بالإجهاض، والولادة المبكرة، وتشوهات خلقية، ومضاعفات قد تمتد إلى مرحلة الطفولة والمراهقة.
المخاطر الطبية على الأم
• تمزق الأغشية الباكر.
• انفصال المشيمة الباكر.
• المشيمة المنزاحة.
• الولادة المبكرة.
المخاطر على الجنين
• انخفاض الوزن عند الولادة.
• متلازمة موت الرضع الفجائي (SIDS).
• العيوب الخلقية مثل حنف القدم، وانشقاق البطن الخلقي، وعيوب القلب.
• ضعف النمو العقلي والسلوكي.
• احتمالية أكبر لتبني سلوك التدخين في المراحل العمرية اللاحقة.
تشير بيانات "المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC" (2021) إلى أن النساء الحوامل المدخنات معرضات لولادة طفل بوزن منخفض بنسبة ضعف غير المدخنات.
الأثر النفسي والاجتماعي للتدخين أثناء الحمل
إلى جانب المخاطر الطبية، يؤدي التدخين إلى ضغوط نفسية على الأم، إذ تشعر بالذنب والخوف على صحة جنينها، مما قد يزيد من معدلات القلق والاكتئاب. كما أن العوامل الاجتماعية تلعب دورًا رئيسيًا، حيث أظهرت دراسة أوروبية أن النساء في البيئات الفقيرة أو ذات المستوى التعليمي المنخفض أكثر عرضة للاستمرار في التدخين أثناء الحمل بنسبة تفوق 40% مقارنةً بنساء البيئات الغنية.
مثال اجتماعي
في إحدى القرى المصرية، بينت دراسة ميدانية عام 2020 أن الأمهات المدخنات غالبًا ما يواجهن ضغوطًا أسرية ومجتمعية تدفعهن للاستمرار في التدخين، خصوصًا إذا كان الزوج أيضًا مدخنًا. هذا يعكس أهمية البعد الاجتماعي في التدخلات العلاجية.
الإقلاع عن التدخين أثناء الحمل
الإقلاع المبكر عن التدخين، خاصة خلال الثلث الأول من الحمل، يرتبط بتحسن ملحوظ في نتائج الحمل.
• تشير دراسة كندية (2021) إلى أن النساء اللواتي أقلعن عن التدخين قبل الأسبوع الـ 12 من الحمل قلّ لديهن خطر إنجاب طفل منخفض الوزن بنسبة 40% مقارنةً بمن استمررن بالتدخين.
• كما أوصت الجمعية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد باستخدام العلاج السلوكي كخيار أول، بينما تبقى أدوية بدائل النيكوتين موضع جدل، إذ إن النيكوتين نفسه قد يعبر المشيمة ويصل إلى الجنين.
العلاج النفسي–الدوائي
• العلاج النفسي السلوكي: يعتمد على جلسات فردية أو جماعية تهدف إلى تغيير السلوكيات المرتبطة بالتدخين، مع التركيز على تعزيز الدافعية الأمومية لحماية الجنين.
• العلاج الدوائي: مثل بدائل النيكوتين (لاصقات، علكة)، لكن يجب استخدامها بحذر شديد وتحت إشراف طبي.
• العلاج الاجتماعي: إشراك الأسرة والزوج في برامج الإقلاع لخلق بيئة داعمة.
التدخين بعد الولادة
استمرار التدخين بعد الولادة يزيد من خطر إصابة الطفل بمتلازمة موت الرضع الفجائي، كما أن التدخين السلبي يُعرّض الرضع لمشاكل تنفسية والتهابات الأذن المتكررة. ومع ذلك، تنصح معظم الهيئات الصحية الأمهات المدخنات بالاستمرار في الرضاعة الطبيعية، لأن فوائدها تفوق مخاطر التدخين، مع محاولة تقليل عدد السجائر والابتعاد عن الطفل وقت التدخين.
التدخين السلبي وأثره على الطفل
حتى لو أقلعت الأم، فإن تعرض الطفل للتدخين السلبي داخل المنزل يشكل تهديدًا حقيقيًا.
من أبرز آثاره:
• متلازمة موت الرضع الفجائي.
• الربو وصعوبات التنفس.
• التهابات الجهاز التنفسي.
• زيادة احتمال الإصابة بداء كرون وصعوبات التعلم.
تشير دراسة نُشرت في "مجلة لانسيت" عام 2019 إلى أن التدخين السلبي مسؤول عن 165 ألف حالة وفاة سنويًا بين الأطفال حول العالم.
العيوب الخلقية المرتبطة بالتدخين
أظهرت تحليلات إحصائية أن التدخين يزيد من نسب حدوث عدة عيوب ولادية:
• عيوب قلبية وعائية: 1.09 ضعف.
• حنف القدم: 1.28 ضعف.
• انشقاق البطن الخلقي: 1.50 ضعف.
• فتق خلقي: 1.40 ضعف.
• تعظم الدروز الباكر: 1.33 ضعف.
الخاتمة
يمثل التدخين أثناء الحمل قضية طبية–نفسية–اجتماعية متشابكة، تتطلب تدخلات شاملة تشمل العلاج النفسي والدوائي، إضافة إلى التوعية المجتمعية. الوقاية تبدأ بالتوقف عن التدخين قبل الحمل، وتزداد الفوائد الصحية كلما كان الإقلاع مبكرًا. ولتحقيق نتائج فعالة، لا بد من سياسات صحية عامة تستهدف النساء الحوامل بشكل خاص، مع توفير برامج دعم نفسي–اجتماعي متكامل.
