التصغير في اللغة العربية

التصغير في اللغة العربية
يُعدّ التصغير من الموضوعات الدقيقة في علم الصرف العربي، إذ يقوم على تغيير صيغة الاسم للدلالة على معانٍ متنوّعة مثل التقليل، والتحقير، والتقريب، والتحبّب. وقد اعتنى به علماء العربية منذ القدم لما فيه من ثراء دلالي وصرفي، ولارتباطه بالاستعمال القرآني والبلاغي والشعري. تعريف التصغير التصغير هو: تغيير في بناء الاسم للدلالة على معانٍ شتى، ويكون بإضافة ياء ساكنة تسمى "ياء التصغير"، مع ضمّ أوله وفتح ثانيه غالبًا. وله ثلاثة أوزان قياسية: 1. فعيل: مثل نُهَير (تصغير: نهر). 2. فعيعل: مثل جُعيفر (تصغير: جعفر). 3. فعيعيل: مثل مُصيبيح (تصغير: مصباح). مواضع التصغير التصغير في العربية مطّرد في الأسماء، أما في الأفعال والحروف فهو شاذّ نادر الورود. ومن الشواهد على ذلك: تصغير فعل التعجب ما أحسنه! إلى ما أحيْسنه! وهو استعمال سماعي لا يقاس عليه. الأغراض البلاغية للتصغير للتصغير في الاستعمال العربي ستة مقاصد رئيسة: 1- تصغير ما يُتوهم كِبَره • مثل: جُبيل (تصغير جبل)، وكُتَيّب (تصغير كتاب). • قال تعالى: ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: 80]، وفيها معنى التكثير، ولو صُغّر العدد أُريد به التقليل. 2- تقليل ما يُتوهم كثرته • مثل: لُقيمات، دُريهمات. • ومن الشعر قول القائل: أَلا ليتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً بِجَنبِ الغَضا أُزجي القَلاصَ النَّواجِيا حيث يمكن استعمال التصغير قُليبات أو كُليب للدلالة على التقليل. 3- التحقير والاستهانة • مثل: شُويعر (تصغير شاعر على سبيل التحقير). • قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: 6-7]، فالتصغير أحيانًا يُستعمل في موضع الاحتقار كقول العرب: كُسَيْر اليدين. 4- تقريب الزمان • مثل: قُبيل العصر، أي قبل العصر بيسير. 5- تقريب المكان • مثل: فُوَيق الجسر، أي على مقربة منه. 6- التحبّب والتودّد • مثل: بُنيّ (تصغير ابن)، وأخيّة (تصغير أخت). • قال تعالى على لسان لقمان مخاطبًا ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ…﴾ [لقمان: 16]. → بنيّ: اسم منادى مبني على الضم في محل نصب، والياء للتصغير والتحبّب. شروط الاسم المصغَّر لا يصغر إلا ما توفرت فيه شروط أربعة: 1- أن يكون اسمًا • فلا يُصغّر الفعل ولا الحرف. • مثال سماعي شاذ: ما أحيلاه! (تصغير صيغة التعجب). 2- أن يكون معربًا • المبني لا يُصغّر. • ومع ذلك سُمِع: بُعيلبك (تصغير بعلبك)، وذيا (تصغير ذا: اسم إشارة). 3- أن يكون قابلاً للتصغير • فلا يصغّر اسم الله، أو أسماء الأنبياء؛ لأن التصغير ينافي التعظيم. • ولا تصغَّر ألفاظ مثل كبير، جسيم. • كما لا يُصغّر المركب الإسنادي أو أسماء الأيام والشهور. 4- أن يخلو من صيغة التصغير • مثل: جميل، سهيل، كميت، لأنها أسماء على صيغة التصغير أصلاً. القواعد الصرفية للتصغير 1- الاسم الثلاثي • يُصغّر على وزن فعيل: o نهر → نُهَير o قمر → قُمير 2- ردّ المحذوف إذا كان الاسم محذوفًا أحد أصوله، يُردّ عند التصغير: • عدة → وعيدة • يد → يديّة 3- حذف همزة الوصل • ابن → بُنيّ • ابنة → بُنيّة 4- الاسم الثنائي • الصحيح الآخر: هل → هليل. • المعتل الآخر: لو → لوي. 5- الاسم الثلاثي المؤنث بلا علامة • تزاد التاء عند التصغير: دار → دُويرة، عين → عُيينة. 6- الاسم الرباعي • على وزن فعيعل: جعفر → جُعيفر. 7- الاسم الخماسي • إذا كان رابعه حرف لين: مصباح → مُصيبيح. • إذا كان مجردًا: سفرجل → سفيرج. • إذا كان مزيدًا: عندليب → عنيدل. 8- ما فوق الخماسي • يُصغّر بعد حذف الزائد: مستشرق → مُشيرق. 9- أحكام خاصة • إذا وليت ياء التصغير واوًا أو ألفًا قلبت ياء: o عصا → عُصيّة. • إذا تلتها ياء مشددة: صبي → صُبَيّ. شواذ التصغير سمع العرب ألفاظًا شاذة تخالف القاعدة، مثل: • إنسان → أُنيْسيان (والقياس: أُنيْسين). • ليلة → لييلية (والقياس: لييلة). • غلمة → أُغيلمة. ومن الشعر قول امرئ القيس: وَقَد أغتَدي والطَّيرُ في وُكُناتِها بمُنْجَردٍ قَيْدِ الأوابدِ هَيْكَلِ فلو صغّر منجرد لقال: مُنيجِرِد على خلاف القياس. التطبيقات البلاغية • في القرآن الكريم ورد التصغير أداةً للتودد كما في قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ﴾ [لقمان: 16]. • وفي الشعر العربي استعمل للتحقير مثل قول جرير يهجو خصمه: ألستم خيرَ من ركب المطايا وأندى العالمين بطونَ راحِ؟ ثم يحقّرهم في مواضع أخرى بالتصغير كقوله شُويعِر. خاتمة يتضح أن التصغير باب صرفي غني بالدلالات، فهو ليس مجرد تغيير في البنية، بل أداة بلاغية تحمل معاني: التقليل، والتحقير، والتحبّب، والتقريب. وقد استعمله القرآن في أرفع مقامات الخطاب، واستثمره الشعراء في مدحهم وهجائهم. فدراسة التصغير تكشف عن عبقرية العربية في قدرتها على دمج الصيغة بالمعنى، وتمنح الدارس نافذة لفهم أسرار البيان القرآني والشعري على السواء.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال