كيف نجعل كلامنا خفيفًا على الآخرين؟
إن عبارة "يجعل كلامنا خفيفًا عليهم" تُحيل إلى معنى بالغ الرقة، إذ تفيد أنّ طريقة حديث المرء، أو مضمون ما يقوله، لا يُلقي عبئًا على المتلقي، بل يسهل استيعابه ويُستقبل بقبول وارتياح. وللوصول إلى هذه الغاية، يمكن اتباع عدد من المبادئ:
1. استخدام لغة واضحة وبسيطة : ينبغي تجنّب التعقيد والمصطلحات الغريبة أو غير المألوفة، فالكلام السهل الممتنع هو ما يترك أثرًا أعمق في المتلقي.
2. التنظيم والتسلسل : إن طرح الأفكار بصورة مرتبة ومترابطة يسهل على المستمع متابعة السياق وفهم المقصود دون عناء.
3. اختيار الأسلوب المناسب : الأسلوب الودود البعيد عن التكبر أو التعالي يجعل الآخرين أكثر استعدادًا للتجاوب وقبول ما يُقال.
4. الابتعاد عن الاستعراض والتفاخر : حين يحرص المتحدث على المباهاة بثقافته أو يستخدم لغة معقدة متكلفة، يشعر الآخرون بالثقل وربما بالنفور، إذ يفتقد الكلام آنذاك خفته المطلوبة.
5. مخاطبة الجمهور بلغة مشتركة : استخدام لغة يفهمها الجميع يضمن وصول الرسالة بأوضح صورة، ويُعزز التواصل الإنساني بعيدًا عن الحواجز المصطنعة.
بين التبسط والتعالي: صورة المثقف المتعجرف
غير أنّ الواقع يكشف لنا عن نماذج مضادة لهذه الخفة، حيث يتعمد بعض "المثقفين" أن يُغرقوا خطابهم بالمصطلحات الأجنبية المعرَّبة والتراكيب اللفظية العسيرة، فيبدو حديثهم أقرب إلى محاكاة لترجمات متكلفة منه إلى تواصل صادق. وما أن تتجنب الرطانة على طريقتهم، وتختار لغة عربية صافية واضحة، حتى يرمقوك بنظرات متعالية، قد يخالطها ازدراء صريح أو ضمني، كأنهم يقولون :
" من أنت لتجرؤ على مخاطبتي وتناقشني؟"
بهذا يرفع بعضهم الأسوار حول ذواتهم، فيصنعون لأنفسهم هالة أسطورية، ويُقيمون بين الآخرين وبين "حضرتهم" المخملية سدودًا عالية. وما نحن أمامهم – في تصورهم – إلا مساكين نتطاول إلى معارج ثقافتهم العالمية، ونجترئ على عقولهم اللوذعية ومواهبهم "الفذة".
النص إذن لا يكتفي ببيان كيف يكون الكلام خفيفًا على الآخرين، بل يكشف أيضًا عن مفارقة: فحيث يُراد للكلام أن يُبسط ويُيسَّر للتواصل، يسعى بعض المتعالمين إلى جعله أداة فاصلة وحاجزًا يرسخ التكبر ويُضعف الإنسانية الكامنة في جوهر الحوار.