اضطراب الشخصية الاعتمادية
(Dependent Personality Disorder)
المقدمة
اضطراب الشخصية الاعتمادية (Dependent Personality Disorder - DPD) يُعد من الاضطرابات النفسية المزمنة التي تتسم بحاجة مفرطة للرعاية والخوف من الوحدة، مما يدفع المصاب إلى التشبث بالآخرين والاعتماد عليهم بشكل مفرط لتلبية احتياجاته العاطفية والجسدية. يعاني المصابون بهذا الاضطراب من ضعف الثقة بالنفس وصعوبة اتخاذ القرارات، ويخشون الاختلاف مع الآخرين خوفًا من فقدانهم، وقد يقبلون المعاملة السيئة لتجنب الهجر أو الرفض.
يُعتبر الكشف المبكر والتدخل العلاجي الفعّال (النفسي والدوائي) من العوامل الأساسية لتحسين جودة حياة المريض وتعزيز استقلاليته.
الأعراض السريرية
تتمثل أبرز الأعراض في:
• الحاجة المفرطة للرعاية: الاعتماد المستمر على الآخرين في القرارات اليومية والأنشطة البسيطة.
• الخوف من الوحدة: قلق شديد عند البقاء بمفردهم، يدفعهم لتجنّب العزلة.
• ضعف الثقة بالنفس: شعور دائم بعدم الكفاءة، وصعوبة بدء المهام أو إنجازها باستقلالية.
• الخضوع والخوف من الاختلاف: الميل للتنازل عن الحاجات والرغبات الشخصية لتلبية توقعات الآخرين.
• تحمل سوء المعاملة: القبول بالعلاقات المسيئة خوفًا من الانفصال.
• صعوبة اتخاذ القرارات: الحاجة المستمرة للنصح والتشجيع حتى في أبسط المواقف الحياتية.
الأسباب وعوامل الخطورة
لا يوجد سبب محدد واحد للاضطراب، بل تتداخل عوامل متعددة:
1. العوامل الوراثية: تشير دراسات (2012) إلى ارتباط وراثي يتراوح بين 55%–72% من الحالات.
2. العوامل البيئية والاجتماعية: التوقعات الثقافية وأدوار الجنسين تساهم في تشكيل السلوك الاعتمادي.
3. العوامل النفسية: تاريخ من اضطرابات القلق أو أمراض الطفولة المزمنة يزيد من احتمالية الإصابة.
4. دراسات التوائم (2004): أظهرت دورًا مهمًا للعامل الوراثي في تطور الاضطراب.
مدى الانتشار
• يُقدّر انتشار اضطراب الشخصية الاعتمادية بحوالي 0.6% من عموم السكان.
• يشخَّص بمعدلات أعلى لدى النساء مقارنة بالرجال، رغم أن هذا التفاوت يُعزى غالبًا لعوامل اجتماعية وثقافية أكثر منه لاختلافات بيولوجية حقيقية.
التصنيف الطبي والتشخيص
أولًا: الدليل التشخيصي والإحصائي (DSM-IV-TR, DSM-5)
يُعرّف الاضطراب بأنه حاجة مفرطة ودائمة لرعاية الآخرين، تؤدي إلى سلوكيات خاضعة وخوف من الانفصال. تبدأ الأعراض عادة في مرحلة البلوغ المبكر وتظهر في مجالات حياتية متعددة.
ثانيًا: منظمة الصحة العالمية (ICD-10, F60.7)
يُشترط وجود ثلاثة أعراض أو أكثر من بين الآتي:
1. السماح للآخرين باتخاذ القرارات الأساسية.
2. إخضاع احتياجاته لمطالب الآخرين دون مبرر.
3. تجنّب التعبير عن المطالب الخاصة.
4. الشعور بالعجز عند الانفراد بالنفس.
5. القلق المفرط من الهجر.
6. محدودية القدرة على اتخاذ قرارات يومية دون طمأنة متكررة.
التصنيفات الفرعية (ميّلون)
حدد تيودور ميّلون خمسة أنماط فرعية:
1. المرتبك: قلق، اجتنابي، عرضة للهجر.
2. الإيثاري: مازوخي، يتخلى عن ذاته لإرضاء الآخرين.
3. غير الناضج: طفولي، ساذج، يفتقر إلى المسؤولية.
4. المتأقلم: ودود، خاضع، يتبنى الدور الأدنى.
5. غير الفعّال: انعزالي، غير منتج، يفتقر إلى المبادرة.
التشخيص التفريقي
يتقاطع الاضطراب مع عدة اضطرابات، منها:
• اضطرابات المزاج (الاكتئاب).
• اضطرابات القلق.
• اضطراب التكيف.
• اضطراب الشخصية الحدية.
• اضطراب الشخصية التجنبية.
• اضطراب الشخصية الهستيرية.
العلاج
1. العلاج النفسي
• العلاج الفردي: يركز على بناء الثقة بالنفس وتعزيز الاستقلالية.
• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يهدف إلى تعديل الأفكار والسلوكيات غير الصحية.
• تدريب المهارات الاجتماعية: تعزيز القدرة على إقامة علاقات صحية ومتوازنة.
• تعزيز الاستقلالية: تشجيع المريض على اتخاذ قرارات تدريجية والقيام بالأنشطة اليومية منفردًا.
2. العلاج الدوائي
• لا يُعد الخيار الأول للعلاج، لكنه قد يُستخدم في حال وجود اضطرابات مصاحبة مثل القلق العام أو الاكتئاب.
• تشمل الأدوية الشائعة:
o مضادات الاكتئاب (SSRIs): مثل فلوكستين وسيرترالين.
o مضادات القلق: عند الحاجة المؤقتة.
• يجب أن يُصرف الدواء ويُتابع من قبل طبيب نفسي مختص، مع الجمع بينه وبين العلاج النفسي لضمان نتائج فعّالة.
الخاتمة
اضطراب الشخصية الاعتمادية يمثل تحديًا تشخيصيًا وعلاجيًا بسبب تداخله مع اضطرابات أخرى وتأثره بالعوامل الاجتماعية والثقافية. يعتمد العلاج الفعّال على التدخل النفسي الممنهج، مع إمكانية دمج العلاج الدوائي عند الضرورة، من أجل تعزيز الاستقلالية وتحسين جودة حياة المريض.
________________________________________
المراجع
1. American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-IV-TR, DSM-5).
2. World Health Organization. International Classification of Diseases (ICD-10).
3. Bornstein, R. F. (2012). "Dependent personality disorder: Current insights and future directions." Journal of Personality Disorders.
4. Livesley, W. J. (2004). Handbook of Personality Disorders: Theory, Research, and Treatment.
5. Millon, T. (1996). Disorders of Personality: DSM-IV and Beyond