تاريخ الهند القديم
يقسم تاريخ الهند القديم إلى حقبتين كبيرتين هما عصور ما قبل التاريخ التي امتدت آلاف السنين، والعصور التاريخية التي بدأت متأخرة قياساً إلى مواطن الحضارات الأخرى في وادي النيل وبلاد الرافدين والشام. اكتشف علماء الآثار في شبه القارة الهندية مواقع تعود للعصر البرونزي. واعتمد الشعب في اقتصاده خلال فترة ما قبل التاريخ على زراعة المحاصيل وتربية القطعان الأليفة من الأغنام والمعز والأبقار.
ويرجع تاريخ الحضارة الهندية القديمة إلى نحو سنة 3500ق.م. وتدل القرى والمدن القديمة على وجود نظام حكومي واقتصادي.
- شعب وادي السند
معظم أفراد شعب موهنجو دارو كانوا فنانين مهرة في نحت الحجارة والطين. وهذا الختم المصنوع من الحجر الصابوني يحمل صورة ثور أحدب.
هي بلا شك أقدم حضارات الهند وأعرقها وكان اكتشافها عام 1922 من أهم الأحداث الأثرية في القرن العشرين، وهي تعرف أيضاً باسم هارابّا Harappa باسم أشهر مواقعها في البنجاب وقد ارتبطت بالزراعة وظهور المدن وعصر البرونز. ويبدو أن التطور الحضاري بدأ في منطقة دلتا نهر السند ثم انتقل تدريجياً إلى الشمال الشرقي.
وتتمثل أبرز إنجازات هذه الحضارة في فن البناء وتخطيط المدن. كانت المدن الكبرى وعلى رأسها هارابا وموهنجو دارو Mohenjo Daro تتألف من قلعة على مرتفع تقوم حوله مساكن الأهلين كانت القلعة مركزاً لمعظم المباني العامة الكبرى. ففي قلعة موهنجو دارو مثلاً هناك الحمام الكبير المبني بالآجر ومخازن الحبوب، أما المدينة السفلى فتضم المباني السكنية المبنية من الطوب مع شوارع متقاطعة ومنازل صغيرة وكبيرة. ودلت أعمال التنقيب على مستوى رفيع من الفن المعماري ووجود نظام للصرف الصحي من أرقى ما عُرف في العصور القديمة.
وتشير الآثار الباقية إلى حضارة مادية راقية ومتنوعة .وكان الصناع على درجة عالية من الكفاءة، وقد عثر على كثير من الأدوات الدقيقة المصنوعة من النحاس والبرونز، كما برعوا في صنع الفخار بأنماط مختلفة واستعملوا عجلة الخزاف، وثمة عدد كبير من التماثيل المصنوعة من الغضار المشوي (التِرّاكوتا Terrakotta). كما عثر على آلاف الأختام التي احتوت على كتابات قصيرة بخط تصويري لم تفك رموزه بعد. وكانت طرق النقل البرية والنهرية منظمة تنظيماً جيداً.
ومن المؤكد أن مدن السند كان لها علاقات تجارية قوية مع بلاد الرافدين، وتذكر الوثائق التجارية الرافدية العائدة للعصر الأكادي قوائم بأسماء بضائع من ملوخا Meluhha، وهو الاسم الأكادي القديم لمنطقة وادي السند.
كما تبين وجود جاليات من التجار الهنود في بعض المدن الرافدية، وعثر على أختام هندية في مدينة أور وغيرها. وقد أدت دلمون (جزيرة البحرين) دور الوسيط التجاري بين ملوخا وبلاد الرافدين.
ازدهرت حضارة وادي السند على مدى خمسة أو ستة قرون (نحو 2300-1750ق.م) ثم تلاشت عقب فترة قصيرة من الانحطاط. ويبدو اليوم أن مدن السند خضعت أولاً لسيطرة العناصر الدرافيدية وتابعت حضارتها قبل أن تتعرض المنطقة كلها لاجتياح القبائل الآرية. مازال الكثير عن هذا الشعب وحياته مجهولاً مع أن الأختام، وخاصة الطينية منها، أظهرت أنه عرف الكتابة ومارسها، وعرف الحساب والقياس.
أشهر مدينتين في حضارة وادي السند هما موهنجو دارو في السند وهراپـّا في الپنجاب، كما وجد علماء الآثار بقايا العديد من القرى الصغيرة الأخرى من إقليم گجرات الممتد من جنوب الهند إلى الهملايا في الشمال.
- التجارة والحِرَف
زودت التجارة سكان وادي السّند بالأغذية الضرورية، والمواد الخام الأساسية مثل الخشب والقطن والأصباغ والمعادن والزجاج. ويعتقد العلماء أن التشابه القوي بين حضارتي السند وبلاد ما بين النهرين في العراق يُرجح قيام علاقات تجارية بحرية بينهما.
خرائب في هرابا التي كانت مركزًا من مراكز حضارة وادي السند. وقد بدأت تلك الحضارة في الازدهار حوالي سنة 2500 ق.م. فيما يسمى الآن باكستان وغربي الهند.
- قدوم الآريين
يبدو أن حضارة هراپـّا كانت قد وصلت أوجها نحو عام 2500 ق.م. في حين مازال سبب انهيارها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد مجهولاً. إن ظهور الآريين في شبه القارة الهندية كان جزءًا من هجرة كبيرة من أواسط آسيا وبلاد فارس (إيران)، وقد تكون تلك الهجرة هي التي أدت إلى الحروب التي نتج عنها نهب مدن هرابا وإحراقها. كانت نهاية حضارة وادي السند في القرن الثامن عشر قبل الميلاد على أيدي الآريين، الذين دخلوا الهند من شمالها الغربي عبر ممر خيبر الشهير قادمين من آسيا الوسطى. ويعود أصل التسمية إلى الكلمة السنسكريتية Arya التي تعني النبلاء. تمكنت القبائل الآرية بعد معارك عنيفة وطويلة الأمد من إخضاع السكان المحليين وطردهم نحو الجنوب أو استعبادهم الداسا Dasa بعد تدمير حضارتهم، وكان الآريون يكونون طبقة السادة ويختلفون عن السكان الأصليين بديانتهم وعاداتهم وجذورهم الاجتماعية ولون بشرتهم، وكذلك في نطاق اللغة حصل انقسام سياسي - مازال مستمراً حتى اليوم - بين اللغات الآرية في الشمال والدرافيدية في الجنوب.
وهكذا انقسمت حضارة الهند إلى مسارين متوازيين يتميزان بسيطرة النفوذ الآري في الشمال وبقاء حضارة الهند التقليدية في الجنوب.
كانت القبائل الآرية تجهل القراءة والكتابة عندما ظهرت على مسرح التاريخ أول مرة، ومع ذلك تركت ملاحم شعرية وقصائد بطولية تصور حياتها وأوضاعها الاجتماعية.
كون أولئك الغزاة ثلاث طبقات سيدة تتمثل في الكهنة (براهما) والمحاربين (كاشاتريا) وعامة الشعب (ڤايسيا)، أما الشعب المحكوم من سكان البلاد الأصليين فكونوا الطبقة السفلى المستعبدة (شودرا). وهكذا وضع الآريون حجر الأساس لنظام الطوائف والطبقات المعروف في الهند، يدفعهم إلى ذلك الخوف من الذوبان في بوتقة السكان الأصليين، الذين كانوا يفوقونهم بكثير، الأمر الذي يفقدهم امتيازاتهم بوصفهم طبقة حاكمة سائدة.
يقسم تاريخ الهنود الآريين اعتماداً على ملاحم الڤيدا إلى عصر ڤيدي باكر (1500-1000ق.م) عرفوا فيه العربة الحربية التي تجرها الخيول وضمنت لهم التفوق على السكان الأصليين الدرافيديين، وكانت حياتهم تعتمد على تربية قطعان الماشية ثم بدؤوا يمارسون الزراعة. وفي العصر الفيدي المتأخر (1000-550ق.م) راحوا يستعملون الأسلحة الحديدية الفعالة وانتشروا شرقاً إلى وادي الغانج وتحولوا من شبه رحل إلى مزارعين مستقرين وتفككت الوحدات القبلية لتحل محلها ممالك سيطرت عليها طبقة المحاربين برئاسة الملك واشتدت الصراعات فيما بينها. وأهم مصدر لمعرفة أحوالهم وملاحمهم الشعرية وعلى رأسها الڤيدا Veda التي دونت باللغة السنسكريتية، وأقدم أجزائها الأربعة المقدسة الريغڤيدا Rigveda (= معرفة الحكمة) وهي ترانيم دينية ظهرت في مطلع الألف الأول ونشأ منها عدد من الشروح والتعليقات أشهرها الأوپانيشاد Upanishad.
وتعرض أسفار الفيدا الدين وهو في طريق التكوين بدءاً من النزعة الروحانية البدائية حتى وحدة الوجود الفلسفية. وتتمثل أقدم الآلهة في قوى الطبيعة وعناصرها وقد تطور الإله ڤارونا Varuna (إله السماء) ليصبح أكثر آلهة الڤيدا قرباً من المثل الأعلى للآلهة، يرقب العالم بعينه الكبيرة (الشمس) ويعاقب الشر ويكافئ الخير. وصار إندرا Indra (إله الرعد والعاصفة) أشيع الآلهة ذكراً بين الناس لأنه هو الذي يجلب الأمطار.
ويبدو أن الآلهة الفيدية في مراحلها الأولى لم يكن لها معابد وأصنام وكان تقديم القرابين أهم طقوسها ويتم بإشراف الكهنة الذين ارتفعت مكانتهم وصار البراهمة طبقة ممتازة تسيطر على الحياة الروحية والفكرية سيطرة تامة وتحتكر معرفة النصوص الدينية وتفسيرها باللغة السنسكريتية (أي الكاملة المقدسة).
لا يوجد في هذه الأسفار والملاحم أي إشارة إلى أن مؤلفيها عرفوا الكتابة التي لم تظهر إلا في القرن الثامن قبل الميلاد والأرجح أن الدرافيديين نقلوها من آسيا الغربية عن الكتابة الآرامية، وقد أطلق عليها فيما بعد الكتابة البراهمية ومنها اشتقت كل الأبجديات الهندية، وبقيت قروناً طويلة لا تستخدم إلا لأغراض تجارية أو إدارية. أما أقدم الكتابات التاريخية فهي نقوش أشوكا Ashoka من القرن الثالث قبل الميلاد. «ومن هذا الإهمال للكتابة نشأت - كما يقول ديورانت - ضآلة معرفتنا بالهند القديمة».
- النظام الاجتماعي للآريين
كان المجتمع الفيدي الأول يتكون من ثلاث طبقات تمامًا كما كان عليه الحال في المجتمع الآري، وهي طبقة الكهنة (البراهمة) والمقــاتلة (الكشاتريا) والعامة (فاسيا). وهذه هي أسس الطبقية الهندية الحالية.
أشارت الفيدا والتواريخ المتأخرة أيضًا إلى شعب أسود البشرة عُرف بالداسا وهو أصل الهنود. وقد خاض حروبًا عديدة ضد الآريين. ويبدو أن طبقة السودرا الوضيعة كانت هي السودرا المستعبدين.
وقد دُوّنت بطولات الآريين وحروبهم في ملحمتين قصصيتين هما الرامايانا والمهابهاراتا.
وأقام بوذا أول دَيرْ (فيهارا) في سارنات. وكان أفضل مكان للبراهمة الذين كانوا كهنةً وحُماة للثقافة السنسكريتية، وقد تعرض وضع البراهمة هذا للتهديد بسبب ظهور أديان جديدة كالبوذية واليانية.
- العصور التاريخية
في أواخر القرن السادس قبل الميلاد تسارعت الأحداث والتطورات في جميع المجالات ودخلت الهند في ضوء التاريخ فعلياً. ففي المجال الديني ظهر كثير من المتشككين وأنصار المذهب المادي الذين زعزعت أفكارهم سلطة البراهمة على العقل الهندي والقيم التقليدية الراسخة ومهدوا لظهور ديانتين جديدتين هما الجاينية والبوذية، التي غدت إحدى الديانات العالمية الكبرى.
وفي المجال السياسي نشأت أربع دول كبيرة توسعية كان أقواها وأهمها مملكة ماگادا Maghada في الجزء الجنوبي من بيهار وعاصمتها پاتاليبوترا Pataliputra (پاتنا). وعلى الصعيد الخارجي استولى الملك داريوس الكبير على إقليم السند عام 518ق.م وضمه إلى الامبراطورية الفارسية الأخمينية كما أرسل بعثة بحرية بقيادة بحار إغريقي يدعى سكيلاكس Skylax لاكتشاف مجرى نهر السند حتى مصبه في بحر العرب والتي تابعت إبحارها إلى الخليج العربي ومضيق باب المندب وصولاً إلى خليج السويس في مصر، وكان من نتائجها أن صارت أساطيل الفرس تجوب المحيط الهندي وتؤمن المواصلات بين الامبراطورية الفارسية وحوض السند، وصارت صادرات الهند النفيسة من حرير وتوابل وأحجار كريمة وسواها تصل حتى شواطئ البحر المتوسط.
ويروي هيرودوت في تاريخه أن إقليم السند كان الولاية السترابية العشرين في الامبراطورية الفارسية ويدفع جزية مقدارها 360 تالنته (تالنت = 26.2 كغ) من تبر الذهب. ويضيف قائلاً إن الهنود كانوا أكبر الشعوب المعروفة آنذاك وإنهم يدفعون أعلى جزية، ثم يروي كيف كانوا يستخرجون الذهب وأخباراً أخرى وقد استمر عصر السيطرة الفارسية على غربي الهند نحو قرنين من الزمن حتى قدوم الإسكندر الأكبر المقدوني وقضائه على الامبراطورية الأخمينية.
وصل الإسكندر إلى الهند عام 327 ق.م. وخاض معركة كبيرة مع أحد أقوى ملوكها وهو پوروس Poros الذي أعجب بشجاعته فأبقاه حاكماً على مملكته. وكان ينوي احتلال وادي الگنج ولكن الجيش المقدوني رفض متابعة الزحف شرقاً واضطر الإسكندر إلى التراجع وغادر الهند عائداً إلى بلاد فارس وتوفي في بابل عام 323ق.م. وكان من نتائج هذه الغزوة ترسيخ العلاقات التجارية والثقافية بين الهند والغرب.
وفي خضم الصراع الذي نشب بين قادة الإسكندر صار شمال غربي الهند من نصيب الملك سلوقس الذي قاد حملة إلى الشرق ووصل الهند عام 302 ق.م. وعقد اتفاقاً مع الملك تشاندراگوپتا Chandragupta الذي زوده بخمسمائة من الفيلة الحربية مقابل تخليه عن بعض المناطق. وبعد ذلك جاء السفير السلوقي مگاستينس Megasthenes الذي أقام في بلاط الملك الهندي في پاتاليبوترا وألف كتاباً سماه Indikia (مفقود مع الأسف) تضمن كثيراً من المعلومات الموثوقة عن شمالي الهند، أما رواياته عن الجنوب والشرق فهي شبه أسطورية.
-الڤيدا
قدّمت النصوص الدينية المعروفة بالفيدا، معلومات كثيرة عن تاريخ الآريين في الهند. انظر: الفيدا . والفيدا أربعة أقسام هي: الريگڤيدا والساماڤيدا والياگورڤيدا والأتارڤاڤيدا. ويعتقد أن ظهور الريگڤيدا، وهي أقدمها، كان في القرن السادس عشر قبل الميلاد.
وتشكل الفيدا الأركان الأساسية لكل من الفلسفة والدين الهندوسيَّيْن. والتي كانت تنتقل شفويًا عن طريق أجيال الكهنة والعلماء قبل تدوينها. تكلمت الشعوب التي وصلت الهند لغات عديدة، منها السنسكريتية، والفارسية القديمة، والإغريقية، واللاتينية.
- دخول الإسلام
انتشر الإسلام بالفتوحات الإسلامية المتدفقة في بداية الأمر من الجزيرة العربية متوجهة نحو البحر الأبيض المتوسط والمرتفعات الإيرانية. وأرسل المسلمون عام 94هـ، 712م حملة برية عسكرية إلى السند. ونجحت هذه الحملة التي كانت في زمن الخلفاء الأمويين في دمشق في تأسيس مملكة إسلامية في ذلك الجزء من الهند. وكانت السند منطقة تجارية مهمة حيث تمر البضائع القادمة من الهند عبر مرفأ ديبول على مصب نهر السند إلى المدن الإسلامية في كل من الخليج العربي والبحر الأحمر.
وقد أقام العديد من التجار المسلمين علاقات تجارية مع مرافئ غوجارات وساحل ملبار واستقروا في تلك المدن. ويُحتمل أن تكون عائلاتهم قد أقامت مواقع استيطانية في الهند. وسمح حكام الهند للمسلمين ببناء المساجد وممارسة الشعائر الدينية الخاصة. وقد مدح الجاحظ الهنود لإنجازاتهم العلمية في كتابة لغتهم، ولإنجازاتهم في مجال علم الرياضيات.
وكانت أولى الحملات الإسلامية الجدّية على شبه القارة الهندية فيما بين القرن التاسع والقرن الحادي عشر الميلاديين. وقد بدأت تباشيرها منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان الذي أرسل المهلب بن أبي صفرة لفتح بلاد السند. وتبعه محمد بن القاسم الثقفي وغيره من القادة.
وكان يسيطر على الهند حينذاك أمراء الراجبوت الأقوياء الذين كانت لديهم قوة عسكرية ضخمة ذائعة الصيت، وكانت الخلافة العباسية في بغداد آنذاك تخشى الدخول في صراع معهم.
- الفاتحون الأتراك
تطلَّع الحكام الأتراك في إقليم شمالي نهر أموداريا (جيحون) إلى أراض جديدة لفتحها. وكانوا في الوقت نفسه تحت ضغط عسكري من القبائل المغولية في الشمال الشرقي من آسيا الوسطى.
وخاض محمود الغزنوي فيما بين عامي 390- 422هـ، 1000 و1030م سلسلة من الغزوات ضد الهند. وكان قائدًا ماهرًا. لم يتمكن السلطان محمود من المحافظة على منجزاته. ولم يبق بعد وفاته عام 422هـ، 1030م إلا مملكة واحدة في البنجاب، في حين ظلت باقي أقسام الهند مستقلة عن الحكم الإسلامي.
سلطنة دلهي
فتح المسلمون عام 588هـ، 1192م البنجاب بقيادة محمود الغزنوي، وتمكنوا من هزيمة الزعيم الراجبوتي بريتفي راج تشاوهان، في معركة بانيبات. وخلال أقل من عشر سنوات استولى قادته على معظم الشمال الهندي حتى البنغال. واختار الغزنوي أحد قادته وهو قطب الدين أيبك لينوب عنه في حكم دلهي، وأوجد قطب الدين فيما بين عامي 597-607هـ، 1200- 1210م سلالة حاكمة وإمبراطورية عُرفت باسم سلطنة دلهي. وكان مسلمًا ملتزمًا كسلفه محمود الغزنوي، وبنى في دلهي مسجدًا كبيرًا وخلد انتصاراته على عمود يرتفع 78م.
وغزا السلطان والفارس المسلم علاء الدين خالجي الممالك الهندية في الدكن وغوجارات ووصل حتى مادورا في الحافة الجنوبية من شبه القارة.
بحلول القرن الحادي عشر الميلادي وعند بناء معبد بريهادسفارا في تارجور كانت الهندوسية الهندية قد انتشرت في جنوب شرقي آسيا.
وفي عام 656هـ، 1258م أسقط المغول بغداد وقتلوا آخر الخلفاء العباسيين وفتحوا أجزاءً واسعة من الشرق الأوسط بعد ذلك. ثم بدأوا بالتوجه نحو الهند. وأضحت الأخطار المغولية تهدد الحكام المسلمين في دلهي. وقد وفرت الأموال التي جاءت من الحملات الجنوبية ونظام الضرائب إمكانية إعداد جيش كبير للتصدي للمغول وذلك لما يمتاز به إقليم غوجارات من غنى بعد أن أصبح تحت حُكم المسلمين. وبذلك تمكن المسلمون من التصدي لعدد من الحملات المغولية.وغزا المغول بقيادة تيمورلنك دلهي عام 801هـ، 1398م فوضعوا حدًا للسلام والعصر الذهبي للسلطنة ونهبوها. وتجزأت بعد ذلك الإمبراطورية الإسلامية في الهند إلى العديد من الممالك الصغيرة المتحاربة التي كان يحكم كل واحدة منها سلطان.
وفي عام 751هـ، 1350م تم تأسيس دولة فيجاينجار الهندوسية في هضبة الدكن. وأدَّى ذلك، إلى خضوع الجنوب للسيطرة الهندية وأوجد حاجزًا أمام تقدُّم المسلمين.
فنون الرسم المغولي المنمنم. وتوضح اللوحة تيمورلنك على عرشه.
- تأسيس إمبراطورية المغول
أوجدت فتوحات الحكام المغول خلال المائتي عام التاليتين واحدةً من أفضل الإمبراطوريات التي عرفتها الهند إدارة ومركزية.
وكان أول الفاتحين المغول بابر، من أحفاد تيمورلنك. فقد غزا الهند عام 933هـ، 1526م من كابول بأفغانستان. وهَزَم إبراهيم لودي، سلطان دلهي في معركة بانيبات. وقد توافرت له ثروة كبيرة نتيجة الفتوحات. واستطاع خلال سنوات قليلة فتح معظم الشمال الهندي. انظر: بابار. توفي بابار عام 937هـ، 1530م، وخلفه في الحكم ابنه همايون. وتعرض الحكم المغولي في عهده للتهديد والخطر حين انتصر شيرشاه (فريد أو شيرخان) على همايون، وأجبره على مغادرة البلاد عام 963هـ، 1555م، ثم اغتنم الأخير وأعوانه فرصة الخلاف الذي دبّ بين أحفاد شيرشاه. وعاد سريعًا إلى عرش دلهي. وَخَلفَه عام 964هـ، 1556م ابنه أكبر.
- حكم المغول
اعتمدت ثروة الدول الهندية وأمرائها في المقام الأول وبشكل دائم، على الضرائب المفروضة على الحاصلات الزراعية التي كانت وفيرة الإنتاج. وكانت مناطق كثيرة تُزرع مرتين بل ثلاث مرات في العام.
وقرر أكبر ووزير ماليته العمل على إعادة النظر في النظام الضريبي على الأرض وربطه بالإدارة الإمبراطورية. وأوجد أكبر نظامًا إداريًا جديدًا عُرف بجاجيرداري. ويعتمد على توزيع إقطاعات من الأرض على الموظفين العسكريين أو المدنيين المسؤولين في المقاطعات لفترات محدودة. ويقوم هؤلاء باستثمارها وإعداد عدد من الفرسان يتلاءم ومساحة الأرض المخصصة له. ويدفع المستثمرون نيابة عن الدولة رواتب أولئك الموظفين العاملين لديهم من حصتهم التي يوفرها لهم نظام الجاجيرداري.
وقد أتاح هذا النظام تشكيل وحدات من الفرسان كانت تشكل في مجموعها الجيش المغولي النظامي. ويتم نقل الموظفين من مكان لآخر، مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات الأمر الذي يحول دون تملُّكهم الأرض لمنافع شخصية.
وساعدت تلك الإصلاحات في توفير الثروة لمغول الهند إضافة لوجود توسع تجاري كبير أسهم في بناء العديد من المدن والقرى وتزايد الإنتاج.
- مجلس السلطان بابار مؤسس الإمبراطورية المغولية
- أباطرة المغول المتأخرون
خلف أكبر كلُ من جهانجير (1605-1627م) وشاه جهان (1628-1658م) وأورنغزيب (1658- 1707م). ووصلت إمبراطورية المغول في عهدهم إلى درجة عالية في السياسة والقوة العسكرية.
تميز شاه جهان بدعمه للفنون، وخاصة العمارة. وبنى في أكرا أشهر أثر تذكاري، هو تاج محل، قبرًا لزوجته المحبوبة الملكة التي تُوفيِّت صغيرة. انظر:تاج محل. وبنى مدينة جديدة أيضًا بالقرب من دلهي القديمة. ونقل العاصمة من أكرا إليها. لكن سنواته الأخيرة عكرتها أحداث التمّرد التي نظمها ولده أورنغزيب.
قتل أورنغزيب إخوته الثلاثة الآخرين بمن فيهم ولي العهد دارا شكوه، وطرد شاه جهان الإمبراطور الحاكم واستولى على العرش. وكان حكمه أطول حكم في السلالة المغولية. وكان مسلمًا ملتزمًا. ووفرت له إمكاناته بصفته جنديًا وسياسيًا تحقيق الكثير من النجاح على الصعيدين السياسي والعسكري. إلا أن فتوحاته جلبت له العديد من المشكلات المؤذنة بنهاية عهده. فتكاليف الحروب الباهظة وتوزيع إقطاعات جديدة كمكافآت على القادة العسكريين، وفرض الضرائب الجديدة على مالكي الإقطاعات أدت إلى هجرة الكثيرين منهم لأراضيهم. فأُهملت الأراضي ولم تُزرع. وتمكن شيفاجي، وهو زعيم هندوسي في غربي الهند، من تكوين جيش في الستينيات من القرن السابع عشر الميلادي. وبدأ يغزو القرى والمدن المغولية. ونجح في الاستيلاء على ميناء سورات الكبير. وُعرف أتباعه بالماراتها وكانوا مقاتلين أشداء استولوا على جميع القلاع الحصينة من المغول.
ورنغزيب كان مسلما متمسكا بإسلامة. توسعت في عهدة إمبراطورية المغول ولكنة كان حاكما صارما. وهذة صورة صغيرة لة في مرحلة متقدمة من حياتة
الإمبراطورية بعد أورنگزب
واجهت إمبراطورية المغول إثر وفاة أورنگزب عام 1119هـ، 1707م صعوبات جمة. وبحلول عام 1143هـ، 1730م لم يعد للإمبراطورية إلا الولاء الاسمي فقط من حكام المقاطعات الذين كانوا مستقلين على جميع الأصعدة.
وجاءت الضربة الأخيرة لإمبراطورية المغول عام 1152هـ، 1739م على يد الفاتح الأفغاني الفارسي نادر شاه الذي غزا الهند واستولى على دلهي.
- الهند الدراڤيدية
بينما كانت هذه الأحداث والتطورات تجري في الشمال، فإن الجنوب بقي محافظاً على أوضاعه المعهودة وفي منأى عن التأثيرات والغزوات الخارجية وصار حصناً منيعاً للهندوسية، هنا حافظت حضارة الهندوس التقليدية على أصالتها العرقية والثقافية والدينية ،ولم تتمكن البوذية من ترسيخ أقدامها.
كانت تسود في هضبة الدكن سلالة أندرا Andhra (أو ستاكاني) الدرافيدية منذ القرن الأول قبل الميلاد فأقامت مملكة كبيرة امتدت سيطرتها التجارية في القرن الثاني الميلادي من بحر عمان إلى خليج البنغال، ثم بدأت تضعف وانقسمت إلى عدة أسر حاكمة.
وفي القرن الرابع نهضت أسرة بالاڤا Pallava وجعلت مدينة كانتشي Kanchi مركزاً لمملكة واسعة استمرت مئات السنين ورعت طبقة البراهمة، وظهر في مجال الفن والعمارة نمط هندوسي درافيدي متميز بلغ ذروته في المعابد الضخمة والرسوم الصخرية. وقد أسهمت هذه الأسرة في نشر الحضارة الهندية في جنوب شرقي آسيا.
أما عن صلات الهند مع الغرب فكانت تتم خاصة عن طريق الشواطئ الجنوبية الغربية وعلى رأسها ميناء موزيريس Moziris. وتتحدث الروايات عن وصول بعثة هندية إلى سورية لمقابلة الامبراطور الروماني اغسطس عام 20ق.م، وبعد اكتشاف مواعيد هبوب الرياح الموسمية انتظمت الصلات البحرية بين المشرق العربي والهند وتوطدت حتى إنه كانت تبحر كل سنة 120 سفينة من موانئ مصر والبحر الأحمر متوجهة إلى الهند وهي تحمل المنسوجات والزجاج والمعادن والخمور وغيرها وتعود محملة بالعطور والتوابل والجواهر والعاج والحرير الصيني. وقد عثر في جنوبي الهند على شواهد مختلفة ومنها كنوز من النقود الذهبية والفضية الرومانية تدل على عظم التجارة الهندية مع الغرب وأقطار المشرق العربي.
- التشكيل الاجتماعي الطبقي
في الفصل الرابع من الكتاب (المظهر الاجتماعي)، يقول المؤلف إن مرجع التشكيل الاجتماعي الطبقي الهندي هو الفكر الديني الفيدي والهندوسي عموماً، الذي هو بمثابة المنظّم الداخلي العميق للمجتمع الهندي.
وقد ظهرت أول ضوابط الدين والمجتمع في الهند مع كتب المعارف (الفيدا) الأربعة التي كان جوهرها فلسفة وحدة الوجود Pantheism التي ترى أن الإنسان يمكنه أن يتعرف على وحدة الوجود داخله ويصل إلى وعي ذاته ووعي الإله براهما عن طريق التقشف والتطهر وتحرير النفس من الذنوب والفساد. وكل هذا يتطلب المعرفة بالمخلوق الأول للتشريع والقانون الإلهي (دارما)، والذي يسمّى (مانو)؛ وهذا يتطلب أن يقوم كهنة براهما بتعليمه للناس وإطاعة هؤلاء أوامرهم. وهكذا تم التمسك بالعلاقات الاجتماعية من خلال (المقدّس) ولصالح طبقة المقدس، وهم البراهما التي هي أعلى طبقة في المجتمع؛ فهي أعلى من الملك ومحاربيه. وهؤلاء يعلّمون كتب المعارف (فيدا) والـ(دارما) ويطبّقون الـ(مانو).
أما طبقات المجتمع الهندي فهي:
البراهمة (براهما Bhramin): وهي طبقة الكهنة والمتعلمين، ويمثّلون رأس براهما وحكمته وقوّته وعقله ووجهه؛ يقرأون كتب الفيدا المقدّسة ويعلّمونها للناس.
الكشتاريون (كشتاريا Kshataryia): وهم طبقة الملوك والمحاربين؛ فهم يمثّلون الجهة التي تنفّذ إرادة الآلهة. ولذلك هم مخلوقون من ذراعي براهما؛ وأهم واجباتهم حماية البلاد والناس.
الفيشاويون (Vaishya) (فيزيا، فايشيا): وهم التجّار وملاك الأرض ويسمّون الفيشاش؛ ومهمتهم توفير الطعام وحراسة أمنه وتوفيره للمجتمع، وتأمين الرخاء والعيش الكريم له.
الشودرا Sudra: وهم عامة الشعب، وهم أقرب إلى العبيد والخدم لأن مهمتهم الخدمة وإنجاز ما يؤمرون به من قِبل الطبقات الثلاث الأولى.
باريا Pariah: ويسمّون الهرج Harigans؛ كما يسمّون أبناء الآلهة، و(المحظور لمسهم) Untouchable أو الأنجاس؛ وهم المنبوذون. والمقصود بأبناء الآلهة أنهم مخلوقون من قِبل الآلهة الأخرى من غير براهما... أي تلك التي يتعبدونها هم؛ وهؤلاء لا يُعتبرون طبقة اجتماعية.
ورغم أن هذا التقسيم الطبقي الجائر قد أوجد تناحراً حاداً بين مكوّناته، وحجب الطريق أمام الكفاءات والمواهب وأفقد المجتمع العدالة، إلاّ أنه يبدو راسخاً بقوة بين الهنود لأنه من جذور دينية قوية.
وقد حاول المهاتما غاندي أن يزحزح هذا النظام (التقسيم الطبقي)، لكنه فشل بسبب تأصل عقيدة النظام وصورته في أعماق المجتمع الهندوسي.
وحول البيت والأسرة والمرأة، يقول المؤلف إن الهنود كانوا يهتمون بالنسل وإنشاء الأسرة على أساس دافع ديني راسخ؛ وكانت الأسرة أبوية الطابع. أما المرأة الهندوسية فلم تكن تتمتع بحقوقها، وكانت خاضعة لسيطرة الأب وهي طفلة، وللزوج وهي شابة، وللابن الأكبر وهي أرملة؛ ولم تكن تعمل وليس لها حقّ المطالبة بحريّتها.
وكان الهنود يفضّلون ولادة الذكور على الإناث لأسباب تتعلق بالعمل وإعانة الأسرة. وكان الهنود يقومون قبل ولادة أبنائهم بمجموعة من الطقوس ذات الطابع السحري.
في مجال القضاء، يشرح المؤلف قوانين مانو Manu, Manou، وهي قوانين دينية (شريعة) هندوسية تُنسب لمانو أو ملوك الهند الخرافيين بعد الطوفان الذي يزعمون أنه تلقاها وحياً من (براهما)؛ وهي القوانين التي رُسمت للتقسيم الطبقي في الهند.
أما عن الخمر، فقد ضمّت جميع كتب الفيدا إشارات عن النبيذ كمشروب روحي؛ لكن المشروب المسكر في الأزمان القديمة تلك كان هو (سوما) الذي ذُكِر في كتب الفيدا أنه نزل من السماء بواسطة طائر بجناحين ذهبيين.
وبشأن الجنس، فتتمثل ريادة الهند في حقل الحب والجنس أنها حوّلتهما إلى حقل علمي وفلسفي، وأنها عرضت التربية الجنسية من خلال الأدب والفن بالكثير من البراعة والاتقان. وتحفل نصوص الفيدا بالحديث عن الحب والجنس وبنصوص الصلوات المتضمنة لذلك؛ وكان الإله كريشنا يمثّل الإله الحسّي بامتياز.
وكان الزواج بامرأة واحدة هو القانون السائد في طبقات العامة. أما الطبقات الحاكمة فكانت تجيز الزواج بأكثر من امرأة تحت حجّة الحفاظ على نسل الحكّام وتوارثهم للسلطة.
- الديانات في الهند
في الفصل السادس (المظهر الديني)، يورد المؤلف في البداية أعداد أفراد الديانات الموجودة في الهند، وأكبرها الهندوسية، التي يبلغ عدد أفرادها نحو مليار نسمة (966.3 مليون)، والإسلام (172.2 مليون) والمسيحية (27.8 مليون) والسيخ (20.8 مليون) والبوذية (8.4 مليون).
ويُفرد المؤلف مساحة واسعة في كتابه للحديث عن تاريخ الديانة الهندوسية، حيث يرى الهنود أنها ليست ديانة بالمعنى المألوف، بل هي (طريقة حياة)، كونها هضمت عبر تاريخها الطويل، كل التبدلات والتحوّلات والمؤثرات التي مرّت بها وأعادت نشرها في داخل عقائدها وتكوينها.
ومعروف أن جذور الهندوسية المبكرة تعود إلى الديانة الدرافيدية التي سبقتها في وادي السند. فقد أعادت الهندوسية، في بواكيرها، تركيب الديانة الدرافيدية وآلهتها بما يتوافق مع طبيعة الشعب الآري الذي ظهر في الهند لكي يتحول تدريجياً إلى شعب هندوسي يتجاوب مع معطيات بيئته الجديدة.
أما المكوّنات الرئيسة للدين الهندوسي، فيعدّدها ويشرحها المؤلف ضمن عناوين عدة، تشمل: الألوهية بين: التعدد، والتفريد، والتوحيد، حيث لا يمكن فهم التوحيد الهندوسي إلا من خلال وحدة الوجود؛ فمثلاً، اليوغا Yoga (الاتحاد) هي طريقة للخلاص الطوعي للإنسان حين يحاول الوصول إلى الحقيقة أو الاتحاد بالإله؛ وتعني وضع القيود؛ وهي رياضة صارمة.
أما النصوص والكتب الهندوسية، فتنقسم إلى قسمين رئيسيين هما:
1 – شروتي، وهي الكتب والنصوص الدينية.
2 – سمريتي، وهي الكتب والنصوص الدنيوية.
بعد ذلك يشرح المؤلف بعض الأساطير والطقوس الهندوسية، والتي تتضمن الطقوس اليومية وطقوس المناسبات والطقوس الدورية والأعياد وعناوين أخرى ذات صلة.
- الثقافات الهندية
في الفصل السابع (المظهر الثقافي)، أورد المؤلف معطيات كثيرة شملت: اللغات الهندية، الكتابات الهندية، الأدب الهندي، الفلسفة الهندية. ومن أبرز تلك المعطيات:
الهند هي الأكبر ثقافياً ولغوياً وتاريخياً ومن حيث الوجود الجغرافي، بعد القارة الأفريقية. وهي موطن فصيلتين لغويتين أساسيتين هما:
- الهندية الآرية (وهي من بقايا اللغة السنسكريتية، ويتحدث بها حوالى 74% من السكان).
- الدرافيدية: وهي من بقايا لغة السكان الأصليين للهند وحضارة السند، وهم الدرافيديون، ويتحدث بها حوالى 24% من السكان.
إذا كانت (الحكمة) سمة من سمات الإنتاج الفكري الشرقي، فإن الحكمة الهندية تخطّت المستوى التقليدي الشرقي وتحولت إلى فلسفة عميقة بأدق معاني الكلمة. وإذا كانت الحكمة المصرية مصدراً أساسياً من مصادر الفلسفة الإغريقية، فإن الفلسفة الهندية كانت المصدر الثاني الذي تتكشف أهميته يوماً بعد يوم.
بعد الاستعمار الأوروبي للهند ظهرت تغيرات عميقة في المجتمع الهندي صاحبتها تغيرات ثقافية طالت كل جوانب المعرفة، ومنها الفلسفة. وقد نشأت الفلسفة الهندية الحديثة بفلاسفة كبار جدد، مثل: طاغور، محمد إقبال، نيجاماندا.
أما أبرز الصفات المميّزة للفلسفة الهندية، فهي:
فلسفة مبكرة نشأت من رحم الديانة الهندوسية ولم تنفصل عن الدين، بل ظلّت مرافقة له باعتبارها وجهاً آخر للخلاص العقلي المرافق للخلاص الروحي.
فلسفة تطبيقية في مجال الميتافيزيقيا ومشكلاتها بقدر ما هي تلامس التفاصيل الواقعية؛ فهي فلسفة روحية واقعية إن صحّ التعبير.
تقترب في طبيعتها من الفلسفة الهيلينستية وتياراتها التي مزجت بين الدين والفلسفة، وأنتجت ألواناً فلسفية لمعالجة المشكلات العملية.
الطابع الأساسي للفلسفة الهندية هو الفكر الروحي الذي يعتني بالتواصل الروحي مع الكون.
الجانب الدنيوي أو الحياتي في الفلسفة الهندية يتركز في (الأخلاق) الذي هو مبحث أساسي فيها، وهو قاعدة تكوينها الاجتماعي.
النزعة الباطنية للفلسفة الهندية جعلها تهتم بالحياة الداخلية للإنسان أكثر من اهتمامها بالعالم الخارجي والمادي.
الزهد هو الجامع الأساسي بين تيارات الفلسفة الهندية، والذي حث على عدم التعلق بشيء؛ وهو ما ينتج الاكتفاء ومن ثم الانعتاق (موشكا)، ثم النيرفانا (الفناء)، وهو التحرر النهائي من دورة التجسد (سمسارا).
الفلسفة الهندية أقدم وأطول وأعرق تراث فلسفي أنتجه الإنسان، ولا يجوز مقارنته بالتراث الفلسفي الغربي لأن لكل منهما طريقته في فهم الإنسان والعالم والروح.
- العلوم في الهند
برع الهنود في العلوم الطبيعية بمختلف مجالاتها، و العلوم الإنسانية التي تشمل التربية والتعليم والقانون والفكر الجغرافي وعلم السياسة، و العلوم السحرية التي اشتهر بها الهنود طوال تاريخهم. ومن المعطيات المهمة في هذه الأنواع الثلاثة من العلوم في الهند:
- استعمال الصفر بشكله الصريح هو من المساهمات الكبرى للرياضيات الهندية.
- أعطت الهند للبشرية أعظم علماء الرياضيات في التاريخ، مثل: أيابهاتا، براهماغوبتا، مهافيرا.
- ابتكار التفاضل والتكامل قبل قرنين من ظهوره في الغرب.
- ظهرت الأرقام الهندية (مع الصفر) بسيطة واضحة تتبع النظام العشري، وانتقلت إلى إيران وعرفها العرب حين فتحوا إيران، وانتقلت إلى أرجاء الدولة العثمانية ومنها إلى الغرب، وقد عُرفت بـ(الأرقام العربية) وحلّت محلّ الأرقام الرومية.
- تعتبر اليوغا نظاماً من التمارين التي تُغذي الجسد والعقل والروح، وهي أحد التقاليد العريقة في القدم في الديانة والفلسفة الهنديتين.
- وُجد السحر الهندي بكافة أشكاله، وخصوصاً في الهندوسية والبوذية. فهناك السحر الأبيض للأعمال المفيدة، وهناك السحر الأسود المؤذي. ولكن السحر الشعبي الشائع يعتمد أغلبه على خفة اليد والخدعة وترويض وتدريب الحيوانات، وخصوصاً الأفاعي.
- أصبح التنجيم الهندوسي الحديث جزءاً من المعتقدات الشعبية في الهند الحديثة والمعاصرة. فما زال الكثير من الناس يعتقدون أن للنجوم والكواكب أثرها على حياة الناس.
- الفنون
هناك الفن الدرافيدي، والفن الهندوسي القديم، والفن البوذي؛ فضلاً عن الرسم والفنون الصغرى.
الحضارة الفيدية أقدم حضارة هندية أصيلة، كما دلّت آثارها المكتشفة في منطقتي (موهنجو دارو) و(هرّابا) في وادي نهر السند.
رغم اختفاء حضارة نهر السند القديمة، لكن الحضارة الهندية استمرّت على يد الآريين الذين بعثوا فيها روحاً جديدة من خلال الدين بشكل خاص، حيث دخلت ترانيم الفيدا المقدسة كشكل جديد من أشكال العبادة، والتي توجهت أولاً إلى الآلهة التي تشير إلى قوى الطبيعة، مثل (إندرا إله الحرب الذي يرمز إلى الرعد)، و(سوريا إله الشمس)، و(فارونا إله السماء).
احتضنت الهند ميلاد (بوذا) في حدود 500 ق.م. وظهرت الديانة البوذية التي تُغنى بالروح والمثالية وذات النظام الديمقراطي والمعادية لتقسيم المجتمع إلى طبقات.
الرسم أو التصوير الهندي فن عريق، وقد بدأ بفن الصخور. والنقوش والرسوم التي ظهرت على الكهوف والملاجئ الصخرية في بمبكتا منذ ما يقرب من 30 ألف سنة؛ وتمثّل كهوف أجانتا أهم الكهوف واللوحات التي صمدت بوجه الزمن.
أعطت الديانة الهندوسية أهمية كبيرة للموسيقى. ففي الأساطير الهندية يرتبط كل إله بنوع معين من الآلات الموسيقية. وقد اعتُبرت الموسيقى مصدراً أساسياً للثقافة الهندية القديمة.