أمراء الجحيم السبعة قراءة درامية في علم الشياطين والأساطير الشرقية

أمراء الجحيم السبعة قراءة درامية في علم الشياطين والأساطير الشرقية
المقدمة لم يكن الجحيم يومًا مجرّد فكرة لاهوتية جامدة، بل كان مسرحًا أسطوريًا يُجسّد أعمق مخاوف الإنسان وأشدّ رغباته ظلامًا. في طيات الميثولوجيا واللاهوت، تتجسّد أمراء الجحيم السبعة، أولئك الكائنات التي حملت على عاتقها رموز الخطايا الكبرى، وجعلت من الظلمة لغةً موازية للنور، ومن الخطيئة مرآةً للفضيلة. من المسيحية في عصورها الوسطى، إلى حضارات وادي الرافدين، يتنقّل هذا التصور ليُشكّل حوارًا دراميًا بين الإنسان والقدر، بين الملائكة والشياطين، بين النعيم والهاوية. أمراء الجحيم السبعة في اللاهوت المسيحي حين وضع اليسوعي بيتر بينسفيلد (1589) قائمته الشهيرة، لم يكن يصف وحوشًا أسطورية وحسب، بل كان يرسم خريطة لظلال النفس البشرية. ربط كلّ شيطان بخطيئة مميتة، وكأنهم أوتاد سوداء تشدّ الروح إلى الأرض: • إبليس (لوسيفر) – الكبرياء: السقوط الأبدي من نور الملائكة إلى هاوية الظلمة. • مامّون – الطمع والثروة: تجسيد لجشع لا يعرف شبعًا. • أسموديوس – الشهوة والرغبة: نار لا تنطفئ، تحرق القلب والعقل. • شيطان – الغضب: صرخة تتفجر في العدم، هدامة ومدمّرة. • بعلزبول (بعل) – الشراهة: جوع أبدي لا يُروى. • لوياثان – الحسد: التواء الأفعى في صدر الإنسان، سمّ يتسلل في الخفاء. • بلفيجور – الكسل والغرور: سبات الروح، وغرور يجمّد الحياة. بهذا التصنيف، غدا الجحيم مسرحًا ملحميًا تمثّل فيه الشياطين الأهواء البشرية، في مواجهة الملائكة الذين يرمزون للنور والسمو. العالم السفلي في الميثولوجيا السومرية – "إركالا" في أرض الرافدين، لم يكن العالم السفلي نارًا ولا عقابًا، بل ظلًّا باهتًا للحياة. هناك، في إركالا (أو كور بالسومرية)، تهبط الأرواح في رحلة لا عودة منها. حكّام إركالا • إريشكيجال: سيدة العالم السفلي، ملكة العزلة والظلال. • نيرغال: إله الموت، الذي أغواها فصار قرينها، في ثنائية تُشبه حكاية هاديس وبيرسيفوني في الأساطير اليونانية. طقوس الدخول عبر البوابات السبعة لم يكن الموتى يعبرون إلى إركالا إلا بعد أن يتجردوا، بابًا بعد باب، من كلّ زينة ولباس. كل بوابة تُسقط عنهم قطعة من الدنيا، حتى يصلوا عراة، كأطياف صامتة، إلى عرش إريشكيجال. إنه تعرّي الروح أمام الأبدية، لا عقاب فيه ولا نعيم، بل فراغ أبدي. طبيعة الحياة في إركالا لم تكن هناك نار ولا جنة، بل صمت كثيف. الأرواح تعيش حياة رمادية، كأنها صدى باهت لما كان فوق الأرض. عزلة مطلقة، وظلال لا تلامس النور. مقارنة بين التصورات الدينية والميثولوجية • المسيحية: الجحيم عقوبة أبدية، والشياطين تجسيد للخطايا. • الميثولوجيا السومرية: إركالا دار صمت، بلا عذاب ولا مكافأة، بل نسخة داكنة من الحياة. • اليونان القديمة: هاديس مقام الأرواح، وتارتاروس وادٍ للعقاب، تمايزت فيه الوظائف بين الإقامة والعذاب. أسماء العالم السفلي تعددت الأسماء وتكاثرت الظلال: • سومرية: كور، كورنوجيا (أرض اللاعودة)، كوكّو (الظلام)، غانزير، آرالي. • أكادية: إركالا، إيرشتو، بيت دموزي، قاقّارو، ماتو شابليتو. هذا التنوّع ليس مجرد لغات مختلفة، بل شهادة على ثراء المخيلة الإنسانية في رسم مصائر الأرواح. الخاتمة بين أمراء الجحيم السبعة في المسيحية وإركالا في أساطير السومريين، تنكشف الدراما الكبرى للوعي الإنساني. الجحيم، مهما اختلفت صوره، ظلّ مرآة تعكس قلق الإنسان أمام الموت، ورغبته في فهم الخطيئة، وحلمه بالخلاص. إنه ليس مكانًا جغرافيًا بقدر ما هو رمز لصراع الإنسان مع نفسه، بين الكبرياء والانكسار، بين الرغبة والفناء، بين الحياة وظلّها الأبدي.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال