الغزو العثماني لمصر:
دراسة تاريخية في سقوط الدولة المملوكية
وتحوّل مصر إلى ولاية عثمانية
الفهرس
• المقدمة
• أولاً: خلفية الغزو العثماني
1. الوضع الداخلي في مصر
2. التحديات الخارجية
3. معركة مرج دابق (1516م)
• ثانياً: معركة الريدانية وسقوط القاهرة
• ثالثاً: نهب العثمانيين لمصر
• رابعاً: خطة العثمانيين لإضعاف مصر
• خامساً: المظالم وتغيير العادات
• سادساً: المقاومة المصرية
• الخاتمة
• الهوامش والمراجع
المقدمة
يُعدّ الغزو العثماني لمصر عام 1517 بقيادة السلطان سليم الأول حدثًا مفصليًا في التاريخ المصري، إذ أنهى حكم الدولة المملوكية الذي استمر قرونًا، وحوّل مصر إلى ولاية عثمانية تابعة للعاصمة إسطنبول. وقد ترك هذا التحول آثارًا سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، وصفها بعض المؤرخين بأنها بداية “العصر المظلم” في مصر.
أولاً: خلفية الغزو العثماني
1. الوضع الداخلي في مصر
عانت مصر قبيل الغزو من اضطرابات سياسية وصراعات داخلية أضعفت الدولة المملوكية. تراجع الاقتصاد بفعل انخفاض الموارد وتدهور طرق التجارة، ما جعلها أقل قدرة على مواجهة الأخطار الخارجية.
2. التحديات الخارجية
تزامنت هذه الأزمات مع صعود قوى إقليمية جديدة:
• الدولة الصفوية في إيران بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي ونشر المذهب الشيعي.
• الدولة العثمانية في الأناضول، التي توسعت على حساب البيزنطيين والإمارات التركية.
• البرتغاليون الذين سيطروا على طرق التجارة البحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما أضر بالاقتصاد المصري.
3. معركة مرج دابق (1516م)
قاد السلطان المملوكي قنصوه الغوري جيشه لمواجهة العثمانيين قرب حلب، لكن الجيش هُزم هزيمة ساحقة، وقُتل الغوري أو مات فجأة أثناء المعركة. فتحت هذه الهزيمة الطريق أمام العثمانيين للتقدم نحو مصر.
ثانياً: معركة الريدانية وسقوط القاهرة
تولى السلطان الأشرف طومان باي الحكم بعد وفاة الغوري، وحاول مقاومة الغزو. إلا أن معركة الريدانية قرب القاهرة (يناير 1517) انتهت بانتصار العثمانيين. دخل سليم الأول القاهرة في 26 يناير 1517، وبدأت عمليات النهب والتدمير. أُسر طومان باي وأُعدم شنقًا على باب زويلة، لتسقط الدولة المملوكية نهائيًا.
ثالثاً: نهب العثمانيين لمصر
• اقتحم الجنود البيوت والجوامع والمدارس، وأحرقوا الكثير منها.
• انتشرت المجازر، وقُدّر عدد القتلى بعشرات الآلاف.
• نُهبت الغلال والمواشي، وسُرقت المخطوطات، ورُحِّل العديد من العلماء والصناع إلى إسطنبول.
• نُقلت الآثار النبوية والخليفة العباسي المتوكل على الله إلى إسطنبول، ما أفقد مصر مكانتها الدينية والسياسية.
وصف المؤرخ ابن إياس ما جرى قائلاً:
"ما خرج ابن عثمان من مصر حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها."
رابعاً: خطة العثمانيين لإضعاف مصر
1. تعيين والٍ عثماني يحكم باسم السلطان (أولهم خاير بك).
2. تقسيم القوة العسكرية إلى "وجاقات" مثل الانكشارية والشراكسة.
3. فرض ضرائب باهظة ونهب مستمر للموارد.
4. التدخل في القضاء بتعيين القاضي الحنفي فقط وفرض رسوم جديدة.
خامساً: المظالم وتغيير العادات
• فرض قيود على الحياة الاجتماعية، مثل حظر التجول بعد المغرب.
• انتشار جرائم خطف النساء والأطفال.
• "عثمنة" النظام الاقتصادي عبر أوزان ومقاييس جديدة.
• حادثة قتل الكلاب وتعليقها على أبواب المتاجر، ما أثار الذعر بين الناس.
سادساً: المقاومة المصرية
رغم القمع الوحشي، شهدت مصر عدة صور من المقاومة:
• صمود طومان باي حتى إعدامه (أبريل 1517).
• تمردات المماليك والعربان ضد الاحتلال.
• مقاومة العلماء والفقهاء للاعتداء على المؤسسات الدينية.
الخاتمة
أسفر الغزو العثماني عن سقوط الدولة المملوكية وانحسار مكانة مصر السياسية والحضارية لثلاثة قرون. تعرضت البلاد للنهب والتراجع الاقتصادي والاجتماعي، وانعزلت عن حركة النهضة الأوروبية. وبرغم بقائها مركزًا استراتيجيًا في السلطنة، فقدت مصر استقلالها حتى بروز محمد علي باشا في مطلع القرن التاسع عشر.
الهوامش والمراجع
1. ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984.
2. الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القاهرة: دار الكتب المصرية.
3. أحمد شلبي، التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1972.
4. علي الصلابي، الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط، بيروت: دار المعرفة، 2006.
5. Stanford Shaw, History of the Ottoman Empire and Modern Turkey, Cambridge University Press, 1976.