الإصلاح الجنسي
(العلاج التحويلي): دراسة نفسية طبية
المقدمة
يُستخدم مصطلح الإصلاح الجنسي أو ما يُعرف بـ العلاج التحويلي للإشارة إلى محاولات تغيير التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية للفرد من المثلية إلى المغايرة (Heterosexual) عبر أساليب علاجية أو شبه علاجية. ورغم تداول هذه الممارسات في الطب النفسي والتدخلات السلوكية منذ منتصف القرن العشرين، إلا أنها تُعد اليوم مثار جدل واسع نظرًا لغياب الدليل العلمي على فعاليتها، ولما تسببه من أضرار نفسية واجتماعية خطيرة. وقد حذّرت منظمات طبية دولية عديدة من خطورة هذه الممارسات وعدّتها انتهاكًا لحقوق الإنسان.
أولًا: تعريف العلاج التحويلي
• يشير إلى تدخلات نفسية أو طبية أو دينية تهدف إلى تغيير التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية.
• تشمل أساليبه: العلاج النفسي، العلاج السلوكي بالنفور (Aversion Therapy)، العلاج الهرموني، الصدمات الكهربائية، التنويم المغناطيسي، بل وحتى التدخلات الجراحية (مثل استئصال الفص الجبهي أو الإخصاء).
• يُجمع الخبراء على أن هذه الممارسات لا تُحقق أهدافها، بل تؤدي إلى آثار جانبية سلبية طويلة المدى مثل الاكتئاب، القلق، وتعاطي المخدرات.
ثانيًا: "الإصلاح الجنسي" كمصطلح
• استُخدم مصطلح الإصلاح الجنسي كمرادف للعلاج التحويلي، خصوصًا في السياقات الدينية أو الأخلاقية.
• يشير مفهوم "الإصلاح" إلى محاولة "تصحيح" الفرد من خلال تغيير توجهه الجنسي، وهو ما اعتُبر غير علمي ومضلل.
• المنظمات المهنية تفضل مصطلح "العلاج التحويلي" أو "ممارسات التحويل" (Conversion Practices) للتأكيد على أن الأمر لا يحمل أي صفة علاجية.
ثالثًا: التطور التاريخي
1. التحليل النفسي:
o رأى سيغموند فرويد أن المثلية الجنسية شكل من أشكال "النمو المتوقف"، بينما اعتبر ساندور رادو أنها نتاج تربية غير كافية.
o اعتمد محللون نفسيون لاحقون على هذا التوجه لعلاج المثليين عبر تحليل الصدمات الطفولية.
2. علم الجنس الأكاديمي:
o خالف ألفريد كينسي هذا الاتجاه، ورأى أن المثلية الجنسية تباين طبيعي في السلوك البشري.
o عام 1973، أزالت جمعية الطب النفسي الأمريكية المثلية من تصنيف الاضطرابات النفسية، مما شكّل نقطة تحول جوهرية.
3. استمرار الممارسات:
o رغم الرفض العلمي، واصل بعض النشطاء المحافظين دينيًا واجتماعيًا ترويج العلاج التحويلي.
o عام 2001، نُشرت دراسة لروبرت سبيتزر ادّعت إمكانية التغيير، لكنها تعرضت لانتقادات واسعة، وتراجع عنها مؤلفها لاحقًا.
رابعًا: تقنيات العلاج التحويلي
• العلاج بالنفور: استخدام الصدمات الكهربائية أو الأدوية المسببة للغثيان لربط الانجذاب المثلي بالألم.
• الجراحة: شملت عمليات استئصال الفص الجبهي أو الإخصاء الجراحي والكيميائي، والتي وُصفت لاحقًا بأنها ممارسات تعذيب.
• التنويم المغناطيسي: استُخدم منذ القرن التاسع عشر، دون نتائج علمية مثبتة.
• العلاج النفسي التحليلي: ركّز على الصدمات اللاواعية، لكن نتائجه كانت محدودة ومتحيزة.
• العلاج الاستكشافي للجندر (GET): يُمارس في بعض السياقات المعاصرة، ويركز على تأجيل أو منع التحول الاجتماعي والطبي للمتحولين جنسيًا.
خامسًا: الدوافع
• الدوافع الدينية: غالبًا ما يُفرض العلاج التحويلي من قبل أسر أو جماعات دينية محافظة ترى المثلية "خطيئة".
• الدوافع الاجتماعية: بعض الأسر تدفع أبناءها، خصوصًا المراهقين، للخضوع لهذه الممارسات تحت ضغط مجتمعي.
• الدوافع الثقافية: استمرار الصور النمطية حول "الطبيعي" و"غير الطبيعي" في قضايا الجنس والهوية.
سادسًا: التأثيرات والانعكاسات
• فشل العلاج التحويلي في تغيير التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية.
• ارتفاع معدلات الاكتئاب، تعاطي المخدرات، ومحاولات الانتحار بين الخاضعين له.
• الشعور بالذنب والخزي، وتفاقم الاغتراب النفسي والاجتماعي.
• وصفته منظمات طبية وحقوقية بأنه تعذيب أو شكل من إساءة معاملة الأطفال (خصوصًا عند تطبيقه على القاصرين).
سابعًا: الموقف الطبي والقانوني المعاصر
• المثلية الجنسية والاختلاف الجندري يُعتبران جوانب طبيعية من التنوع الإنساني.
• أصدرت العديد من الدول تشريعات تُجرّم العلاج التحويلي وتمنع ممارسته خصوصًا على القُصّر.
• توصي الجمعيات الطبية بالتركيز على الدعم النفسي والرعاية المؤكدة للهوية الجندرية بدلًا من محاولات التغيير.
الخاتمة
إن ما يُسمى "الإصلاح الجنسي" أو "العلاج التحويلي" ممارسة غير علمية وخطرة، ترتبط بخطابات دينية أو اجتماعية أكثر من ارتباطها بالطب النفسي القائم على الدليل. لا تُحقق هذه الممارسات أي نتائج علاجية، بل تخلّف آثارًا نفسية مدمرة، وهو ما يجعلها شكلًا من أشكال الانتهاك النفسي والجسدي لحقوق الإنسان. إن الموقف العلمي والسريري المعاصر يتبنى الاعتراف بالتنوع الجنسي والجندري باعتباره جزءًا طبيعيًا من التجربة الإنسانية، مع رفض أي تدخل يهدف إلى تغييره قسرًا.