اضطراب النفضة:
دراسة طبية – نفسية – اجتماعية
المقدمة
يمثل اضطراب النفضة (Tic Disorder) أحد الاضطرابات العصبية–النمائية التي تتجلى في صورة حركات أو أصوات لاإرادية متكررة، تتراوح بين الظواهر البسيطة والعابرة مثل النفضة النومية (Hypnic jerk) وبين الاضطرابات المعقدة كمتلازمة توريت. تكمن أهمية دراسة هذا الاضطراب في كونه ظاهرة تقع على الحدود بين الطب العصبي والنفسي والاجتماعي، حيث تتداخل العوامل الجينية والبيولوجية مع الضغوط النفسية والبيئية في تكوينه واستمراره. كما أن له انعكاسات فلسفية تتعلق بطبيعة الإرادة الإنسانية وحدود الحرية أمام الاضطرار الجسدي.
أولاً: الأنواع والتصنيفات
1. النفضة النومية (Hypnic jerk)
هي انقباضات عضلية مفاجئة تحدث عند الانتقال من اليقظة إلى النوم. غالباً ما يصاحبها شعور بالسقوط المفاجئ واستيقاظ عابر. تعد ظاهرة طبيعية ولا ترتبط غالباً بمرض عصبي.
2. الرمع العضلي (Myoclonus)
يشير إلى الحركات العضلية اللاإرادية المتقطعة، وقد يظهر في سياق طبيعي أو ضمن أمراض عصبية مثل الصرع واضطرابات التمثيل الأيضي.
3. اضطرابات العَرّة (Tic Disorders)
• العرات البسيطة: حركات أو أصوات قصيرة وسريعة.
• العرات المعقدة: تشمل تسلسل حركات أو إصدار أصوات معقدة.
• متلازمة توريت: تتضمن عرات حركية وصوتية مستمرة لأكثر من عام.
ثانياً: الأسباب والعوامل المؤثرة
1. عوامل بيولوجية عصبية: اضطراب في الناقلات العصبية (خصوصاً الدوبامين).
2. عوامل جينية: وجود استعداد وراثي مثبت في الدراسات الأسرية والتوأمية.
3. العوامل النفسية: التوتر والقلق قد يزيدان من شدة النفضات.
4. البيئة الاجتماعية: التنشئة الصارمة أو البيئات المليئة بالضغوط تساهم في تفاقم الأعراض.
5. الفلسفة الطبية: يطرح الاضطراب سؤالاً عن مدى حرية الجسد أمام الوعي؛ إذ تتجسد في النفضة العلاقة الجدلية بين الإرادة والعرض اللاإرادي.
ثالثاً: المعايير التشخيصية
1. التصنيف الدولي للأمراض ICD-10
• F95.0 اضطراب نفضي مؤقت.
• F95.1 اضطراب حركي أو صوتي مزمن.
• F95.2 متلازمة توريت.
• F95.8 اضطرابات أخرى.
• F95.9 اضطراب غير محدد.
2. DSM-IV-TR
• اضطراب نفضي مؤقت (أقل من عام).
• اضطراب مزمن (أكثر من عام).
• متلازمة توريت.
• اضطراب نفضي غير محدد.
3. DSM-5 (2013)
• تم تحديث التصنيف بإزالة بعض المصطلحات (مثل "النمطي")، وتفريق أفضل بين الحركات النمطية واضطرابات النفضة.
• إدخال فئات جديدة مثل النفضات المرتبطة بالبلوغ أو الناجمة عن حالات طبية أخرى.
رابعاً: التشخيص التفريقي
يجب التفريق بين النفضات والاضطرابات التالية:
• الرقص (Chorea).
• الرمع العضلي.
• الوسواس القهري (OCD).
• اضطرابات الحركة النمطية في طيف التوحد.
خامساً: العلاج
1. العلاج السلوكي: مثل التدريب على عكس العادات (Habit reversal training).
2. الأدوية: مضادات الدوبامين (مثل ريسبيريدون) أو أدوية أخرى بحسب شدة الأعراض.
3. التدخل النفسي–الاجتماعي: دعم المريض وعائلته لفهم طبيعة الاضطراب والتقليل من الوصمة الاجتماعية.
4. الفلسفة العلاجية: يرى بعض الفلاسفة أن مواجهة النفضة تتجاوز العلاج الطبي لتشمل "التصالح مع الجسد" كجزء من الذات، لا كعدو خارجي.
سادساً: الانتشار والتأثير الاجتماعي
تشير الدراسات إلى أن اضطرابات النفضة أكثر شيوعاً لدى الذكور بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بالإناث. ويُصاب نحو 1% من الأطفال والمراهقين باضطرابات العَرّة بدرجات متفاوتة. غالباً ما تبدأ الأعراض قبل البلوغ، وتصل ذروتها في سن المراهقة.
أما اجتماعياً، فقد يتعرض المصابون للوصمة أو السخرية، مما يؤثر على تقدير الذات والتكيف النفسي والاجتماعي.
الخاتمة
اضطراب النفضة ليس مجرد حركة لا إرادية، بل هو ظاهرة تكشف التداخل المعقد بين الدماغ والجسد والنفس والمجتمع. إن فهم هذا الاضطراب يتطلب مقاربة تكاملية تجمع بين العلوم الطبية والنفسية والاجتماعية والفلسفية، بما يعزز الوعي والقبول المجتمعي ويطور التدخلات العلاجية.