حين لا تكفي الأحلام وحدها

حين لا تكفي الأحلام وحدها
لم يكن ما جرى لصديقتي لغزًا عصيًّا على الفهم. فتاة في مقتبل العمر، مثقفة، جميلة، مرحة، خفيفة الظل، اجتمعت فيها كل الصفات التي قد تجعلها عروسًا مثالية في أعين الجميع. وقد تزوجت فعلًا من شاب على قدرٍ عالٍ من الأخلاق والثقافة، من ألمع خريجي كلية الطب، وكان في بداية مسيرة واعدة كجراح. زواج بدت له كل المؤهلات ليكون قصة نجاح مكتملة الأركان. ومع ذلك... لم يدم. بعد أربعة أشهر فقط، انهار كل شيء. كان الطلاق صفعة مدوّية، لم تطل العروسين وحدهما، بل امتدت صدمته إلى الأهل والأصدقاء والمعارف من الجانبين. سمعنا مرارًا من الجميع عبارة ترددت كأنها لازمة حزينة: "إذا لم ينجح هذا الزواج، فلن ينجح أي زواج آخر." لكنني، رغم كل شيء، لا أوافق على هذه النغمة المستسلمة. أقولها للجميع: نعم، سينجح الزواج. ليس لأن الأحلام وحدها تكفي، بل لأن من يفهم حقيقة الزواج يمكنه إنجاحه، مهما كانت بداياته صعبة. لقد فشل زواج صديقتي لا لأن الحب غاب، ولا لأن أحدًا منهما كان سيئًا، بل لأن الصورة التي دخلا بها إلى الحياة الزوجية كانت رومانسية مفرطة، حالمة، بعيدة كل البعد عن الواقع. زواج جميل، مبهج، حيوي، مليء بالمرح. كل شيء فيه كان ورديًّا. ومن فرط جماله، استسلما لحلم طويل، لم يوقظهما منه إلا ارتطام مفاجئ بجدار الحقيقة. تصورا أن الحياة الزوجية ليست سوى قُبَلٍ وهمسات وضحكات، وأن السعادة ستهبط عليهما بضغطة زر في أي لحظة يشاءان. لم يتصورا أن لتلك السعادة شروطًا وتكلفة، وأن وراء العشق تفاصيل يومية صغيرة، قد تكون مرهقة ومليئة بالتنازلات. ما إن بدأت صديقتي تهتم بشؤون بيتها، واضطر هو للانصراف إلى عمله، حتى تسلل الوهم إلى عقليهما: "لقد تحطّم الحلم الجميل ." "لم تعد السعادة المفرطة كما تصورناها." وبدأت الاتهامات المتبادلة من الجانبين ، كل منهما يحمّل الآخر مسئولية الفاشلة التي آلى إليها حبهما ، حتى تمزق حبهما على صخرة الحياة ، حتى انتهى بهما الأمر إلى الطلاق. إن من يريد زواجًا حقيقيًا، عليه أن يتهيأ للواقع. لا كل الأيام عسل صافي، ولا كل الليالي القمرية غرام، ولا الحياة الزوجية السعيدة خلوة أبدية بين حبيبين معزولين عن العالم. من تتزوج لأجل شباب زوجها أو ماله أو مكانته الاجتماعية أو جماله ، أو هيبته ، عليها أن تسأل نفسها: هل أبحث عن شريك حقيقي يقاسمني الحياة حلوها و مرها ؟ أم عن شلال مال لا يقطع ؟ هل أريد أن أستغلّه و أجعله كالقرة الحلوب ؟ أم أشاركه أفراحه و أفراحي ، أحزاني و أحزانه؟ ذلك هو الفارق الجوهري بين التضحية والأنانية، بين الشراكة والاستغلال، بين النجاح والفشل بين الحب و اللا حب . والأمر نفسه يصدق على الرجل. من يتزوج امرأة لجمالها الباهر فقط، ويظن أنه امتلك لوحة فنية نفيسة ، سرعان ما يُصاب بخيبة أمل حين يكتشف أن اللوحة تحتاج صبرًا واحتواءً لا مجرد إعجاب ، تحتاج إلى عناية دائمة . لكن إن أدرك الرجل أن هذه المرأة ستكون أمًا لأولاده صدرا رحبا له، وشريكة عمره ، وإن رأت هي فيه أبًا ومعيلًا وصديقًا، فإن النظرة كلها تتغير. لا تعود الحياة قائمة على أحلام وردية ، بل على واقع مدروس، وتفكير ناضج، وخطط مشتركة لمستقبل طويل ، خطط من كلا الطرفين . نعم، قد تتبخر الأحلام الوردية ، وقد تنهار الأوهام التي يصنعها الخيال ، ولكن الزواج القائم على الوعي الصادق والعقل المستنير ... هو فقط ما يدوم.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال