الاعتداءات الشعائرية الشيطانية بين الذعر الأخلاقي والخرافة المعولمة

الاعتداءات الشعائرية الشيطانية بين الذعر الأخلاقي والخرافة المعولمة
يُطلق على "الاعتداءات الشعائرية الشيطانية" – والمعروفة أحيانًا بمصطلحات مثل "الاعتداءات الطقوسية"، أو "الإيذاء المنظّم"، أو "الاعتداءات السادية الشعائرية" – تسمية دالة على ظاهرة اجتماعية نفسية ودينية أثارت موجة من الذعر الأخلاقي (أو ما يُعرف بـ"الذعر الشيطاني")، وبلغت ذروتها في الولايات المتحدة خلال ثمانينيات القرن العشرين، ثم سرعان ما انتقلت إلى بلدان أخرى في أواخر القرن نفسه. المزاعم والمحتوى الرمزي والديني تضمّنت الادعاءات روايات عن اعتداءات جنسية وعنف طقوسي موجّه ضد الأطفال والنساء، قيل إنها تجري ضمن شعائر شيطانية سرّية. وتطوّرت هذه المزاعم في أكثر صورها تطرفًا إلى الحديث عن وجود مؤامرة عالمية تقودها نخب ثرية ونافذة، يُقال إنها تختطف الأطفال – أو تأمر بإنجابهم – بغرض استخدامهم قرابين بشرية أو في صناعة المواد الإباحية والدعارة. الجدل والتأثير الاجتماعي والقانوني لم ينج جانب من جوانب هذه الظاهرة من الجدل؛ بدءًا من تعريفها، مرورًا بمصادرها، وانتهاءً بالأدلة وشهادات "الضحايا" المفترضين. شملت تداعيات الظاهرة تحقيقات جنائية وقضايا محاكم مثيرة للرأي العام. وكان لهذه الظاهرة أثر عميق في تغيير منهجية تعامل المحامين، والمعالجين النفسيين، والعاملين في الشأن الاجتماعي مع قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال. وقد شارك في الترويج لهذه المزاعم طيف واسع من الفاعلين: الأصوليون الدينيون، والمحققون الجنائيون، والناشطون في حقوق الطفل، ومعالجون نفسيون، بل حتى مرضى نفسيون. ومع مرور الوقت، بدأت هذه الحركة تتخلى عن خطابها الديني المباشر، واعتمدت مصطلحات محايدة ظاهريًا، مثل "الاعتداءات السادية" و"الطقسية"، وارتبطت ارتباطًا أكبر بنظريات المؤامرة المناهضة للحكومة وبتشخيص اضطراب الهوية التفارقي. النشأة والتداول الإعلامي كان أول ظهور بارز للموضوع من خلال كتاب لورنس بازدر بعنوان "ذكريات ميشيل" (1980)، وهو سرد ذاتي يدّعي اكتشاف ذكريات مكبوتة لضحايا الاعتداءات الشيطانية. استمر تداول هذا الكتاب طوال عقد الثمانينات، ولعب دورًا كبيرًا في تثبيت الصورة العامة عن هذه الظاهرة. وانتشرت الشهادات المزعومة، وقوائم الأعراض النفسية، وتقنيات "استرجاع الذكريات المكبوتة" في المؤتمرات المهنية والدينية والعامة، كما تداولتها وسائل الإعلام، وخصوصًا برامج التلفزيون، مما عزّز الذعر ونقله من الولايات المتحدة إلى بقية أنحاء العالم. نماذج من القضايا وأثرها القضائي من أبرز القضايا التي أثارت جدلاً واسعًا قضية "ماكمارتن"، التي استغرقت أكثر من سبع سنوات من التحقيقات والمحاكمات، وانتهت ببراءة جميع المتهمين. أما في قضايا أخرى، فقد صدرت أحكام بالسجن لفترات طويلة، ثم أُعيد النظر فيها لاحقًا. ومع تفاقم الجدل، بدأ الحقل الأكاديمي يتناول المسألة بحذر، حتى تشكّلت قناعة علمية عامة في الأوساط الأكاديمية بأن الظاهرة تمثّل نموذجًا كلاسيكيًّا لما يُعرف بـ"الذعر الأخلاقي الجماعي". وقد لخّص أحد الباحثين عام 2017 هذه الظاهرة بقوله: "لقد انخرطت مئات الاتهامات في إطار تهم موجهة إلى عبدة الشيطان في ضواحي الطبقة الوسطى البيضاء في الولايات المتحدة." نتائج التحقيقات وموقع الحقيقة أظهرت التحقيقات الرسمية فقرًا شديدًا في الأدلة التي تثبت وجود مؤامرة منظمة تقوم على ذبح الآلاف كما زُعم، ولم يُعثَر سوى على حالات نادرة موثقة، كانت تحمل أوجه شبه ضئيلة مع المزاعم الواسعة الانتشار. ومع نهاية التسعينيات، بدأت الشكوك تُحاصر الموضوع، وقلّ عدد الباحثين الذين يتعاملون معه بجدية علمية أو يمنحونه أي مصداقية تُذكر. الأصول الدينية والعلمنة التدريجية للخطاب نشأت مزاعم الاعتداءات الشيطانية في سياق ديني محافظ، واتخذت منذ بدايتها شكل حملة دينية سياسية ارتبطت بصعود المسيحية الأصولية في الولايات المتحدة. فقد لعب الأصوليون المسيحيون دورًا مركزيًا في الترويج للقصص والشهادات حول طقوس "عبدة الشيطان"، كما دافع بعض المعالجين النفسيين ذوي التوجه الديني عن تشخيص اضطراب الهوية التفارقي بوصفه نتيجة "للمسّ الشيطاني". وقد مثّل كتاب ذكريات ميشيل لحظة مفصلية في تطور هذه الروايات، حيث أدى إلى تحوّل الفرضيات النفسية إلى شبه عقائد روحية تتناول الشيطان كفاعل مباشر في تكوين الهويات المتعددة لدى بعض المرضى. أسطورة الحداثة ونقد العقل الجمعي تمثّل ظاهرة الاعتداءات الشعائرية الشيطانية نموذجًا مقلقًا لتلاقي الدين، والخوف الجماعي، والسياسة، والإعلام، في إنتاج خطاب هستيري يتغذى على المجهول والأسطورة. إنها تجسيد لعجز المجتمعات الحديثة عن الفصل بين الخوف الديني والهاجس الأمني، وبين العلاج النفسي والعقيدة الغيبية. وفي ضوء غياب الأدلة الحاسمة، تبقى هذه الظاهرة مرآةً تعكس هشاشة المجتمعات في مواجهة الذعر، لا سيما حين يكون الذعر مقنّعًا بثوب العقيدة أو مدفوعًا بأجندات سلطوية أو نفسية أو إعلامية.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال