أساطير يابانية

أساطير يابانية
تتضمن الأساطير اليابانية تقاليد شنتو (Shinto) والبوذية بجانب الديانة الشعبية القائمة على الزراعة. تضم مجموعة آلهة شنتو عددًا لا يحصى من كامي (kami) اليابانية لـ"الآلهة أو الأرواح. لن يناقش هذا المقال إلا العناصر المثالية الموجودة في ميثولوجيا آسيا، مثل الكسموجوني (cosmogony)، والآلهة المهمة والقصص اليابانية الشهيرة. تقوم الأساطير اليابانية، مثل المعترف بها في التيار السائد هذه الآونة على كوجيكي (Kojiki) ونيهون شوكي (Nihon Shoki) وبعض الكتب التكميلية. تعد كوجيكي، أو «سجلات القضايا القديمة»، أقدم سجلات الأساطير والخرافات والتاريخ الياباني الذين كتب لهم البقاء. يصف شينتوشو (Shintōshū) أصل الآلهة اليابانية القديمة من المنظور البوذي، بينما يسجل هوستوما تيسيتا (Hotsuma Tsutae) نسخة مختلفة من الأساطير إلى حد كبير. من إحدى المميزات البارزة للأساطير اليابانية تفسيرها لأصل الأسرة الإمبراطورية التي استخدمت على مر التاريخ لتعيين الألوهية للجانب الإمبراطور. يعني اللقب اليابان، تينو (tennō) لإمبراطور اليابان (天皇)، «السيادة السماوية». خلق الكون أصول اليابان والكامي كونيومي وكاميومي يمكن تقسيم قصة الخلق اليابانية إلى جزئين: ولادة الآلهة (كاميومي)، وولادة الأرض (كونيومي). يبدأ مولد الآلهة مع ظهور أول جيل من الآلهة نشأ من النفط الأولي، وهم ثلاثة آلهة أنشؤوا سبيع أجيال إلهية. وفي آخر الأمر وُلد إيزاناغي وإيزانامي، وهما أخوان، استخدم إيزاناغي ناغيناتة (وهو اسم سلاح) مرصعة بالجواهر تسمّى آم-نو-نوبوكو (الحربة المجوهرة السماوية) كانت قد أهديت إليه وإلى أخيه فخلق بها أول جزائر أرخبيل اليابان من خلال غمسها في المياه الأولية. أوّل المؤرخون أساطير خلق إيزاناغي للجزيرة الأولى، وهي أونوغورو، على أنه مثال مبكر عن مركزية القضيب (الممثل بالرمح أو الحربة) في الأساطير اليابانية.تضم أساطير الخلق اليابانية الأولى بالعموم مواضيع مثل الموت والفساد والخسارة وقتل الطفل والنجاسة. تُولي أساطير الخلق أهمية كبيرة للتطهير ونظام الاحتفالات، والمذكَّر. ومن هذا: أن المولود الأول لإيزاناغي وإيزانامي بعد أن أقاما حفل اتحاد، ولد بلا أطراف ولا عظام، فنبذه أبواه فأرسلاه على قارب في البحر. وعندما سأل إيزاناغي وإيزانامي الآلهة الكبيرة عن سبب ولادة ابنهما بلا عظام ولا أطراف، قالت الآلهة إنهما لم يقيما حفل الاتحاد على الصحيح، إذ إن الذكر يجب أن يتكلم دائمًا قبل الأنثى. وما إن اتبعا رأي الآلهة الكبيرة حتى وُلد لهما أولادًا كثيرًا، منهم جزائر أرخبيل اليابان. ومن ولدهما: أوياشيما، أو الجزائر التسع اليابانية العظيمة: أواجي وإيو وأوكي وتسوكوشي وإيكي وتسوشيما وسادو وياماتو. وكان آخر ولد إيزانامي إله النار، كاغوتاتشي (تجلّي النار)، وهو الذي قتلتها ألسنة لهبه، فقتله أبوه إيزاناغي من شدة حزنه عليها. ولمّا صار جسد الطفل جثّة، نشأ عنه آلهة أكثر. ثم دُفنت إيزانامي في جبل هيبا، بين المحافظتين القديمتين إيزومو وهوكي، قرب ياسوغي في محافظة شيمان.لاحظ علماء الأساطير اليابانية سمات سفاحية (من سفاح القربى) في أسطورة الخلق، تتمثل في الكوجيكي، وكان أول عالم كتب عن إيزاناغي وإيزانامي بوصفهما أخوين هو أوكا ماساو. يُشار إلى إيزانامي في الكوجيكي على أنها إيمو (وتعني الزوجة، كما تعني الأخت الصغرى) إيزاناغي، لذا يناقش بعض الباحثين أنهما أخوان. أما هاتوري أساكي، فقال إن ماساو كان مخطئًا لأنه أقام حجته على أسطورة أخرى عن بشرٍ جرى بينهم سفاح قربى بسبب طوفان عمّ الأرض وأفنى بني البشر. وخلاصة قول أساكي أن الأسطورة التي أقام عليها ماساو حجته عليها مختلفة جدا عن أصل أسطورة إيزاناغي وإيزانامي. وفي المانيوشو، يشير الكاتب كذلك إلى إيزانامي بوصفها إيمو، وهو ما يوحي بأن الكاتب بعتقد أن إيزانامي أخت إيزاناغي. ومع أن العلماء يختلفون في شأن علاقات إيزانامي وإيزاناغي، فإن ابنيهما الإلهين أمانيراسز وسوزانو، كانا أخوين وجرى بينهما سفاح ووُلد لهما أولاد، وكان هذا قبل تنجيس سوزانو لبيت أماتيراسو الذي أدّى بها إلى الاختفاء في كهف. ومن الخصائص الفريدة في الأساطير اليابانية: احتواؤها على تفاصيل صوريّة، منها صور فظيعة ومقرفة ما زالت تعدّ اليوم محرّمة في المجتمع الياباني، وقد ربطتها تراثات ثقافية كثيرة بالطهارة والنظافة. يومي بعد موت إيزانامي، تبدأ جهود إيزاناغي ليحررها من يومي، وهو العالم السفلي الموصوف في الأساطير اليابانية، وتشرح هذه الأسطورة أصول دائرة الموت والولادة. لم يزل إيزاناغي حزينًا بعد قتله لابنه كاغوتسوتشي، لذا تكلّف بمهمّة إيجاد طريقة يرجع بها إيزانامي من عالم الموتى. وبعد أن وجدها، أمرته ألا ينظر إليها وهي تطلب الإذن بترك يومي، فعصى أمرها. استعمل إيزاناغي شعرها لينشئ لهبًا، وعندما تأمل جسمها المتعفن المملوء بالدود، هرب من خوفه وقرفه. أحسّت إيزانامي بالخيانة، وحاولت أن تلحق به وتقبض عليه، ولكنه هرب وجعل وراءه عقبات ليمنع قبيلة زوجته شيكوم من الوصول إليه، واستعمل في هذا الخوخ ليخيفهم. تضم أسطورة رحلة إيزاناغي إلى يومي أشياء كثيرة عن الطعام، فقد خلق عناقيد العنب من أجل تشتيت قبيلة شيكوم التي توقفت لتأكل منها، وهو ما أعطاه الوقت ليهرب. وبورك بعد هذا في الخوخ الذي استعمله من أجل إيقاف شيكوم، ويظهر الخوخ في كثير من الأساطير اليابانية، لا سيما في قصة موموتارو فتى الخوخ. الشمس والقمر والريح في الأساطير اليابانية قصص عن أصول الشمس والقمر، وهي مرتبطة برجوع إيزاناغي من يومي. بعد أن قضى كل هذا الوقت في يومي، طهّر إيزانامي نفسه في حفل تطهر. وعندما كان يتطهر، سقطت المياه والحبال من جسمه وأنشأت آلهة كثيرة. لم تزل شعائر التطهر تقاليد تراثية مهمة في اليابان اليوم، من تظام الأحذية في البيوت إلى احتفالات التطهير في مصارعة السومو. وُلدت أماتيراسو، إلهة الشمس، والسلف الإلهي للملك الأول جيمو، من عين إيزاناغي. أما إله القمر وسوزانو إله العواصف فوُلدا مع أماتيراسو عندما غسل إيزاناغي وجهه. تضجّ الأساطير المرتبطة بالشمس والقمر والريح بالصراع والنزاع. تفسّر صراعات إلهة الشمس وأخيها إله القمر في الأسطورة اليابانية، سبب عدم وجودهما في وقت واحد في السماء، إن نفور بعضهما من بعض والكراهية بينهما تجعل أحدهما يهرب من الآخر. هذا، وصراعات إلهة الشمس وإله العواصف أيضًا شديدة ودموية. تصف عدة روايات متنوعة مزاج سوزانو الغاضب في بيت أماتيراسو، وتصف أفعاله المقرفة والوحشية (من تلطيخ وجوهه في جدران بيتها إلى سلخ جلد حصانها حيًّا ورميه فوق خادمها لقتله) ولكن في هذه الرواية بالذات، تخيف أفعال سوزانو أماتيراسو فتختبئ في كهف. ولم يستطع إخراج أماتيراسو من كهفها إلا جهود الكامي المشتركة والرقصة الشهوانية لإلهة تدعى آم نو أوزام. كانت آم نو أوزام تصف نفسها وتغري بنفسها وهي ترقص، وهو ما أثار ضجة جعلت أماتيراسو تختلس النظر من كهفها. تعد أسطورة دخول أماتيراسو في كهف وخروجها منه واحدة من أكثر الصور أيقونية واختصاصًا بالأساطير اليابانية. أهمية إلهة الشمس أماتيراسو في الأساطير اليابانية مزدوجة. فهي الشمس، وهي من أحب أبناء إيزاناغي إليه، وهي فوق هذا سلفٌ للسلالة المكية اليابانية، حسب الأسطورة. كان لمكانتها إلهةً للشمس آثار في الأسرة الملكية، ويبدو أن دولة ياماتو استفادت من الأسطورة عندما تعاملت مع التأثيرات الكورية لأن الكوريين أيضًا عندهم أساطير عن سلف إلهيّ شمسي للسلالة الملكية الكورية. هيرافوجي كيكوكو [نبذة عن الكاتب] يعتبر اليابانيون الآلهة جزءًا لا يتجزأ من تراثهم، حيث تنبثق هذه الآلهة من خلال الأساطير والمعتقدات الشعبية. يحظى الإلهان الشينتويان سوسانوؤ وهاتشيمان باحترام كبير، وتدور حولهما قصص مثيرة للاهتمام تكون عنيفة في بعض الأحيان. وفي هذا الجزء من السلسلة تلقي خبيرة في الأساطير اليابانية نظرة على أصول هذين الإلهين وتزايد أهميتهما على مر العصور. يؤمن اليابانيون بمجموعة من الآلهة مصدرها الأساطير والمعتقدات الشعبية وتبجل في نحو 80 ألف معبد شينتوي منتشرة في جميع أنحاء البلاد. وتعتبر الآلهة في ديانة الشينتو جزءًا أساسيًا من المعتقدات اليابانية، حيث يوجد عدد كبير من الكامي، وهي الآلهة أو الأرواح التي يُعتقد أنها تسكن في العناصر الطبيعية والكائنات. يتم تبجيل الكامي في المعابد الشينتوية، وتحظى بتقدير كبير من قبل اليابانيين. أحد هؤلاء الكامي المهمين هو سوسانوؤ، الذي يُعتبر الأخ الهائج لإلهة الشمس أماتيراسو. يُعرف سوسانوؤ بحمايته للأمور المتعلقة بالبحر والعواصف. وفي الأساطير، كان له دور مهم في تطهير العالم من الوحوش. أما هاتشيمان، فيُعتبر إلهًا ذو ماض غامض ويشمل على الحظ والنجاح والسعادة. يعتبر هاتشيمان من بين الكامي الأكثر شعبية في اليابان، وتقام العديد من المهرجانات والاحتفالات لتكريمه. تجسد المعابد الشينتوية هذه الآلهة بشكل بارز، حيث يقوم اليابانيون بالزيارات والصلوات في هذه المعابد لطلب البركة والحماية. نلقي في هذا الجزء من السلسلة نظرة على كيفية ظهورهما. من شرير إلى بطل تروي الأساطير اليابانية قصة الإله إيزاناغي، الذي خلق اليابان، حيث قام برحيله إلى أرض يومي المدنسة لاستعادة عروسه المتوفاة إيزانامي. وبعد فشله في هذه المهمة، أجرى إيزاناغي طقوسًا لتطهير نفسه، نجم عنها مجموعة من الآلهة، بما في ذلك أماتيراسو، إلهة الشمس البارزة، وسوسانوؤ الذي جاء إلى الوجود من أنف والده. أماتيراسو، كإلهة الشمس، أصبحت أبرز الكامي وأحد الرموز البارزة في الأساطير اليابانية، حيث نشأت عندما قام إيزاناغي بتنظيف وجهه. وتُعتبر أماتيراسو رمزًا للنور والحياة، وتلعب دورًا حيويًا في العديد من القصص الروحية اليابانية. سوسانوؤ – خلافا لأخته أماتيراسو – هو قوة فوضوية أثارت هيجانا في السهول السماوية العليا وسببت فوضى بين سكانها من الآلهة. وبسبب تصرفاته تلك طرد منها ونزل إلى أرض إيزومو القديمة فيما يعرف اليوم بالجزء الشرقي من محافظة شيماني. ولكن تلك الشخصية التي تميزت بالفوضوية في السماء، مرت بتحول جذري بمجرد وصولها إلى الأرض. فقد التقى سوسانوؤ في إيزومو برجل وامرأة مسنين يبكيان بمرارة على ابنتهما كوشيناداهيمي. وأخبره الزوجان عن قرب وصول ”ياماتا نو أوروتشي (ثعبان مرعب بثمانية رؤوس وثمانية ذيول وجسم طويل يكفي لتغطية 8 جبال ووديان)“. دأب الوحش على التهام إحدى بنات الزوجين في كل مرة يظهر فيها، وسرعان ما ستلقى طفلتهما الثامنة والأخيرة كوشيناداهيمي المصير المأساوي لأخواتها. تأثر سوسانوؤ بما يمران به من ضائقة ووافق على هزيمة ياماتا نو أوروتشي شريطة أن تصبح كوشيناداهيمي عروسه. ركز سوسانوؤ انتباهه على نصب فخ للإيقاع بالوحش، وقام بتخمير مشروب ساكي قوي ووضعه في 8 أوعية خزفية. انجذب الوحش إلى الساكي وشربه حتى الثمالة ثم نام، انقض سوسانوؤ آنذاك على الوحش وقطع رؤوسه الثمانية. وخرج من جسد المخلوق الميت ”كوساناغي نو تسوروغي“، وهو سيف يحظى بالتبجيل باعتباره أحد الكنوز الثلاثة المقدسة للأسرة الإمبراطورية اليابانية. سوسانوؤ وكوشيناداهيمي (© ساتو تاداشي). قصة سوسانوؤ والوحش ياماتا نو أوروتشي تشبه حكايات مثل بيرسيوس وأندروميدا من الأساطير اليونانية التي تروي قصة محاربين شجعان ينقذون العذارى. تمهد الأسطورة الطريق لتحول سوسانوؤ بشكل درامي من كامي مكروه ومزاجي إلى بطل موقر. كامي للعشاق وبسبب تلك القصة، هناك العديد من المعابد الشينتوية المكرسة لسوسانوؤ في منطقة إيزومو. ولكن ليس جميع الزوار يأتون إلى تلك المواقع بسبب الأعمال البطولية لهذا الكامي. ولأن قصة سوسانوؤ وكوشيناداهيمي هي أيضا قصة حب بقدر ما هي قصة بطولية، فإن هذين العاشقين يُنظر إليهما على أنهما يقدمان المساعدة في أمور الحب أيضا. تقول الأسطورة إنه بعد هزيمة الوحش ياماتا نو أوروتشي، بدأ سوسانوؤ وكوشيناداهيمي في البحث عن مكان للعيش فيه. وقد أعجبا كثيرا بمنطقة سوغا في إيزومو، وبنيا قصرا وتزوجا وأنجبا مجموعة من الأطفال المقدسين. شُيد معبد سوغا الشينتوي في ذلك الموقع الأسطوري، وفيه 3 صخور مقدسة مكرسة لسوسانوؤ وكوشيناداهيمي وطفلهما ياشيماجينومي. تشتهر في يومنا الحالي تلك المعابد الشينتوية بـ”إنموسوبي“ والتي تعني روابط تربط بين الناس، ولا سيما في الحب والزواج، وهو ما يجذب المصلين الباحثين عن الرومانسية، فضلا عن الأزواج الذين يأملون في ضمان علاقة طويلة ومثمرة. معبد سوغا. منقوش على الحجر الموجود في المنتصف قصيدة من شعر واكا يُزعم أنها أول واكا مكتوبة على الإطلاق، وهي تُنسب إلى سوسانوؤ. كما يقال إنها أصل اسم إيزومو (© بيكستا) يوجد معبد يايغاكي الشينتنوي في ماتسوي في الجزء الشرقي من منطقة إيزومو، وتقول الأسطورة إنه المكان الذي بنى فيه سوسانوؤ سياجا من 8 طبقات لحماية كوشيناداهيمي من ياماتا نو أوروتشي. وعلى غرار معبد سوغا، يرتبط هذا المعبد بإنموسوبي. يأتي الزائرون القلقون بشأن مستقبل علاقاتهم الرومانسية إلى بركة ”كاغامي إيكي“ المتصلة بكوشيناداهيمي، للتنبؤ بحظوظهم في الحب من خلال وضع عملة معدنية فوق ورقة مربعة الشكل تطفو على سطح الماء. يؤشر الوقت الذي تستغرقه العملة المعدنية قبل أن تغوص في المياه وقربها من حافة البركة، على مدى قرب أو تأخر ظهور الحب وإن كان الحبيب المرتقب شخصا قريبا أم بعيدا. ”كاغامي إيكي (بركة المرآة)“ في معبد يايغاكي ( بيكستا). زار الكاتب لافكاديو هيرن (1850-1904) المشهور بمجموعاته التي ألفها عن الحكايات اليابانية الكلاسيكية، المعبد بعد قراءة أسطورة ياماتا نو أوروتشي. وقد لاحظ هيرن عدد الشباب الذين يزورون المعبد للصلاة من أجل الحظ في الحب، وهو ما يوضح مكانة سوسانوؤ كإله إنموسوبي. أوكونينوشي ( ساتو تاداشي). وهذه السمعة الخاصة بإنموسوبي لا تقتصر على سوسانوؤ بل يتقاسمها مع سليله أوكونينوشي، الذي يرتبط بقوة بأسطورة ”أرنب إينابا“ المدونة في سجل كوجيكي من القرن الثامن. تقول الأسطورة إن أوكونينوشي يقابل الأرنب المصاب الذي جردته أسماك القرش من فرائه أثناء عبور البحر من جزر أوكي، وينصحه بتخفيف آلامه عن طريق الاغتسال بالمياه العذبة وأن يلف نفسه بحبوب لقاح نبات البردي. ولكن سمعته كعاشق – كان لديه 6 زوجات وأنجب 180 طفلا – هي التي جعلته إلها للإنموسوبي في معبد إيزومو تايشا، أحد أقدس المعابد الشينتوية. معبد هيكاوا تحتل محافظة سايتاما والعاصمة طوكيو مركز منطقة كانتو التي تملك تقاليد قوية في عبادة سوسانوؤ. تستضيف المنطقة مجموعة واسعة من معابد هيكاوا (نحو 280 معبدا) المكرسة لسوسانوؤ. ومن المعتقد أن اسم هيكاوا نشأ من ”هييكاوا (نهر هيي)“ في شيماني، حيث قتل سوسانوؤ الوحش ياماتا نو أوروتشي. ”هايدن (قاعة العبادة)“ في معبد هيكاوا ( بيكستا). ويعد معبد ”موساشي إيتشينومييا هيكاوا“ في حي أومييا في عاصمة سايتاما الأعلى رتبة ضمن هذه المجموعة. جاءت كلمة ”إيتشينومييا (تعني حرفيا المعبد الأول)“ من نظام يعود لفترة هييان (794-1185) يهدف إلى ترتيب المعابد الشينتوية في كل مقاطعة. وكما يشير الاسم، كان المعبد القديم مكانا مهما لعبادة الشينتو في مقاطعة موساشي السابقة، والتي كانت تضم معظم ما يعرف اليوم باسم سايتاما وطوكيو وأجزاء من محافظة كاناغاوا. كما أن معبد هيكاوا مكرس – إلى جانب سوسانوؤ – لكوشيناداهيمي و ”أوكونينوشي نو كامي“، وبسببهم اكتسب المعبد في السنوات الأخيرة سمعة طيبة فيما يتعلق بإنموسوبي. وهناك مؤشر آخر على أصول المعبد في أسطورة ياماتا نو أوروتشي هو بركة ”جا نو إيكي“ داخل حرم المعبد والتي يوحي اسمها بالثعبان الأسطوري. فمن المعتقد أن البركة المتشكلة من مياه ينابيع طبيعية متدفقة من أعماق الأرض، هي أصل نشأة المعبد، حيث تتدفق مياهها إلى بركة كامي إيكي المقدسة التي تمتد على جزء كبير من أرضية المعبد. كامي الأباطرة والساموراي ويضاهي الإله هاتشيمان– من حيث حجم شريحة المتعبدين – سوسانوؤ. فعدد المعابد المكرسة لهذا الإله هو الأكبر في اليابان، حيث يفوق حتى عدد معابد إيناري المنتشرة في كل مكان والتي يمكن التعرف عليها من خلال بواباتها ”توري“ القرمزية والثعالب الحارسة لها. وعلى الرغم من أن الكامي هاتشيمان يحظى بالتبجيل على نطاق واسع، إلا أن أصوله يكتنفها الغموض. فهو ليس من ضمن الكامي الذين يرد ذكرهم في أقدم سجلين تاريخيين في اليابان – كوجيكي ونيهون شوكي – ولا في سجلات قديمة أخرى. أكثر ما هو معروف الآن هو أن عبادة هاتشيمان نشأت لأول مرة في منطقة أوسا فيما يعرف الآن بمحافظة أويتا في جزيرة كيوشو، ومع مرور الوقت بات يعرف بأنه الإمبراطور الأسطوري أوجين. وهذا التطور الأخير مهم لأنه رفع مكانة هاتشيمان، ما جعله إلها آخر من سلف العائلة الإمبراطورية، إلى جانب إلهة الشمس أماتيراسو. تعود الأحداث التي رفعت مكانة هاتشيمان من كامي غامض يُعبد في كيوشو البعيدة إلى إله يقدسه البلاط الإمبراطوري، إلى تشييد تمثال بوذا الكبير في تودايجي في نارا. فقد أعلن آنذاك عراف أن هاتشيمان سيحرس تشييد تمثال بوذا. ثم دعا عراف الكامي هاتشيمان مجددا للمساعدة في قمع الاضطرابات داخل العائلة الإمبراطورية حول خلافة العرش وضمان وجود سلسلة مستقرة من الأباطرة. كما ساهم تشييد معبد إيواشيميزو هاتشيمان في كيوتو في جعله إلها مهما في العاصمة، كما منحته العائلة الإمبراطورية اللقب البوذي دايبوساتسو، ليصبح كامي حاميا للبوذية يُعبد وفق نظام ”شينبوتسو شوغو“ الذي يجمع بين البوذية والشينتوية. القاعة الرئيسية في معبد إيشيشيميزو هاتشيمان في كيوتو (© بيكستا). اعتبرت عشيرة ميناموتو القوية في العصور الوسطى هاتشيمان أنه ”أوجيغامي (إله العشيرة)“، ما ساعد على توسيع انتشار عبادته. أجرى القائد العسكري الشهير ميناموتو نو يوشيي (1039-1106) في شبابه حفل بلوغه سن الرشد في معبد إيواشيميزو هاتشيمان وأصبح يُعرف فيما بعد بلقب ”هاتشيمانتارو (الابن البكر لهاتشيمان)“. عندما أسس ميناموتو نو يوريتومو – ابن يوشيي – حكومة جديدة في كاماكورا عام 1185، أنشأ معبدا فرعيا هو معبد تسوروغاؤكا هاتشيمان في العاصمة الإقطاعية الجديدة. استهل يوريتومو فترة استمرت لما يقرب من 700 عام من حكم المحاربين في اليابان، وسعى القادة العسكريون اللاحقون إلى الحصول على الدعم الإلهي من هاتشيمان، ما عزز شعبية هذا الإله بين طبقة المحاربين. كما شُيدت معابد فرعية في جميع أنحاء البلاد، وبمرور الوقت أصبح هاتشيمان الكامي الأكثر تبجيلا على نطاق واسع في اليابان. حامي الاطفال إضافة إلى جاذبية هاتشيمان تلك، يُشتهر بين الناس أيضا بأنه إله يهتم بسلامتهم ولا سيما الأطفال الصغار. وقد اكتسب هاتشيمان هذه المكانة من القصة الأسطورية للإمبراطور أوجين ووالدته الإمبراطورة جينغو. عادة ما تبجَّل الإمبراطورة في معابد هاتشيمان جنبا إلى جنب مع زوجها والد أوجين الإمبراطور تشوآي، ومختلف هيميغامي (زوجات وبنات الإله الرئيسي للمعبد). ووفقا لسجلي كوجيكي ونيهون شوكي، كان تشوآي يستعد لقيادة قواته ضد عدو في كيوشو عندما استحوذ كامي على الإمبراطورة جينغو وطلب من الإمبراطور غزو كوريا. ولكن تشوآي تجاهل الأمر فقتلته الروح الانتقامية. استلمت الإمبراطورة جينغو – التي كانت حاملا بأوجين – راية زوجها وقادت الجيش عبر البحر إلى كوريا، ولكن جاءتها آلام المخاض في خضم المعركة. فربطت حجرا على خصرها، وكتمت آلامها وواصلت الحملة، وحافظت على ابنها في رحمها حتى عادت إلى اليابان. خططت جينغو عند العودة إلى موطنها تنصيب أوجين على العرش، لكنها واجهت منافسة شرسة من أنصار أبناء زوجات تشوآي الأخريات. تظاهرت الإمبراطورة جينغو بموت أوجين، وخدعت منافسيها بدهاء للتخلي عن حذرهم، ما مكنها من هزيمتهم في ميدان المعركة وتثبيت ابنها كإمبراطور. حجارة متراكمة حول تمثال جينغو وهي تحمل رضيعها أوجين في معبد أومي هاتشيمان في فوكوؤكا، ويقال إنه المكان الذي ولدت فيه الإمبراطورة (© بيكستا). وبسبب تلك الأسطورة، ارتبطت معابد هاتشيمان بـ”أنزان“ السلامة أثناء الحمل والولادة، وحتى يومنا هذا تزور الأمهات الحوامل تلك المعابد للصلاة من أجل الحماية. وأكثر تلك المعابد قداسة هو معبد أومي هاتشيمان في فوكوؤكا، الذي يُزعم أن جينغو أنجبت فيه أوجين عند عودتها إلى اليابان. إن مكانة هاتشيمان باعتباره إلها للحرب وحاميا للأطفال توضح الجوانب المتعددة للكثير من كامي الديانة الشينتوية، بمن فيهم البطل الشرير سوسانوؤ، الذي تجذب صفاته مصلين من مختلف الأطياف إلى المعابد. (المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: © ساتو تاداشي) أساطير يابانية عن العشاق الخارقين للطبيعة رداء الريش كان الربيع، وعلى طول شاطئ ميو المُغطى بأشجار الصنوبر، دوّى صوت الطيور. رقص البحر الأزرق وتألق تحت أشعة الشمس، وجلس هايروكو، الصياد، ليستمتع بالمنظر. وبينما كان يفعل ذلك، رأى صدفةً رداءً جميلاً من الريش الأبيض الناصع معلقاً على شجرة صنوبر. وبينما كان هايروكو على وشك إنزال الرداء، رأى فتاة جميلة للغاية قادمة نحوه من البحر، وطلبت من الصياد أن يعيد لها الرداء. نظر هايروكو إلى السيدة بإعجاب شديد. قال: "وجدتُ هذا الثوب، وأعتزم الاحتفاظ به، فهو من كنوز اليابان العجيبة. لا، لا أستطيع إهداؤه لكِ." "أوه،" صرخت الفتاة بحزن، "لا أستطيع التحليق في السماء بدون رداء الريش الخاص بي، لأنه إذا أصريت على الاحتفاظ به فلن أتمكن أبدًا من العودة إلى منزلي السماوي. أوه، أيها الصياد الصالح، أتوسل إليك أن تعيد لي رداءي!" لقد رفض الصياد، الذي لابد أنه كان رجلاً قاسي القلب، الاستسلام. "كلما توسلت أكثر،" قال، "كلما كنت أكثر تصميما على الاحتفاظ بما وجدته." فأجابت الفتاة: لا تتكلم يا عزيزي الصياد! لا تنطق بهذه الكلمة! آه! ألا تعلم أنني، كطائرٍ تعيسٍ مكسور الجناحين، أسعى، ولكن عبثًا أسعى، محرومًا من جناحيّ، لأحلق في سهل السماء الأزرق؟ وبعد مزيد من الجدل حول هذا الموضوع، خفف الصياد من توتر قلبه قليلاً. "سأعيد لك رداء الريش،" قال، "إذا رقصت أمامي على الفور." فأجابت الفتاة: "سأرقصها هنا - الرقصة التي تجعل قصر القمر يدور، حتى يتمكن الرجل الفقير العابر من تعلم أسرارها. لكنني لا أستطيع الرقص بدون ريشي". «لا»، قال الصياد بريبة. «إذا أعطيتك هذا الثوب، ستطير دون أن ترقص أمامي». لقد أثار هذا التعليق غضب الفتاة بشدة. "إن عهد البشر قد ينتهك"، قالت، "ولكن لا يوجد كذب بين الكائنات السماوية". أخجلت هذه الكلمات الصياد، وبدون أي تردد، أعطى الفتاة رداءها المصنوع من الريش. عندما ارتدت الفتاة ثوبها الأبيض الناصع، ضربت على آلة موسيقية وبدأت بالرقص، وبينما كانت ترقص وتعزف، غنت عن أشياء كثيرة غريبة وجميلة تتعلق بوطنها البعيد في القمر. غنت عن قصر القمر العظيم، حيث حكم ثلاثون ملكًا، خمسة عشر منهم يرتدون ثيابًا بيضاء عندما يكون ذلك الكوكب المضيء بدرًا، وخمسة عشر يرتدون ثيابًا سوداء عندما يكون القمر في أفوله. وبينما كانت تغني وتعزف وترقص، باركت اليابان قائلةً: "لتُثمر الأرض خيراتها!" لم يستمتع الصياد طويلاً بهذا العرض اللطيف لمهارة سيدة القمر، فسرعان ما توقفت قدماها الرقيقتان عن نقر الرمال. ارتفعت في الهواء، وريش ردائها الأبيض يلمع على أشجار الصنوبر أو على زرقة السماء نفسها. صعدت، صاعدةً، لا تزال تعزف وتغني، متجاوزةً قمم الجبال، أعلى فأعلى، حتى خفت غنائها، حتى وصلت إلى قصر القمر البهي. عروس الثلج سافر موساكو وتلميذه مينوكيتشي إلى غابة على بُعد مسافة قصيرة من قريتهما. كانت ليلة قارسة البرودة عندما اقتربا من وجهتهما، فرأيا أمامهما تيارًا من الماء البارد. رغبا في عبور هذا النهر، لكن سائق العبّارة كان قد رحل تاركًا قاربه على الجانب الآخر من الماء، ولأن الطقس كان عاصفًا جدًا بحيث لم يسمح بعبور النهر سباحةً، فقد فضلا اللجوء إلى كوخ سائق العبّارة الصغير. غلب النعاس موساكو فور دخوله هذا الملجأ المتواضع، لكن المُرحّب به. أما مينوكيتشي، فقد ظلّ مستيقظًا طويلًا يستمع إلى هدير الريح وحفيف الثلج وهو يصطدم بالباب. أخيرًا غلب النعاس مينوكيتشي، فاستيقظ على وابل من الثلج يتساقط على وجهه. وجد أن الباب قد فُتح فجأة، وأن امرأة جميلة تقف في الغرفة بثياب ناصعة البياض. وقفت هكذا للحظة، ثم انحنت فوق موساكو، وخرج أنفاسها كدخان أبيض. بعد أن انحنت هكذا فوق الرجل العجوز لدقيقة أو دقيقتين، التفتت إلى مينوكيتشي وحلقت فوقه. حاول أن يصرخ، لأن أنفاس هذه المرأة كانت كهبوب ريح باردة. أخبرته أنها كانت تنوي أن تعامله كما عاملت الرجل العجوز الذي بجانبه، لكنها امتنعت لصغر سنه وجماله. هددت مينوكيتشي بالموت الفوري إن تجرأ على إخبار أي شخص بما رآه، ثم اختفت فجأة. ثم نادى مينوكيتشي سيده الحبيب: "موساكو، موساكو، استيقظ! لقد حدث أمرٌ فظيع!" لكن لم يُجب. لمس يد سيده في الظلام، فوجدها كقطعة جليد. لقد مات موساكو! في الشتاء التالي، وبينما كان مينوكيتشي عائدًا إلى منزله، التقى صدفةً بفتاة جميلة تُدعى يوكي. أخبرته أنها ذاهبة إلى ييدو، حيث ترغب في العمل كخادمة. أُعجب مينوكيتشي بهذه الفتاة، فسألها إن كانت مخطوبة، وعندما علم أنها ليست كذلك، أخذها إلى منزله، وتزوجها في الوقت المناسب. أنجبت يوكي لزوجها عشرة أطفال جميلين ووسيمين، أفتح لونًا من المتوسط. عندما توفيت والدة مينوكيتشي، كانت كلماتها الأخيرة في مدح يوكي، وتردد صدى رثائها بين العديد من سكان المنطقة. في إحدى الليالي، بينما كانت يوكي تخيط، وكان ضوء مصباح ورقي يضيء على وجهها، تذكر مينوكيتشي التجربة غير العادية التي خاضها في كوخ العبّارة. "يوكي"، قال، "أنتِ تُذكرينني كثيرًا بامرأة بيضاء جميلة رأيتها عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري. لقد قتلت سيدي بأنفاسها الجليدية. أنا متأكد من أنها كانت روحًا غريبة، ومع ذلك تبدو الليلة وكأنها تُشبهكِ." ألقت يوكي خياطتها جانبًا. ارتسمت على وجهها ابتسامة كريهة وهي تقترب من زوجها وتصرخ: "أنا، يوكي-أونا، من أتيت إليكِ حينها، وقتلت سيدكِ بصمت! يا لكِ من خائنة، لقد أخلفتِ وعدكِ بالحفاظ على سرية الأمر، ولولا أطفالنا النائمين لقتلتكِ الآن! تذكري، إن كان لديهم ما يشكون منه، فسأسمع، وسأعرف، وفي ليلة تساقط فيها الثلوج سأقتلكِ ! " ثم تحولت يوكي أونا، سيدة الثلج، إلى ضباب أبيض، وصرخت وارتجفت، ومررت عبر حفرة الدخان، ولم تعد مرة أخرى أبدًا. زوجة الصفصاف في قرية يابانية، نمت شجرة صفصاف عظيمة. أحبها الناس لأجيال عديدة. في الصيف، كانت ملاذًا للراحة، ملتقىً للقرويين بعد انتهاء العمل وحرارة النهار، حيث يتجاذبون أطراف الحديث حتى يتسلل ضوء القمر عبر أغصانها. وفي الشتاء، كانت كمظلة كبيرة نصف مفتوحة مغطاة بثلج متلألئ. عاش هيتارو، وهو مزارع شاب، قريبًا جدًا من هذه الشجرة، وقد دخل، أكثر من أيٍّ من رفاقه، في تواصل عميق مع الصفصافة المهيبة. كانت تقريبًا أول ما رآه عند استيقاظه، وعند عودته من العمل في الحقول، كان يتطلع بشغف إلى شكلها المألوف. أحيانًا كان يحرق عود بخور تحت أغصانها ويركع ويدعو. في أحد الأيام، جاء رجل عجوز من القرية إلى هيتارو وأوضح له أن القرويين كانوا حريصين على بناء جسر فوق النهر، وأنهم أرادوا بشكل خاص شجرة الصفصاف الكبيرة للحصول على الأخشاب. "للخشب؟" قال هيتارو وهو يخفي وجهه بين يديه. "شجرة الصفصاف العزيزة جسرٌ يتحمل وقع الأقدام المتواصل؟ أبدًا، أبدًا يا شيخ!" عندما استعاد هيتارو بعضًا من رباطة جأشه، عرض على الرجل العجوز بعضًا من أشجاره الخاصة، إذا قبلها هو والقرويون كخشب وتجنبوا الصفصاف القديم. قبل الرجل العجوز هذا العرض على الفور، وظلت شجرة الصفصاف قائمة في القرية كما كانت لسنوات عديدة. في إحدى الليالي بينما كان هيتارو جالسًا تحت شجرة الصفصاف الكبيرة، رأى فجأة امرأة جميلة تقف بالقرب منه، تنظر إليه بخجل، كما لو كانت تريد التحدث. "سيدتي الفاضلة،" قال، "سأعود إلى المنزل. أرى أنك تنتظرين أحدهم. هيتارو ليس بلا لطف تجاه أولئك الذين يحبون." "إنه لن يأتي الآن"، قالت المرأة مبتسمة. "هل أصبح باردًا؟ يا له من أمر فظيع عندما يأتي حب ساخر ويترك وراءه رمادًا وقبرًا!" "إنه لم يبرد يا سيدي العزيز." "ولكنه لم يأتِ! ما هذا اللغز الغريب؟" لقد جاء! كان قلبه دائمًا هنا، هنا تحت هذه الصفصافة. وبابتسامة مشرقة اختفت المرأة. ليلةً بعد ليلة، التقيا تحت شجرة الصفصاف القديمة. اختفى خجل المرأة تمامًا، وبدا أنها لم تستطع سماع الكثير من شفتي هيتارو وهو يُشيد بالصفصافة التي جلسا تحتها. وفي إحدى الليالي قال لها: "يا صغيرة، هل تقبلين أن تصبحي زوجتي - أنت التي يبدو أنك أتيت من نفس الشجرة؟" "نعم،" قالت المرأة. "نادني هيغو ("ويلو") ولا تسألني أي سؤال، حبًا بي. ليس لي أب ولا أم، وستفهم يومًا ما." تزوج هيتارو وهيغو، ورُزقا لاحقًا بطفل أسمياه تشييودو. كان مسكنهما بسيطًا، لكن من كان فيه كانوا أسعد الناس في اليابان كلها. بينما كان هذان الزوجان السعيدان يؤديان واجباتهما، وصلت أخبارٌ سارة إلى القرية. غمرت الفرحة سكان القرية، ولم يمضِ وقت طويل حتى وصل الخبر إلى هيتارو. أراد الإمبراطور السابق توبا بناء معبد لكوانون (إلهة الرحمة) في كيوتو، فأرسل أصحاب السلطة في كل مكان طلبًا للأخشاب. قال القرويون إنه يجب عليهم المساهمة في بناء الصرح المقدس بتقديم شجرة الصفصاف العظيمة. لكن كل حجج هيتارو وإقناعاته ووعوده بأشجار أخرى باءت بالفشل، فلا هو ولا أي شخص آخر يستطيع تقديم شجرة ضخمة وجميلة كشجرة الصفصاف العظيمة. عاد هيتارو إلى منزله وأخبر زوجته. قال: "يا زوجتي، سيقطعون شجرة الصفصاف العزيزة علينا! قبل أن أتزوجكِ، لم أكن لأتحمل ذلك. بوجودكِ يا صغيرتي، ربما أتجاوز الأمر يومًا ما." في تلك الليلة استيقظ هيتارو على صوت صرخة قوية. قالت زوجته: "هيتارو، يحلّ الظلام! الغرفة تعجّ بالهمسات. هل أنت هنا يا هيتارو؟ أصغِ! إنهم يقطعون شجرة الصفصاف. انظر كيف يرتجف ظلها في ضوء القمر. أنا روح شجرة الصفصاف. القرويون يقتلونني. يا له من جرحٍ يمزقني! يا هيتارو العزيز، الألم، الألم! ضع يديك هنا، وهنا. بالتأكيد لن تسقط الضربات الآن!" "زوجتي الصفصافية! زوجتي الصفصافية!" صرخ هيتارو. "زوجي،" قال هيغو بصوت خافت، وهو يضغط على وجهها المبلل والمتألم بالقرب منه، "أنا ذاهب الآن. حب كهذا لا يُقهر، مهما كانت الضربات شرسة. سأنتظرك أنت وتشيودو - شعري يتساقط من السماء! جسدي يتكسر!" سُمع دويّ هائل في الخارج. كانت شجرة الصفصاف الكبيرة ملقاة على الأرض خضراء ومبعثرة. نظر هيتارو حوله باحثًا عن المرأة التي أحبها أكثر من أي شيء آخر في العالم. لقد رحلت زوجة الصفصاف! الفراشة البيضاء كان رجلٌ عجوز يُدعى تاكاهاما يسكن في منزلٍ صغيرٍ خلف مقبرة معبد سوزانجي. كان ودودًا للغاية، ومحبوبًا من جيرانه، مع أن معظمهم اعتبروه مجنونًا بعض الشيء. ويبدو أن جنونه كان نابعًا كليًا من عدم زواجه قط، أو رغبته في إقامة علاقات حميمة مع النساء. في أحد أيام الصيف، مرض مرضًا شديدًا، بل بلغ من المرض مبلغًا دفعه إلى استدعاء أخت زوجته وابنها. حضرا وبذلا قصارى جهدهما لتهدئته في ساعاته الأخيرة. وبينما كانا يراقبانه، غلبه النعاس؛ وما إن نام حتى دخلت فراشة بيضاء كبيرة الغرفة واستقرت على وسادة الرجل العجوز. حاول الشاب إبعادها بمروحة؛ لكنها عادت ثلاث مرات، وكأنها لا تريد أن تتركه. أخيرًا، طارده ابن أخ تاكاهاما إلى الحديقة، عبر البوابة، ثم إلى المقبرة خلفها، حيث بقي فوق قبر امرأة، ثم اختفى في ظروف غامضة. عند فحص القبر، وجد الشاب اسم "أكيكو" مكتوبًا عليه، بالإضافة إلى وصف يروي كيف ماتت وهي في الثامنة عشرة من عمرها. مع أن القبر كان مغطى بالطحالب، ولا بد أنه شُيّد قبل خمسين عامًا، رأى الصبي أنه كان محاطًا بالزهور، وأن خزان الماء الصغير قد امتلأ مؤخرًا. وعندما عاد الشاب إلى المنزل وجد أن تاكاهاما قد توفى، فعاد إلى والدته وأخبرها بما شاهده في المقبرة. "أكيكو؟" همست والدته. "كان عمك في شبابه مخطوبة لأكيكو. توفيت بمرض السل قبيل زفافها. عندما رحلت أكيكو عن الدنيا، عزم عمك ألا يتزوج أبدًا، وأن يعيش إلى الأبد قرب قبرها. طوال هذه السنوات، ظل وفيًا لنذره، واحتفظ في قلبه بكل الذكريات الجميلة عن حبه الأوحد. كان تاكاهاما يذهب إلى المقبرة كل يوم، سواء كان الهواء معطرًا بنسيم الصيف أو كثيفًا بالثلج المتساقط. كان يذهب إلى قبرها كل يوم ويدعو لها بالسعادة، وينظف القبر ويضع الزهور فيه. عندما كان تاكاهاما يحتضر، ولم يعد قادرًا على أداء واجبه في الحب، جاءت أكيكو إليه. كانت تلك الفراشة البيضاء روحها الحلوة والمحبة." القط مصاص الدماء كان أمير هيزن، أحد أفراد عائلة نابيشيما البارزين، يتردد في الحديقة مع أو تويو، المفضلة بين سيداته. وعندما غربت الشمس، انزويا إلى القصر، لكنهما لم يلاحظا أن قطة كبيرة تتبعهما. ذهبت أو تويو إلى غرفتها ونامت. في منتصف الليل، استيقظت ونظرت حولها، وكأنها أدركت فجأة وجودًا مخيفًا في الشقة. أخيرًا، رأت قطة عملاقة تجلس بجانبها، وقبل أن تصرخ طلبًا للمساعدة، انقضّ عليها الحيوان وخنقها. ثم حفر الحيوان حفرة تحت الشرفة، ودفن الجثة، وتجسد في هيئة أو تويو الجميلة. استمر الأمير، الذي لم يكن يعلم شيئًا عما حدث، في حب تويو الكاذب، غير مدرك أنه في الحقيقة كان يداعب وحشًا كريهًا. لاحظ شيئًا فشيئًا أن قواه قد خارت، وسرعان ما أصيب بمرض خطير. استُدعي الأطباء، لكنهم لم يتمكنوا من شفاء المريض الملكي. ولوحظ أنه كان يعاني أشد المعاناة ليلًا، وكان يعاني من أحلام مزعجة. ولذلك، رتّب مستشاروه أن يجلس مئة تابع مع سيدهم ويراقبوه أثناء نومه. دخلت الحراسة غرفة المرضى، ولكن قبيل الساعة العاشرة بقليل، غلبها نعاس غامض. وعندما نام جميع الرجال، تسلل تويو المزيف إلى الشقة وأزعج الأمير حتى شروق الشمس. ليلة بعد ليلة، كان الخدم يأتون لحراسة سيدهم، لكنهم كانوا ينامون دائمًا في نفس الساعة، حتى أن ثلاثة مستشارين مخلصين مرّوا بتجربة مماثلة. خلال هذه الفترة، ساءت حالة الأمير، فعُيّن كاهن يُدعى رويتن للدعاء له. في إحدى الليالي، بينما كان منهمكًا في صلواته، سمع صوتًا غريبًا قادمًا من الحديقة. فنظر من النافذة فرأى جنديًا شابًا يغتسل. وعندما انتهى من الوضوء، وقف أمام تمثال لبوذا، ودعا بحرارة لشفاء الأمير. سُرّ رويتن بمثل هذا الحماس والولاء، فدعا الشاب لدخول منزله، وعندما فعل ذلك سأله عن اسمه. أنا إيتو سودا، قال الشاب، وأخدم في مشاة نابيشيما. سمعت بمرض سيدي، وأتوق إلى شرف رعايته؛ لكن لكوني من ذوي الرتبة المتدنية، لا يليق بي الحضور إلى حضرته. مع ذلك، دعوتُ بوذا أن يحفظ سيدي. أعتقد أن أمير هيزن مسحور، ولو استطعتُ البقاء معه لبذلتُ قصارى جهدي للعثور على القوة الشريرة التي تسبب مرضه وسحقها. لقد تأثر رويتن بهذه الكلمات بشكل إيجابي لدرجة أنه ذهب في اليوم التالي للتشاور مع أحد المستشارين، وبعد الكثير من المناقشات تم الاتفاق على أن يقوم إيتو صودا بالمراقبة مع المائة من الخدم. عندما دخل إيتو صودا الغرفة الملكية، رأى سيده نائمًا في منتصف الغرفة، ولاحظ أيضًا الخدم المئة جالسين في الغرفة يتحادثون بهدوء على أمل أن يتمكنوا من تجنب النعاس الوشيك. وبحلول الساعة العاشرة، كان جميع الخدم، رغم جهودهم، قد ناموا. حاول إيتو صودا إبقاء عينيه مفتوحتين، لكن ثقلاً كان يسيطر عليه تدريجياً، وأدرك أنه إذا أراد البقاء مستيقظاً، فعليه اللجوء إلى إجراءات قاسية. بعد أن فرش ورق الزيت بعناية على الحصائر، غرز خنجره في فخذه. منعه الألم الحاد من النوم لبعض الوقت، لكنه شعر في النهاية بعينيه تغلقان مجدداً. عزم على التغلب على التعويذة التي كانت فوق طاقة الخدم، فلفّ السكين في فخذه، مما زاد الألم وحافظ على مراقبته المخلصة، بينما كان الدم يتساقط باستمرار على ورق الزيت. بينما كان إيتو صودا يراقب، رأى الأبواب المنزلقة تُفتح وامرأة جميلة تتسلل بهدوء إلى الشقة. بابتسامة، لاحظت الخدم النائمين، وكانت على وشك الاقتراب من الأمير عندما لاحظت إيتو صودا. بعد أن تحدثت إليه باقتضاب، اقتربت منه وسألته عن حاله، لكن الأمير كان مريضًا جدًا لدرجة أنه لم يستطع الرد. راقب إيتو صودا كل حركة، وظن أنها حاولت أن تسحر الأمير، لكنها كانت دائمًا ما تُحبط في نيتها الشريرة من عيون إيتو صودا الجريئة، وفي النهاية اضطرت إلى الانسحاب. في الصباح، استيقظ الخدم، وشعروا بالخزي عندما علموا أن إيتو سودا سهر. أشاد المستشارون بشدة بالجندي الشاب على ولائه وجرأته، وأُمر بالسهر مرة أخرى تلك الليلة. فعل ذلك، ودخلت أو تويو الكاذبة غرفة المريضة مرة أخرى، وكما في الليلة السابقة، أُجبرت على الانسحاب دون أن تتمكن من إلقاء تعويذتها على الأمير. اكتُشف أن صودا الأمين قد تولى الحراسة فورًا، وتمكن الأمير من النوم بسلام، بل بدأ يتحسن، لأن تويو المزيف، بعد أن خاب أمله مرتين، ابتعد تمامًا، ولم يُزعج الحارس بنعاس غامض. انبهر صودا بهذه الظروف الغريبة، فذهب إلى أحد المستشارين وأبلغه أن تويو المدعو عفريت من نوع ما. في تلك الليلة خطط صودا للذهاب إلى غرفة المخلوق ومحاولة قتلها، ورتب أنه في حالة هروبها يجب أن يكون هناك ثمانية من الخدم في الخارج في انتظار القبض عليها وإرسالها على الفور. في الموعد المحدد ذهب صودا إلى شقة المخلوق، متظاهرًا بأنه يحمل رسالة من الأمير. "ما هي الرسالة؟" سألت المرأة. "من فضلك اقرأي هذه الرسالة"، أجاب صودا، وبهذه الكلمات أخرج خنجره وحاول قتلها. أمسكت تويو الكاذبة بهلبرد وحاولت ضرب خصمها. تتابعت الضربات، لكنها أدركت أخيرًا أن الهروب خيرٌ لها من القتال، فألقت سلاحها، وفي لحظةٍ تحوّلت الفتاة الجميلة إلى قطةٍ وقفزت على السطح. أطلق الرجال الثمانية المنتظرون في الخارج تحسبًا للطوارئ النار على الحيوان، لكن المخلوق نجح في الإفلات منهم. انطلقت القطة بكل سرعتها نحو الجبال، وتسببت في مشاكل بين الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المجاورة، لكنها قُتلت في النهاية أثناء عملية صيد أمر بها أمير هيزن. لقد أصبح الأمير بصحة جيدة مرة أخرى، وحصل إيتو صودا على التكريم والمكافأة التي يستحقها بجدارة. اليراعة كان شاب من ماتسوي عائدًا إلى منزله من حفل زفاف، فرأى يراعة أمام منزله مباشرةً. توقف للحظة، مندهشًا لرؤية حشرة كهذه في ليلة شتوية باردة، والثلج يغطي الأرض. وبينما كان واقفًا متأملًا، طارت اليراعة نحوه، فضربها الشاب بعصاه، لكن الحشرة طارت بعيدًا ودخلت الحديقة المجاورة لحديقته. في اليوم التالي، زار جاره، وكان على وشك أن يروي له ما حدث في الليلة السابقة، حين دخلت الابنة الكبرى للعائلة الغرفة، وصاحت: "لم أكن أعلم بوجودك هنا، ومع ذلك كنتَ في بالي قبل لحظة. حلمتُ الليلة الماضية أنني أصبحتُ يراعة. كان الأمر حقيقيًا وجميلًا للغاية، وبينما كنتُ أندفع هنا وهناك، رأيتُك، وطرتُ نحوك، قاصدًا أن أخبرك أنني تعلمتُ الطيران، لكنك دفعتني جانبًا بعصاك، وما زال الحادث يُخيفني". فلما سمع الشاب هذه الكلمات من شفتي خطيبته، التزم الصمت. الأميرة الفاوانيا قبل سنوات عديدة، في غاموجون، بمقاطعة أومي، كانت هناك قلعة تُدعى أدزوتشي-نو-شيرو. كانت مكانًا عتيقًا فخمًا، محاطًا بأسوار وخندق مائي مليء بزنابق اللوتس. كان الإقطاعي رجلًا شجاعًا وثريًا للغاية، يُدعى يوكي نايزن-نو-جو. كانت زوجته قد توفيت منذ سنوات. لم يكن لديه ابن؛ لكن كانت لديه ابنة جميلة في الثامنة عشرة من عمرها، مُنحت (لسببٍ ما غير واضح لي تمامًا) لقب أميرة. ساد السلام والهدوء البلاد لفترة طويلة؛ وكان الإقطاعيون في أوج عطائهم، وكان الجميع سعداء. في ظل هذه الظروف، أدرك اللورد نايزن-نو-جو أن هناك فرصة سانحة لإيجاد زوج لابنته الأميرة آيا؛ وبعد فترة، اختير الابن الثاني للورد آكو، حاكم مقاطعة هاريما، بما يرضي كلا الأبوين، ولم يكن للأمر علاقة تُذكر بالرئيسين. كان الابن الثاني للورد آكو قد رأى عروسه موافقة، ووافقت عليه. يمكن القول إن الشباب ملزمون بالموافقة على بعضهم البعض عندما يرغب الوالدان في اتحادهما. وتنتج عن هذا العديد من حالات الانتحار. قررت الأميرة آية أن تُحب زوجها المُرتقب. لم ترَ شيئًا منه، لكنها فكرت فيه وتحدثت عنه. في إحدى الأمسيات، عندما كانت الأميرة آيا تتجول في الحدائق الرائعة تحت ضوء القمر، برفقة خادماتها، تجولت عبر فراش الفاوانيا المفضل لديها إلى البركة حيث كانت تحب أن تنظر إلى انعكاسها في ليالي اكتمال القمر، والاستماع إلى الضفادع، ومشاهدة اليراعات. عندما اقتربت من البركة، انزلقت قدمها، وكادت أن تسقط في الماء لولا ظهور شابٍّ، كأنه سحر، وأمسك بها. اختفى حالما أعادها إلى قدميها. رأتها وصيفات الشرف وهي تفلت من بين يديها، فلم يبق أمامها سوى بريق من النور. لكن الأميرة آيا رأت أكثر من ذلك. رأت أجمل شاب يمكن أن تتخيله. قالت لـ أو سادايو سان، خادمتها المفضلة: "كان في الحادية والعشرين من عمره، لا بد أنه كان ساموراي من الطراز الرفيع. كان ثوبه مزينًا بزهور الفاونيا المفضلة لدي، وسيوفه مزينة بزخارف فاخرة. يا ليتني رأيته لحظة أخرى لأشكره على إنقاذي من الماء! من يكون؟ وكيف استطاع دخول حدائقنا رغم كل هذا الحراس؟" هكذا تحدثت الأميرة إلى خادماتها، وأمرتهم في نفس الوقت بعدم قول كلمة لأحد، خوفًا من أن يسمع والدها، ويجد الشاب، ويقطع رأسه بتهمة التعدي. بعد هذا المساء، مرضت الأميرة آيا. لم تستطع الأكل أو النوم، وشحب وجهها. مرّ يوم زفافها من سيد أكو الشاب دون أن يُقام الحفل؛ فقد كانت مريضة للغاية. أُرسل أفضل الأطباء من كيوتو، العاصمة آنذاك، لكن لم يستطع أحدٌ منهم فعل شيء، وازدادت الخادمة نحافةً. كحلٍّ أخير، أرسل والدها، السيد نايزن-نو-جو، في طلب خادمتها وصديقتها الحميمة، أو سادايو، وسألها إن كانت تستطيع تقديم أي سبب لمرض ابنته الغامض. هل كان لديها حبيب سري؟ هل كانت تكنّ كرهًا خاصًا لخطيبها؟ قال أو سادايو: "سيدي، لا أحب أن أفشي الأسرار؛ ولكن يبدو أن واجبي هنا تجاه ابنة سيدك وسيدك. قبل حوالي ثلاثة أسابيع، عندما كان القمر في بدر، كنا نتمشى في أحواض الفاوانيا بالقرب من البركة التي تحب الأميرة أن تكون فيها. تعثرت وكادت أن تسقط في الماء، عندما حدث شيء غريب. في لحظة ظهر ساموراي شاب وسيم للغاية وساعدها على النهوض، وبالتالي منعها من السقوط في البركة. استطعنا جميعًا رؤية بريقه؛ لكنني وابنتك رأيناه بوضوح تام. قبل أن تتمكن ابنتك من شكره، كان قد اختفى. لم يستطع أحد منا أن يفهم كيف يمكن لرجل أن يدخل حدائق الأميرة، لأن أبواب القلعة محروسة من جميع الجهات، وحديقة الأميرة أكثر حراسة من غيرها لدرجة أنه يبدو من غير المعقول حقًا أن يتمكن رجل من الدخول. طُلب منا نحن الخادمات ألا نقول شيئًا خوفًا من غضب سيدك. منذ ذلك المساء، أصبحت أميرتنا الحبيبة آيا... مريض يا سيدي. إنه مرض القلب. إنها مغرمةٌ بشدةٍ بالساموراي الشاب الذي رأته لفترةٍ وجيزة. في الواقع يا سيدي، لم يسبق أن وُجد رجلٌ وسيمٌ كهذا في العالم، وإذا لم نعثر عليه، أخشى أن تموت الأميرة الشابة. قال اللورد يوكي نايزن-نو-جو: "كيف يُمكن لرجل أن يدخل إلى القصر؟" "يُقال إن الثعالب والغرير تتخذ أحيانًا أشكالًا بشرية؛ ولكن مع ذلك، يستحيل على هذه الكائنات الخارقة للطبيعة دخول قصري، وهو مُحروس عند كل مدخل." في ذلك المساء، كانت الأميرة المسكينة في حالة من الحزن الشديد أكثر من أي وقت مضى. فكرت الخادمات في إنعاشها قليلاً، فأرسلن في طلب عازف بيوا مشهور يُدعى ياشاسكيتا كينجيو. كان الجو حارًا، فجلسن على الشرفة (إنغاوا)؛ وبينما كان العازف يعزف "دانورا"، ظهر فجأة من خلف زهور الفاوانيا ذلك الساموراي الشاب الوسيم نفسه. كان مرئيًا طوال الوقت - حتى زهور الفاوانيا المطرزة على ثوبه. ها هو ذا! ها هو ذا! صرخوا، فاختفى فجأةً. كانت الأميرة في غاية الانفعال، وبدت أكثر حيويةً مما كانت عليه منذ أيام؛ وزاد حيرة الدايميو العجوز عندما سمع بالأمر. في الليلة التالية، بينما كانت خادمتان تعزفان لسيدتهما - أو ياي سان الناي، وأو ياكومو الكوتو - ظهر شكل الشاب مرة أخرى. بعد بحث دقيق طوال النهار في أحواض الفاوانيا الضخمة دون جدوى، حتى دون أثر قدم، ازداد الأمر غرابة. عُقد اجتماع، وقرر سيد القلعة دعوة ضابط مخضرم ذي قوة وشهرة كبيرتين، ماكي هيوغو، للقبض على الشاب إذا ظهر ذلك المساء. وافق ماكي هيوغو على الفور، وفي الموعد المحدد، مرتديًا ملابس سوداء، وبالتالي غير مرئي، اختبأ بين زهور الفاوانيا. بدا أن الموسيقى قد سحرت الساموراي الشاب. وبينما كانت الموسيقى تُعزف، ظهر. وهكذا، استأنف أو ياي وأو ياكومو حفلتهما، بينما كان الجميع ينظرون بشغف إلى أحواض الفاونيا. وبينما كانت السيدات يعزفن مقطوعة موسيقية تُدعى "سوفيورين"، ظهرت هناك، كما هو متوقع، شخصية ساموراي شاب، يرتدي ملابس فاخرة مغطاة بزهور الفاونيا المطرزة. حدّق به الجميع، وتساءلوا لماذا لم يقفز ماكي هيوغو ويمسكه. في الواقع، كان ماكي هيوغو مندهشًا من تصرف الشاب النبيل لدرجة أنه لم يرغب في لمسه في البداية. استعاد رباطة جأشه، وفكّر في واجبه تجاه سيده، فاقترب من الشاب خلسةً، وأمسك به من خصره، وضمّه إليه بقوة. بعد ثوانٍ، شعر ماكي هيوغو ببخار رطب يتساقط على وجهه، فأغمي عليه تدريجيًا، وسقط على الأرض، وهو لا يزال ممسكًا بالساموراي الشاب، لأنه كان قد عزم على حمايته. رأى الجميع الشجار، فسارع بعض الحراس إلى المكان. وما إن وصلوا حتى أفاق ماكي هيوغو وصاح: "هلموا يا سادة! لقد أمسكتُ به. تعالوا وانظروا!". لكن عندما نظر إلى ما كان يحمله بين ذراعيه، اكتشف أنها مجرد زهرة فاونيا كبيرة! بحلول هذا الوقت، وصل اللورد نايزن نو جو إلى المكان الذي يرقد فيه ماكي هيوغو، كما وصلت إليه الأميرة آيا وخادماتها. اندهش الجميع وذهلوا إلا الدايميو نفسه، الذي قال: "آه! كما قلتُ. لا يمكن لروح ثعلب أو غرير أن تتجاوز حراسنا وتدخل هذه الحديقة. إنها روح زهرة الفاوانيا التي اتخذت شكل أمير." والتفت إلى ابنته ووصيفاتها، وقال: "عليكن أن تتقبلن هذا إطراءً، وأن تُكنّ احترامًا كبيرًا للفاوانيا، وأن تُظهرن اللطف أيضًا للزهرة التي أمسكها ماكي هيوغو بالاعتناء بها." حملت الأميرة آية الزهرة إلى غرفتها، ووضعتها في مزهرية ماء، ووضعتها قرب وسادتها. شعرت وكأن حبيبها معها. يومًا بعد يوم، كانت تتحسن حالتها. اعتنت بالفاوانيا بنفسها، والغريب أنها بدت أقوى فأقوى، بدلًا من أن تذبل. أخيرًا، استعادت الأميرة عافيتها. أصبحت فاتنة الجمال، بينما ظلت الفاوانيا في أوج ازدهارها، دون أن تظهر عليها أي علامة على الذبول. بعد أن أصبحت الأميرة آيا في صحة جيدة، لم يعد بإمكان والدها تأجيل الزفاف. وبعد أيام، وصل سيد أكو وعائلته إلى القلعة، وتزوج ابنه الثاني من الأميرة. بمجرد انتهاء حفل الزفاف، عُثر على الفاوانيا لا تزال في مزهريتها، لكنها ميتة وذابلة. وكان القرويون، بعد ذلك، يُطلقون عليها اسم بوتان هيمي، أو أميرة الفاوانيا، بدلًا من التحدث عن الأميرة آيا، أو آيا هيمي.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال