أسطورة إيزيس وأوزوريس
تُعَدُّ أسطورة إيزيس وأوزوريس من أكثر الأساطير الفرعونية تفصيلًا وتأثيرًا، وقد شكلت نواة المعتقدات المصرية القديمة حول الحياة والموت والبعث والملكية. تدور القصة حول جريمة قتل الإله أوزوريس، الحاكم العادل لمصر، على يد أخيه ست، رمز الفوضى والعنف، وما أعقب ذلك من أحداث بطولية قامت بها زوجته الوفية إيزيس لاستعادة جسده وإحياء النظام.
في مشهد مأساوي، يغتصب ست العرش، فينقلب ميزان النظام والعدالة، وتنطلق إيزيس في رحلة بحث مضنية عن جثة زوجها. تعثر عليها أولًا في جبيل، لكن ست لا يلبث أن يسرقها ويُقطّعها إلى اثنين وأربعين جزءًا موزعًا على أقاليم مصر. غير أن إيزيس، بعزيمة الأم والزوجة، تجمع الأشلاء وتعيد لأوزوريس شكله، فتحمل منه ابنًا هو حورس.
ينشأ حورس في الخفاء، ضعيفًا مهددًا، تحميه أمه في مستنقع أجمة البردي، مستعينة بالسحر والآلهة الطيبة. ومن هذا المخبأ يولد الأمل في استعادة النظام، ويشب حورس لينازع ست على عرش أبيه في صراع طويل وشرس، تجتمع فيه مظاهر القوة والدهاء والسحر والشرعية. تتنوع مشاهد المواجهة بين محاكمات سماوية ومصارعات شرسة، تتخللها حلقات من الانتصار والانكسار.
تمتد المواجهة لثمانين عامًا، يُصاب فيها كل من الإلهين إصابات رمزية: حورس تُقتلع عينه، التي تمثل القمر، في حين يُخصى ست أو يُسلب قوته الجنسية، مما يعكس رمزيًا صراع الخصوبة والنظام ضد sterility والفوضى. وبتدخل الآلهة كتحوت ورع، تُحسم المعركة أخيرًا لصالح حورس، الذي يستعيد عينه ويعتلي عرش مصر، بينما يُنفى ست أو يُدمج في النظام الكوني كرمز مكمل.
تُعالج الأسطورة موضوعات عميقة كالشرعية، والخلافة، والانبعاث، ودور المرأة، والقيم الأسرية. إيزيس تمثل الأمومة والحكمة والسحر، وهي النموذج الأعلى للوفاء والتضحية، في حين يُجسد أوزوريس فكرة الملك الإلهي المبعوث بعد الموت، وحورس رمز الأمل والحق، بينما يمثل ست العنف والفوضى والاعتداء.
مصادر الأسطورة متعددة، أقدمها نصوص الأهرام، ونصوص التوابيت، وكتاب الموتى، ثم نقوش معابد الدولة الحديثة، فضلًا عن تمثيلية منف، والنقوش الطقسية، والتعويذات السحرية، والنصوص الأدبية كـ"الصراعات بين حورس وست". كما نقل الكتّاب اليونان والرومان مثل بلوتارخ وهيرودوت وديودور الصقلي نسخًا وتأويلات للأسطورة.
تميزت هذه الأسطورة بتداخل رمزي كثيف، وغنى سردي، ومرونة عبر العصور، مما جعلها تُروى بصيغ متنوعة، تتغير تفاصيلها حسب السياق الثقافي والديني، لكنها تحافظ دائمًا على جوهرها: انتصار النظام على الفوضى، والحياة على الموت، والوفاء على الخيانة.
وبهذا، فإن أسطورة إيزيس وأوزوريس ليست مجرد حكاية أسطورية، بل سردية كونية عبرت عن رؤية المصري القديم للعالم، ونظرته إلى الحكم، والموت، والدين، والأسرة، والمجتمع، وصراع الخير والشر، وهي لا تزال حتى اليوم موضوعًا للدهشة والتأمل في تراث الإنسانية الروحي