بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
لغتنا العربية ككل
اللغات تنمو وتتطور ، فتثري مفرداتها
الجمل ثراء ، و بلاغة .
فاللغة ظاهرة الفكر وأداته،
وثمرة العقل ونتاجه، ثم هي معرض الثـقافة الإنسانية
وحضارتها، ووسيلة للتواصل البشري يعبر بها الإنسان
عمـا يختلج في صدره من أفكار ومشاعر، أمـا اللغة العـربية فهي واسطة عقد
اللغــات العالمية لمسايرتها الزمن وطواعيتها للنمو والتـقدم، وقدرتهـا الفطــرية
علي التعبير عن الذات والموجــودات، وفوق مــا تتصف أنها لغة رسالة ﷲ الخالدة،
ووعاء سنـة نبيه المطهرة، ومعلم في طريق العلم، تنتمي اللغة العــربية إلي
أسرة اللغــات السامية المنبثـقة من مجمـوعـــة اللغــات الأخرى.
تمهيد
اختلف
العلماء في تعريف اللغة و مفهومها , و يرجع سبب كثرة التعريفات و تعددها إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم التي تنمو و
تتشعب في كل عصر.
وأول
من عرف باللغة أبو الفتح عثمان بن جني في كتابه ( الخصائص ) ، و هذا التعريف للغة يبدو أكثر إحاطة من بعض
التعريفات العصرية , يقول ابن جني في تعريفه للغة ( أما حدٌّها فإنها أصوات يعبر
بها كل قوم عن أغراضهم ) .
ويعرف
الدكتور تمام حسان اللغة بأنها منظمة عرفية للرمز ‘إلى نشاط المجتمع التي تعيش فيه
.
التعريف الاصطلاحي :
يمكن أن نخلص إلى
تعريف للغة يتشكل عبر تلك المفهومات :
( فاللغة نظام صوتي
يمتلك سياقا اجتماعيا و ثقافيا له دلالاته و رموزه و هو قابل للنمو و التطور يخضع
في ذلك للظروف التاريخية و الحضارية التي يمر بها المجتمع ).
خصائص اللغة العربية
و
يجب أن ننظر إلى خصائص اللغة من زوايا ثلاث:
- البناء الداخلي.
- خصائص تتعلق بالجانب التراثي المعرفي و الروحي .
- خصائص شعرية إيحائية .
أولاً : البناء الداخلي:
مبدأ الاعتدال
:
بنيت اللغة العربية , فكلماتها وضعت على ثلاثة
أحرف، و قليل منها أصله رباعي أو خماسي لكيلا يطول النطق و يعسر , فلم يكثروا من
الألفاظ الثنائية خشية تتابع عدة كلمات في العبارة الواحدة فيضعف متن الكلام و
يحدث فيه ما يشبه التقطع لتوالي الألفاظ المكونة من حرفين , و قد خرجت بعض اللغات
عن الأخرى عن الاعتدال - كما يقول الباقلاني - يتكرر في بعض الألسنة الحرف الواحد
في الكلمة الواحدة , و الكلمات المختلفة كثيراً نحو تكرر حرفي الطاء و السين في
اللغة اليونانية , و الحروف الكثيرة في تسمية الشيء الواحد في لغة الترك .
وقد شهد للغة العربية
الكثير من الدارسين و المستشرقين و الأجانب و حتى الكارهين أمثال ارنست رينان في
كتابه ( تاريخ اللغات السامية ) ووصفها قائلا :
( تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة
مفرداتها ورقة معانيها و حسن نظامها، ظهرت كاملة من غير تدرج )
و قال عنها المطران
يوسف داوود الموصلي :
( أقرب سائر لغات الدنيا
إلى قواعد المنطق عباراتها سلسة طبيعية ).
و
في حديث للمستشرق ماسينون عام 1949 تحدث عن تركيب اللغات المختلفة فأوضح أن العربية تفضل العبرية و السريانية
لقدرتها على الجمع بين خصائص السامية، و الميزات الخاصة التي تتمثل في سعة مدارجها
الصوتية من أقصى الحلق إلى ما بعد الشفتين، مما أدى إلى انسجام صوتي مع توازن و
ثبات بالإضافة إلى الرابطة القوية بين ألفاظها، و لكل صوت من اللغة العربية صفة و
مخرج و إيحاء و دلالة و معنى داخل و إشعاع
و صدى و إيقاع .
و من خصائص اللغة
العربية اتساع معجمها فالمعنى الواحد وضعت له ألفاظ متعددة لتكثير
وسائل التفاهم و حتى يجد المتكلم سهولة و عدم توقف أثناء الخطاب فإذا غاب عنه لفظ
كان بوسعه أن يأتي بمرادفه و إذا كان لا يستطيع النطق بكلمة لجأ إلى كلمة مرادفه
لها كما فعل واصل بن عطاء الذي لم يكن يحسن النطق بالراء ، فألقى خطبة بكاملها
بدون أن يلجأ إلى الكلمات التي تحتوي على حرف الراء.
و قد يستعاض بالكلمات
المترادفة كما في قول معاوية :( من لم
يكن من بين عبد المطلب جواداً فهو دخيل , و من لم يكن من بني الزبير شجاعا
فهو لزيق , و من
لم يكن من ولد المغيرة تيّاها فهو سنيد
) .
و
للغة العربية طريقة عجيبة في التوليد المفردات، بعكس اللغات الأوروبية , ففي
اللغة العربية نشتق المكتبة ( اسم المكان ) من الكتاب و الكتابة بينما لا علاقة
بين (book )
التي تعني كتاب في اللغة الإنجليزية و بين ( library ) التي تعني مكتبة .
ومن خصائص اللغة العربية أن الكلمة الواحدة فيها تحتفظ بدلالاتها المجازية و الواقعية دون التباس بين المعنيين . و لقد انفردت اللغة العربية بفن من النظم الشعري - كما يقول العقاد - لم تتوافر شرائطه و أدواته .
و كذلك اللغة العربية
لغة مجاز , و المجاز كما هو معروف الخاصية الأولى للغة الشعر و ليس المجاز
ما يشغل ذهن المتكلم إذ سرعان ما ينتقل المتلقي بذهنه إلى المعنى الأصلي , فمثلا
لو قال شخص عن آخر أنه ( أسد ) فسوف يفهم السامع مباشرة أن المقصود من ذلك هو
الشجاعة .
ولو لاحظنا اللغة
العربية لوجدنا أنه يكثر فيها اقتران المعاني الحسية بالمعاني المجردة وانتقال
المفردة من معنى إلى آخر لا بلغة المعنى السابق لذلك فإن لغتنا العربية لا تحتاج
إلى التسلسل التاريخي في وضع معاجمها الحديثة لان معانيها في الغالب لا تهجر بل
تستخدم كلها وفقاً لسياقاتها المتنوعة .
تميزت اللغة العربية بعدة ظواهر لغوية تدل على مدى سعة اللغة العربية و ثراءها و سعة الدلالة فيها على المعنى , وهى :
أ ) ظاهرة
الترادف :
الترادف في
اللغة: من الردف، وهو ما تبع الشيء، وكل شيء تبع شيئا فهو ردفه، وإذا تبع شيء
خلف شيء فهو الترادف.
وفي الاصطلاح: هو الألفاظ
المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد، هكذا عرفه الإمام الرازي وعرَّفه
الآخرون بأنه دلالة عدة ألفاظ على معنى واحد، أو دلالة الألفاظ المختلفة على
المعنى الواحد، وهذا كالدار والبيت، وذهب ومضى وانطلق، وقعد وجلس، وغير ذلك .
الترادف مظهر من مظاهر اللغة العربية
التي ارتـفعت به حتى بزت اللغات اتساعا وتشعبا، فاللغة العــربية فسيحة الآفاق،
مترامية الأطراف تتميز بالثراء، وغزارة الألفاظ والمفردات التي ليست لها في
اللغــات الحية شبيها .
و تعني ما اختلف لفظه و اتفق معناه حيث تطلق عدة كلمات على مدلول واحد , و قد كان للعلماء الباحثين في هذه المسألة مواقف متباينة فمنهم من أثبت وجود الترادف دون قيود و هم الأكثرية , و هناك من أنكر و جود هذه الظاهرة إنكاراً تاما ً موضحا ً أن هناك فروقاً ملموسة في المعنى , و هناك فريق ثالث أثبت الترادف لكنه قيده بشروط أقرب ما تكون إلى إنكاره .
ب ) المشترك :
المشترك، ما يشترك فيه الاسم والفعل والحرف (كلفظة من)، أو اسم الذات واسم المعنى (كلفظة زكاة فهي اسم لما يعطى ولحدث الإعطاء )، وأنواعه:
المشترك
الجنسي وهو جنس اسمي يشترك في
المذكر والمؤنث
المشترك
اللفظي (بفتح الراء) هو اللفظ الذي اجمعت فيه معان كثيرة (ككلمة العَين). أما إذا
اجتمعت فيه كلمات كثيرة مختلفة — كما هو شأن (كلمتي سائل (اسم فاعل سالَ، (وسائل (اسم فاعل
سَأَلَ— فإن تلك الكلمات تسمى مشتركات
لفظية (بكسر الراء).
المشترك المعنوي (بفتح الراء) المشترَك المعنوي هو المعنى الذي تشترك فيه مجموعة من الأسماء أو المسميات.
ج ) التضاد :
و هو ضرب من ضروب
الاشتراك إذ يطلق اللفظ على المعنى و نقيضه مثال ذلك : الأزر : القوة و الضعف
السبل : الحلال و الحرام
الحميم : الماء البارد و الحار
المولى : السيد و
العبد
الرس : الإصلاح و الفساد
المُتَضَادَّانِ:
اللذان لا يجتمعانِ كالليل والنهار
الشمس و القمر
د ) الاشتقاق :
معنى كلمة اشتقاق لغة بمعنى الأخذ و الاقتطاع أو تفرق
الأجزاء.
معنى كلمة اشتقاق اصطلاحا : هو استحداث كلمة و أخذها من
كلمة أخرى للتعبير بها عن معنى جديد يناسب المعنى الأصلي للكلمة أو عن معنى قالبي
جديد للمعنى الحرفي مع تشابه الكلمتين في الأحرف الأصلية. وهو من أكثر روافد اللغة و توسعها أهمية , و من
أبرز خصائص اللغة العربية و يدور معنى الاشتقاق في اللغة حول المعني الرئيسية
التالية :
الدلالة
الحسية : أخذ الشيء و هو نصفه .
الدلالة
المعنوية :
الخصومة و الأخذ في الكلام .
الدلالة الصرفية : اشتق الحرف من الحروف أي أخذه منه .
هـ) التعريب و
التوليد:
المعرب : و هو لفظ
استعاره العرب القدامى في عصر الاحتجاج باللغة من أمة أخرى , و استعملوه في لسانهم
مثل : السندس , الزنجبيل , الإبريق و ما إلى ذلك .
المولّد : و هو لفظ عربي البناء أعطي في اللغة الحديثة معنى مختلفاً عما كان العرب يعرفونه , مثل : الجريدة , المجلة , السيارة , الطيارة .... الخ .
و ) النحـت :
النحت في أصل اللغة: هو النشر والبري
والقطع.
هو في الاصطلاح : أَخْذُ كلمة من كلمتين متعاقبتين واشتقاق فعل منها.
و يعرف بأنه انتزاع
كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر تدل على معنى ما انتزعت منه كالبسملة من قولنا ( بسم
الله الرحمن الرحيم ) , أو حر فين مثل :(إنما) من
إن و ما .....الخ.
إلاَّ أن يشتقَّ فعل من جمع بين كلمتين مثل (حي
على) فهذه
كلمة جمعت من (حي) ومن (على)، ونقول منه حيعل،
يحيعل، حيعلة .
أقول لها و دمع العيم جار أ فلم يحزنك حيعلة المنادي
ز ) تلخيص أصوات
الطبيعة :
من وسائل زيادة الثروة اللغوية في اللغة العربية تلخيص أصوات الطبيعة و محاكاتها و في اللغة العربية ألفاظ كثيرة دالة على أصوات الحيوانات و ضوضاء الأشياء و هناك ألفاظ دالة على النطق و الكلام مثل تعتع أي ( تردد في الكلام ) .
ح ) انتقال المفردة من المحسوس :
و هذا الانتقال أثر في الفكر و بروز الحاجة إلى التعبير عن المعقولات و المجردات، من ذلك:
الاقتباس
: اصلها المادي قبس من النار ثم نقل المعنى إلى الأخذ من العلم والكلام و هو معنى
معنوي .
التشاجر
: اصلها في الدلالة المادية تداخل الشجر و تشابكه ثم انتقل إلى الدلالة المعنوية (
المخاصمة ) .
المراجع
1 / المهارات اللغوية . د \ محمد بن
صالح الشنطي .
2 / فن التحرير . د \ محمد بن صالح
الشنطي .
3 / تهذيب الصحاح . لمحمد بن أحمد
الزنجاني .
4 / جواهر الأدب . السيد أحمد الهاشمي
بك .
5 / الاتجاهات الحديثة في التعبير
الشفوي و الكتابي . محمد بلهادي .