دهاة العرب

 

دهاء العرب الأربعة

لم يَسُد العربُ الأوائل إلا بإيمان خالط بشاشة قلوبهم، وشجاعة مكنتهم من رقاب أعدائهم، ودهاء واجهوا به أعتى الإمبراطوريات القائمة وقتها.


دهاة العرب
دهاة العرب
 

قد ذكر القرآن الكريم طرفًا من استخدام الحيلة في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- مع إخوته، عندما وضع صواع الملك في رحل أخيه، وأذن مؤذن من جنود سيدنا يوسف:

"أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ"  (يوسف: 70  )

قد استفاد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من احتيال نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب، وقد أفشل الله بكيده وتدبيره مسعى قريش وغطفان ويهود.

انت الهزيمة في معركة الأحزاب بالحيلة والدهاء، وليس السيف هو الذي حسم المعركة، بل إن السيف لم يكد يُستخدم فيها.

 دهاة العرب الأربعةمعاوية بن ابي سفيان، عمرو بن العاص، المغيرة بن شعبة، زياد بن أبيه .


دهاء معاوية بن ابي سفيان

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه اشتهر بالحلم والدهاء والحنكة، مكث في القيادة أربعين عاما: عشرون منها واليا، وعشرون منها أميرا، وقد استطاع بفضل حلمه وأناته، وحسن سياسته، أن يملك قلوب أعدائه، قبل العرب.

 وكان يقول: لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها. وما هذا إلا لكمال عقله فقد كان لبيبا عالما حليما، ملكا قويّا، جيّد السياسة حسن التّدبير لأمور الدنيا، حكيما فصيحا، بليغا يحلم في موضع الحلم، ويشتد في موضع الشدة، إلا أن الحلم كان أغلب عليه. وقد بلغ الحلم بمعاوية أن دخل عليه ابنه يزيد مغضبا وقال: «لقد أفرطت في الحلم حتى خفت أن يعدّ ذلك منك ضعفا وجبنا» فقال معاوية: «أي بنيّ: إنه لا يكون مع الحلم ندامة ولا مذمّة، فامض لشأنك، ودعني ورأيي»

من طريف ما يذكر حول حلمه  ما رواه السهيلي في “الروض الأنف”: أن معاوية كان يطوف بالبيت، ومعه جنده فزحموا السائب بن صيفي بن عابد فسقط، فوقف عليه معاوية – وهو يومئذ خليفة- فقال: ارفعوا الشيخ فلما قام، قال: ما هذا يا معاوية؟ تصرعوننا حول البيت؟ أما والله لقد أردت أن أتزوج أمك.

قال المتنبي :

لِأَنَّ حِلمَكَ حِلمٌ لا تَكَلَّفُهُ     لَيسَ التَكَحُّلُ في العَينَينِ كَالكَحَلِ


عمرو بن العاص

هو أحد أبرز القادة الذين عُرفوا في الإسلام، واسمه أبو عبد الله بن وائل السهمي القرشيّ، وقد سُمّي بداهية العرب لِما اتّصف به من شدّة الذكاء والفِطنة، فقد كان واسع الحيلة وعبقريَّاً في تدبير الأمور، وهناك الكثير من القصص التي تدلّ على ذلك، كما أنّه كان بارعاً في القتال ويُحسن المراوغة والخداع الذي لا يخلو من الذكاء وابتكار الحِيَل في فنّ القتال. والدّهاء يعني الذكاء، والعقلانية، والفِطنة، والحِنكة، وحُسن التصرّف والحيلة، وجودة الرأي، وكلّ هذه الصّفات مجتمعة في الصحابيّ الجليل عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، لذلك اشتُهر بلقب داهية العرب، حتى قيل عنه :

 "كان داهية العرب رأياً وحزماً وعقلاً ولساناً".

يعد إسلام عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أَوْلى إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مُهمة قيادة سريةٍ إلى قضاعة بسبب محاولاتهم القضاء على المدينة، فكان -رضي الله عنه- على أهبّة الاستعداد، وسار بسريةٍ سُميت بِـ "ذات السلاسل"، وقد استطاع عمرو تحقيق النصر في هذه المُهمّة وتدبير شؤون المقاتلين بحِنكة وذكاء، ويظهر ذلك في مواقف عدّة، ومنه

كان الجوّ في ذلك الوقت بارداً، وأراد بعض المسلمين أن يوقدوا النار، ولكن عمرو بن العاص منعهم من ذلك. كان عمرو -رضي الله عنه- يأمر الجيش أن يسير في الليل ويختبئ في النهار. عندما بدت علامات النصر بعد مواجهة الأعداء أراد الجيش الإسلامي ملاحقة الهاربين، ولكنّ عمرو منعهم من ذلك. تيمّم عمرو بدلاً من الاغتسال من الجنابة وصلّى بالناس إماماً .

تولّى عمرو بن العاص أحد الجيوش التي اتجهت لفتح الشام، فذهب عمرو إلى فلسطين ليُشارك في معركة اليرموك التي كان من أبرز قادتها خالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وتمّ فتح بلاد الشام على يدهم؛ حيث استطاعوا هزيمة جيش الروم، وقد قال عمر بن الخطاب عن هذا الفتح: "لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب"، كناية عن براعة عمرو بن العاص وما قدّمه في هذه المعركة لفتح بلاد الشام .

المغيرة بن شعبة  أمير الدهاء

رغم التقوى والورع، إلا أنه كان "داهية"، إنه المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله، من كبار الصحابة أولى الشجاعة والمكيدة والدهاء، اتصف دائما بأنه حاضر الذهن، لابد وأن نتعلم منه الكثير والكثير ليكون هو قدوة لنا فيها ولكن علينا أن نعرف أولا عنه الآتى باختصار: المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفيّ صحابي جليل أسلم قبل الحديبيـة وشهدها وبيعة الرضوان، كان ضخم القامة، عبْل الذراعين، أصهب، أجعد الشعر، وكان من دهاة العرب..

قال عنه الطبري ( كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجًا، ولا يلتبس عليه أمران إلا أظهر الرأي في أحدهما ) كان المغيرة بن شعبة مع أبي سفيان في هدم طاغية ثقيف بالطائف، وبعثه أبو بكر الصديق إلى أهل النُّجَيْـر -حصن منيع باليمن قرب حضر موت لجأ إليه المرتدون-، وشهد اليمامة وأصيبت عينه يوم اليرمـوك، ثم كان مع رسـول سعد إلى رستم، وكان رسول النعمان بن مقرّن إلى أمير الفرس، وشهد تلك الفتوح..

قال عمر بن الخطاب ( ما تقولون في تولية ضعيف مسلم، أو قوي فاجر ؟) فقال له المغيرة ( المسلم الضعيف إسلامه لك، وضعفه عليك وعلى رعيته، وأمّا القوى الفاجر ففجوره عليه، وقوته لك ولرعيتك ) فقال له عمر ( فأنت هو، وأنا باعثُكَ يا مغيرة )

قال المغيرة عن نفسه ( أنا أول من رشا في الإسلام) وقال المغيرة -رضي الله عنه- ( اشْكُرْ لمن أنعمَ عليك، وأنْعِمْ على مَنْ شكرك، فإنّه لا بقاءَ للنعمة إذا كُفِرت، ولا زوالَ لها إذا شُكِرَت، إنّ الشّكر زيادة من النعم، وأمانٌ من الفقر (..

زياد بن أبيه

قائد عسكري عربي مسلم، كان من أعلام عهد الخلافة الراشدة، سياسي أموي شهير، لم يعرف اسم أبيه ونسبه فقيل أنه زياد بن عبيد الثقفي وقيل أنه ابن أبي سفيان بعد أن استلحقه معاوية بن أبي سفيانساهم في تثبيت الدولة الأموية وكان واحدًا من دهاة العرب.

اعتمد على نفسه في تكوين شخصيته وأصبح من خطباء العرب. في إحدى المرات قص زياد إحدى معارك المسلمين فأعجب به الناس فقال أبو سفيان لعلي بن أبي طالب: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى؟ فقال علي: نعم، قال أبو سفيان: أما أنه ابن عمك، قال وكيف ذلك؟ قال أبو سفيان: أنا قذفته في رحم أمه سمية. قال علي وما يمنعك أن تدعيه؟ فقال: أخشى الجالس على المنبر وكان الجالس هو عمر بن الخطاب .

عمل كاتبًا لأبي موسى الأشعري ونبغ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وقيل فيه أنه كان يمكن أن يسوق الناس لولا نسبه المجهول، فقيل أن أبا سفيان بن حرب أقر ببنوته، وقال لأحد الطاعنين فيه: "ويحك، أنا أبوه"

في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب تولى زياد ولاية فارس وكرمان، فلما تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة بعث معاوية يطالبه بالمال، فكتب إليه:«صرفت بعضه في وجه واستودعت بعضه للحاجة إليه وحملت ما فضل علي أمير المؤمنين رحمه الله». فكتب إليه معاوية بالقدوم إليه لينظر في ذلك فامتنع زياد. فلما ولى معاوية بسر بن أبي أرطأة على البصرة أمره باستقدام زياد، فجمع بسر أولاد زياد في البصرة وحبسهم وهم عبد الرحمن وعبد الله وعباد وكتب إلى زياد قائلا:«لتقدمن أو لأقتلن بنيك». فامتنع زياد واعتزم بسر على قتلهم. فسار أبوبكرة (وهو أخو زياد لأمه) إلى معاوية. فلما قدم عليه قال:« إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال وإن بسرا يريد قتل بني زياد». فأمر معاوية بالإفراج عنهم، فأطلق سراحهموخاف معاوية منه فلجأ إلى الحيلة وذكر ما كان من أمر أبيه يومًا، ومقالته في زياد، فأرسل إليه أنه سيقر بنسبه إلى أبيه، ويصبح اسمه زياد بن أبي سفيان، فوافق زياد، فصالحه واستقدمه إلى الشام واستلحقه بنسب أبيه أبو سفيان وكان ذلك سنة 44 هـ.

في السنة 45 هـ ولاه معاوية البصرة وخراسان وسجستان فقدم البصرة آخر شهر ربيع الأول (سنة 45) والفسق ظاهر فاش فيها فخطبهم خطبته الشهيرة بالبتراء، وإنما قيل لها ذلك لأنه لم يحمد الله فيها،

استعان زياد في تدبير شؤون المدينة بكبار الرجال مثل أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وسمرة بن جندب واستعمل على شرطة البصرة عبد الله بن الحصين  وأمره ان يمنع دخول المدينة ليلا. واستكثر من الشرطة والجند حتى بلغ عددهم 4000 شرطي و80,000 جندي في البصرة. فساد الأمن في البصرة وهدأت الأحوال وزادت عمارة البصرة وكثرت خيراتها وتهافت الناس إليها من كل جانب. وولى قضاء البصرة عمران بن حصين .

وفي سنة 50 هـ مات المغيرة بن شعبة أمير الكوفة ألحقت ولايتها بالبصرة، فجمعت الكوفة والبصرة إلى زياد فكان يقيم ستة أشهر في الكوفة وستة أشهر في البصرةفأقام سمرة بن جندب على البصرة، ثم ضم إلى زياد خراسان وأضاف إليه سجستان ثم جمع له البحرين وعمان. فثبت زياد دعائم الملك لمعاوية.

 

المراجع

1 – الآداب السلطانية .. الفخري

2- انساب العرب

3 – الروض الأنف  .. السهيلي

4 – سير أعلام النبلاء .. الذهبي

5 اخبار مكة ..  للفاكهي

6  -  تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ..  جمال الدين المزي

7 – الكوكب الوهاج .. محمد الأمين الهرري

8 -  كتاب قصص من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي

9 -  مختصر تاريخ البصرة. علي ظريف الأعظمي

 


مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال