السفاح الملعون عقدة الجنس التي صنعت وحش القرن العشرين

السفاح الملعون عقدة الجنس التي صنعت وحش القرن العشرين
قالت لي صديقتي و نحن نجلس في الحديقة : كانت وارسو في تلك الليلة أشبه بمدينة ميتة، يغطيها صمت ثقيل لا يقطعه سوى صرير الريح وهي تتسلل بين الأزقة. في ميدان "برول هايت" كان الظلام سيد المكان، كأنما غطاء أسود يخنق الأنفاس و يرعبها . خطوات سريعة مترددة كانت تقترب من الزقاق، إنها مسز روبنسون، عائدة من عملها متأخرة هذه الليلة . قلبها يخفق بعنف و هى تسير ، نظراتها تتقافز يميناً ويساراً في الطريق الموحش ، تلتفت كل بضع ثوان كمن يتوقع أن يخرج الشيطان من قلب الظلام . همست لنفسها محاولة طرد الرعب: ـ "مجرد ليل طويل... مجرد وهم.. " لكن وقع كعب حذائها الذي يرن على حجارة الطريق بدا أشبه بإطلاق نار يتردد صداه في صدرها. عندما وصلت إلى منزلها، شهقت تنهيدة ارتياح، وصعدت الدرجات مسرعة الخطى . أضاءت المصباح في غرفتها، وبدأت تخلع معطفها بارتباك شديد ، ثم فكب زراير فستانها ، ثم فتحت النافذة لتجديد الهواء. وفجأة تجمد الدم في عروقها! كانت النافذة المقابلة مسرحاً لكابوس لا يصدقه عقل و لكنه ليس كابوس بل حقيقة ، فتاة صغيرة، لا تتجاوز الثانية عشرة، ممددة على طاولة خشبية. أطرافها مثبتة بالمسامير كما لو كانت قطعة أثاث مصلوبة، وضفيرتها الطويلة مربوطة بحديد يهبط من السقف كالمشنقة. وفوق جسدها الهزيل النحيل، يقف رجل أشقر طويل القامة، عاري الصدر مما يستره ، عيناه زجاجيتان ، يلعق جسدها في طقس سادي وحشي مرعب . صرخت مسز روبنسون صرخة مدوية ، مزقت سكون الليل الهادئ، صرخة أيقظت الحي بأكمله ، فأضاءت الأنوار و كأن الصباح قد عاد . الأنوار اشتعلت في النوافذ، الكلاب عوت، والوحش البشري قفز كذئب جائع عبر النافذة، تاركاً خلفه جسداً مصلوباً، مطعوناً بأداة حادة، مرسوماً عليه رموز غريبة أشبه بطلاسم سفلية. دخلت الشرطة بعد دقائق معدودة ، فوجدوا الطفلة جثة هامدة، جسدها ملوثاً بالدماء ، ووجهها مجمداً في تعبير رعب أبدي. الطبيب الشرعي دوّن ببرود: "عذراء... اغتُصبت بوحشية، نزفت حتى الموت. وبعد وفاتها ثبت جسدها بالمسامير... الوشوم مرسومة بدمها ذاته ." ارتجفت المدينة. الأمهات احتضنّ بناتهن كما لو كن يحمين أرواحهن من الشيطان ذاته. والرعب تسلل إلى كل بيت، إذ لم تمضِ أيام حتى تكررت الجريمة، ثم ثالثة، ورابعة... والقاتل كالشبح، لا أثر له، يضرب ويختفي، كأنه لا يعيش إلا بين الظلال. المكالمة التي غيرت كل شيء في صباح اليوم التالي الشاحب، رنّ هاتف مدير البوليس. رفع السماعة ليأتيه صوت بارد كالجليد: ـ "هل تبحث عني؟ أنا السفاح. جئت أقدّم عنقي... بشرط واحد: لا أريد الإعدام بالكرسي الكهربائي." سقط الصمت في المكتب مدير الشرطة . دقائق معدودة مرت قبل أن يظهر رجل أشقر، مفتول العضلات، بملامح عادية لا توحي بالوحشية، يجلس بهدوء أمام المحققين دون أصفاد. كان اسمه بيلارج شيدان، أول سفاح بولندي منذ ثلاثين عاماً. جلس مبتسماً ببرود، وكأنه جاء ليتسلى. اعتراف الوحش جلس أمام الطبيب النفسي، وبدأ يروي: "كنت عاملاً في مناجم الحديد. لا زوجة لي ، لا أهل أعيش معهم . جسدي قوي كما ترون ، لكن روحي فارغة هامدة. قبل أربعة أشهر بدأ كل شيء... مع ابنة القس، كلاديج. الشابة المملوءة بحيوية الأنوثة ، و الرغبة المكبوتة " لقد حاولت أن يكون ما بيننا مجرد قبلات ، و أحضان ساخنة ، و لكنها كان لها هدف أخر ، فكت زراير القميص ، فأصبحت عاري الصدر ، و أسقطت فستانها عن جيدها ، فأصبح عاريا شهيا ، و حاولت أن أتماسك ، و لكنه رغبته كانت أقوى من خجلي . و أصبحنا جسد واهد في حجرة أبيها . ارتعشت نبرته للحظة، ثم تابع: "دخل القس حجرته فجأة إلىحجرته... رآني عارياً فوق ابنته على فراشه. صرخ: يا إلهي!... في تلك اللحظة شعرت أن رجولتي انكسرت. أصبت بالعجز. لم أعد أجرؤ على لمس امرأة ناضجة. بدأت أبحث عن الصغيرات... كنّ لا يميزن بين عجز أو قوة. ثم... اكتشفت شيئاً آخر... القتل ذاته صار لذة. لم أعد أمارس الجنس، بل أمارس الموت." سأله الطبيب بصوت متردد: "ولماذا جئت إلينا طائعاً؟" ابتسم السفاح ابتسامة باردة وقال: ـ "لا أعرف... ربما أردت أن أرى النهاية. أو ربما أردت أن أضحك على موتي. في داخلي فراغ أسود... يبتلعني." لم يطل الانتظار طويلا . صدر الحكم خلال ساعات. وفي ساحة مظلمة، تجمع الناس، بعضهم يصرخ بأعلى صوته، بعضهم يبكي، وبعضهم يتطلع إلى وجه السفاح بفضول غريب. وقف بيلارج شيدان تحت حبل المشنقة، يبتسم كمن يواجه صديقه القديم. وعندما انفتح الباب تحته، ظلّت ابتسامته عالقة، كأنما الموت نفسه لم يكفِ لإطفاء نيران الجحيم التي سكنت داخله. وهكذا، أُسدل الستار على أبشع جريمة في القرن العشرين... جريمة ولدت من عقدة الجنس، ونمت حتى تحولت إلى طقس دموي لا يشبع.

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال