أنا و النحس صديقان

 

أنا والنحس
أنا والنحس صديقان

يقولون الصيت ولا الغنى

و يبدو أن نصيبي من الصيت هو كل ما كتب لي من الحياة ، أما الغنى أو حتى الستر فأمران لا يجدر بمن كان النحس صديقه و حليفه مثلي أن يتطلع أو يرنو إليهما ببصره .


أجل ، أنا نحس و إلا ، فهل تصدق أن سباحا عالميا مثلي و لا فخر ، يتقاضى مرتبا شهريا قدره سبعة جنيهات .


و هل يصدق القراء إنني تعلمت السباحة أثناء محاولتي الانتحار ، بعد أن ظهرت نتيجة العام الدراسي ، و أتضح إنني من المتخلفين الراسبين بجدارة في جميع المواد .


هكذا حدث ، فقد ذهبت إلى النيل لألقي بنفسي بين أحضانه ، فإذا بيد صديق تنقذني ، و إذا به يصر على أن يعلمني السباحة . 


و تعلمت السباحة ، و لكن السباحة كانت شؤما علي بقدر ما كانت خيرا و بركة على الآخرين .


كانت أمنية اسرتي ان استمر في دراستي ، و لكنني أصررت على أن أضرب برغبة أسرتي عرض الحائط، وركزت جهودي في السباحة حتى فزت ببطولة مصر لسباحة المسافات الطويلة في أول مرة اشتركت فيها ، و لم يكن سني إذ ذاك يتجاوز الرابعة عشرة .


و أحلم بالمجد ، و تخليت عن المدرسة نهائيا ، و كان ذلك بداية النحس الذي لازمني – متفضلا – بعد ذلك في جميع مراحل حياتي .


حتى هتلر

و العلاقة بيني و بين المستشار السابق  لا تعدو معرفتي باسمه ، و لكنه مع ذلك قد قام بدور هام في حياتي عندما أعلن الحرب ، فقد فوت علي فرصة عبور المانش ، كان السيد محمد طاهر باشا قد وعدني بتدبيرها ، في صيف العام و أنا في الخامسة عشرة من عمري.


رقم قياسي

و مرت سنوات الحرب و انا دائب على المران استعدادا لليوم الذي أثبت فيه للعالم جدراتي ، و استطعت أن أقضي في احدى المرات 45 ساعة ، و هو أكبر رقم سجله أحد السباحين، و في خلال هذه السنوات الطويلة لم أكسب من السباحة مليما واحدا ، بل كلفتني المحاولات التي قمت بها بين بلطيم و رأس البر كل ما كنت أملك من مال، و دفعت في إحدى هذه المحاولات مائة جنيه كاملة ثمنا للقارب الذي كان يحمل أعضاء لجنة التحكيم ، و الذي أبى أن يتخلى عنهم في أحرج المواقف، ليستقر بهم ، و بالمهمات  التي يحملونها في قاع البحر.


مريض البلهارسيا

و عندما وضعت الحرب أوزارها في النهاية تنفست الصعداء ـ و ظننت ان النحس الذي لازمني طويلا سيتخلى عني في النهاية ، و لكنه أبى إلا أن يتابعني .


لقد فكر القائم مقام الدكتور محمد  صبري في اختياري ضمن الفريق المصري لعبور المانش في عام 1948 ، و لكن الأطباء رفضوا ذلك ، فقد اكتشفوا إنني مريض بالبلهارسيا. و سافر عبد الرحيم و مرعي حسن حماد و سجلا نصرا ، كنت أتطلع إلى مشاركتهما فيه ، لولا سوء الطالع .



محاولات فاشلة

و توالت المحاولات في عام 1949 و 50 و 50 ،  لكنها فشلت جميعا .

فشلت في عام 1948 بعد أن تسرب الماء فجأة إلى رئتي و أنا على مقربة من الشاطئ الانجليزي ، فخرجت من الماء ملقى 12 يوما في مستشفى فوكستون .


و فشلت في عام 1950 و أنا على بعد 350 ياردة من كاب جرينيه بعد أن قطعت المسافة في 13 ساعة ضاربا الرقم القياسي العالمي بساعتين و 35 دقيقة ، و كان ذلك بسبب العاصفة  العاتية التي هبت فجأة و تركتني أسبح 5 ساعات متوالية و أنا في مكاني .


و عندما اخرجت من الماء في النهاية كنت أبكي في حرارة الفرصة الضائعة.


الزميل فهمي عطا لله

و اذكر في ذلك العام أنني كنت من بين المرشحين للاشتراك في مسابقة الديلي ميل ، و لكن إدارة الجريدة رفضت طلبي ، لأن الزميل فهمي عطا الله – عفا الله عنه – كان قد تقدم بطلب الاشتراك  في المسابقة .

و لم يجد المسئولون سبيلا إلى رفضه ، إذ كان أول من تقدم للاشتراك في المسابقة ، و لم يكن في الامكان قبول أكثر من ثلاثة مصريين .


و مرة أخرى

و في سنة 1950 فزت ببطولة المسافات الطويلة و سافرت للاشتراك في سباق ( الديلي ميل ) و رفض  طالب أيضا ، و قبل طلب الزميل السيد العربي الذي سبقته الدعاية له إلى انجلترا .


و حقق الزملاء في هذه المرة ايضا نصرا ، كنت حريا بمشاركتهم فيه لو اتيحت لي فرصة .

و قد قمت بعدة محاولات فردية لم يقدر لها النجاح بعد أن جرفني التيار ناحية بلجيكا .


بعد فوات الفرصة

و سافرت في العام التالي لأشترك في سباق ( الباتاون ) ولأعبر المانش ذهابا و عودة، و دفعت للاشتراك، ونفذت جميع الشروط المطلوبة، و قضيت عشرة أيام في المعسكر الخاص بالسباحين بالفعل، و لكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا  أن السباق محلي ، و أنه غير مصرح بالاشتراك فيه للأجانب ، و كأنهم لم يكونوا يعرفون ذلك من قبل .

و عدت دون أن أقوم بالمحاولة بعدما قضيت ثلاثة أشهر في انتظار الجو المناسب .


يأس

و بدأ اليأس يتسرب إلى قلبي نظرا للظروف التي تحيط بي فالمرتب الضئيل، والمحاولات الفاشلة كل ذلك كان يدفعني على التخلي عن السباحة في النهاية و لكن الدكتور صبري كان يقف إلى جانبي يشجعني على المثابرة و الاحتمال .


محاولات لإنصافي

ومن العدل أن أقرر أنه بذلت محاولات لإنصافي أسوة بزملائي ، و لكن النحس كان يقف في طريقي دائما. 

حاول ذلك محمد زكي علي باشا في حكومة النقراشي،  لكنه استقال قبل ان يرد إلي حقي .


و حاول ذلك محمد حسن العشماوي باشا وزير المعارف في ذلك الحين ، بل لقد أعد مذكرة بالفعل لعرضها على مجس الوزراء ، و لكن الوزارة استقالت قبل أن تعرض المذكرة.


و حاول ذلك أيضا مصطفى النحاس باشا ، ولكنه لم يلبث أن أقيل.


أنا نحس

و بدا إيماني يزداد بانني نحس عندما عبرت المانش بعد ذلك مع زميلي السيد العربي ، و بكر سليمان ، و أعدت مذكرة لإنصافنا ، و أنصف الزميلان ، و أبى الحظ إلا أن يقف في طريقي ، و أن أحرم من الحصول على الميزات التي أتيحت لزملائي الآخرين بسبب اشاعة رأت الصحف الانجليزية ووكالات الأنباء أن ترددها خاصة بعلاقتي بسباحة انجليزية قبل أن أعتزم الزواج منها .


لأعود فأقول كما يقول الناس :" الصيت .. و لا الغنى " و أنا قليل البخت.

 

العبرة

يلازم بعض الناس سوء طالع ، معتقداً أنه نحس ، و أن الدنيا كلها تقف ضده ، و لا يحاول أن يغير شيئا في اعتقاده.

 

مدونة فكر أديب

مرحبًا! أنا كاتب متحمس للاكتشاف والتعلم، وأجد الإلهام في تفاصيل الحياة. أحب القراءة والغوص في عوالم جديدة من خلال الكتب، والكتابة تعبر عن أفكاري ومشاعري. تجربتي الطويلة قد أكسبتني ثراءً في الفهم والتحليل. أنا هنا لمشاركة تلك الخبرات والتفاصيل الجميلة مع الآخرين. دعونا نستمتع معًا بسحر الكلمات والأفكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال